الخميس 26 شباط (فبراير) 2015

الحل ..إطلاق المشروع النهضوي

الخميس 26 شباط (فبراير) 2015 par د. فايز رشيد

مطلق عربي في الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج، يدرك الحالة الرديئة التي يمر بها العالم العربي في هذه المرحلة التاريخية من حياة امتنا، فمن التعرض للمؤامرة الصهيو-أميركية لإنشاء الشرق الأوسط الجديد (الكبير) إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في كل أشكال العدوان على شعبنا وأمتنا وبخاصة على غزة وآخرها عدوان عام 2014, والعدوان على سوريا ولبنان وأهداف عديدة في دول عربية، والإمكانية الفعلية لإعادة انتاج العدوان على الفلسطينيين والعالم العربي، وسط التهديدات الصهيونية بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وما ستعنيه من زيادة حدة التوتر في المنطقة، وصولا إلى الصراعات المذهبية والطائفية في بضعة دول عربية، والصراعات السياسية، والانقسام الفلسطيني.
بالطبع، فإن هذه الحالة العربية فرضت تحولا في أنماط الصراع، من الشكل المفترض توجيهه ضد العدوان الخارجي وركيزته الإسرائيلية، إلى الشكل الداخلي، الذي يُمعن في المزيد من التمزيق في الجسد العربي، الذي أصبح مثخنا بالجراح.
بالمقابل، وعلى صعيد المجابهة، فباستثناء المقاومتين في فلسطين ولبنان والعراق ( ضد الإحتلال الأميركي إلى ما قبل فترة)، وبغض النظر عن حجم الإنجازات التي استطاعت كل من هذه الحركات الثلاث تحقيقها، والتي وصلت في الحالة اللبنانية إلى تحقيق انتصار استراتيجي تاريخي حاسم على إسرائيل .. أما بالنسبة للحالة الفلسطينية .. فإن الإنقسام السياسي والجغرافي الحقيقي، أدى إلى تراجع المشروع الوطني الفلسطيني عقودا إلى الوراء, والعراق وشبه الإنسحاب الأميركي منه.
على صعيد النظام الرسمي العربي، فإن مهمته الأساسية تتمثل في هاجس الحفاظ على الذات، يتبين ذلك من عدم استجابته لحقائق العصر، والتي من أبرزها أن هذه المرحلة هي عصر التجمعات الأقليمية على الصعيدين: الجيوسياسي،والآخر الاقتصادي، وذلك في محاولة التأثير في الحدث، ليس فقط دوليا، وإنما بالضرورة، الذي يطال أيضا النظام العربي نفسه، كَمَثَلْ مطالبته على سبيل المثال لا الحصر، بتحقيق الديموقراطية، وبناء الإنجازات للمتطلبات العولمية في مختلف المناحي في بلدانه.
على الصعيد الشعبي العربي، والذي تأثر حكما بالأحداث التي مرّت بها المنطقة، فإن من الوضح أنها ليست بالأحسن حالا، إن من حيث الشرخ في العلاقة بين الشعوب العربية، والذي يتعمق يوما بعد يوم، أو من حيث الأدوات الجماهيرية: قوى وأحزاب، نقابات، اتحادات، مؤسسات جماهيرية أخرى، وغيرها، وغيرها …. وقصورها الواضح أيّا كانت اتجاهاتها: وطنية، قومية، دينية ويسارية في التعامل مع متطلبات المرحلة تشخيصا، وآداءً فعليا متصديا للاستهدافات من جهة، ومن جهة أخرى، العمل على إنتاج البديل الفعلي والنقيض لما هو قائم.
في ظل هذه الحالة العامة العربية الرديئة، المملوءة بالصراعات الدموية، والتي إن لم تَجْرِ معالجتها على وجه السرعة، فإنها تهدد بالمزيد من التمزيق في الحالة العربية، وتؤسس لصراعات أخرى وانقسامات أكثر حدةً في تأثيراتها، بحيث يصعب على الأجيال القادمة (والتي من الخطأ والخطيئة أن يتم توريثها لها) إيجاد أية حلول لها، لأنها تكون قد استفحلت وطالت وأصبحت جزءا أساسيا، من عموم الحالة العربية ومن مكوناتها الرئيسية.
من هنا، تنبع أهمية تجاوز هذه الحالة التمزقية، الإنقسامية، الصراعية، الخطيرة.. إن من أجل الانتصار عليها أواحتواء مظاهرها السلبية، على قاعدة وأسس سليمة، تعمل على حلّها وتضمن عدم إعادة أنتاجها.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، التأسيس لمستقبل يكون قويا، ثابتا وراسخا في مفاهيمه الوطنية والقومية، مهما تعرض للتأثيرات العدوانية والمؤامرات، التي قد تتخذ أشكالا داخلية أخرى في استهدافاتها العديدة والبعيدة المدى.
لن يتم تجاوز عقبات وإشكاليات وصراعات المرحلة، إلاّ من خلال إطلاق المشروع النهضوي العربي وفي المجالات: الاقتصادية، السياسية، والثقافية، الاجتماعية والعسكرية.
مشروع نهضوي يأخذ بعين الاعتبار الجوانب السلبية وعوامل الفشل لكافة المشاريع النهضوية السابقة. مشروع نهضوي لا يقف عند التحديد النظري للأسس، وإنما يدخل في آليات تحقيق بنوده واقعا فعليا ملموسا. مشروع جمعي عربي ينطلق من قاعدة الهرم، أي من الجماهير الشعبية، وليس من البنى الفوقية، التي تُبقي قراراتها وتصوراتها للعمل الجماعي العربي المشترك في أدراج خزائن المؤسسات الرسمية المختصة. مشروع يهدف إلى تجديد الثقافة العربية المشتركة – تاريخا وأصالةً وتراثا وعوامل مشتركة أخرى. مشروع يأخذ بعين الاعتبار المصلحة القطرية للدولة، على قاعدة المصالح القومية … لما في ذلك من روابط عضوية وعلاقات جدلية بين المسألتين، بعد أن ثبت بالملموس عقم إمكانية تحقيق التقدّم القُطري بعيدا عن الاستناد إلى القاعدة القومية.
مشروع نهضوي عربي، يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية عالميا، والحقائق الاقتصادية الجديدة في ظل العولمة المطروحة، ليس من زاوية الاستجابة لمتطلباتها وشروطها واملاءاتها، وإنما يأخذ منها عناصرها التقدمية الإيجابية، التي لا تتناقض مع الواقع العربي، بل تنسجم وتتماشى مع عوامله وعناصره. ومن أجل إنجاح هذا المشروع، فإن ارتباطه بالفضاء الواسع من الحرية والديموقراطية والانسانوية يصبح حاجةً ضرورية، كإحدى اشتراطات تطوره، ومن أجل استيعاب الأقليات الإثنية المختلفة من غير العرب، كمواطنين متساوي الحقوق مع الآخرين في الدولة الواحدة، وكجماعات لها حقوق ثقافية اجتماعية خاصة بها، وصولا إلى هوية موروثة تاريخية لها.
وكتحصيل حاصل، فإن المشروع النهضوي ذو هوية عربية باعتبارها تجليا أمينا للقومية العربية، ذات الفضاء الأرحب، والتي تشكل أيضا الوعي الذاتي لهذه القومية في مناحيها المختلفة: التاريخي، الثقافي، الإثني…. بالتعاون والتواءم والجمع ما بين مفهومي العروبة والإسلام، في إطار النشأة التاريخية والبنية الثقافية والاجتماعية العربية… باعتبار أن الإسلام هو الوجه التاريخي الآخر لهذه النشأة وللبنيتين المعنيتين أيضا.. وذلك لا يعني (بالطبع) انتقاصا من حقوق معتنقي الدين المسيحي أو الديانات الأخرى من المواطنين العرب، فالقوميون العرب المسيحيون، لعبوا دورا أساسيا وملموسا في النهضة العربية الحديثة وفي معارك التحرر الوطني، والوطني الديموقراطي القومي العربي، ويعتبرون الأبطال القوميين العرب المسلمين، أبطالهم، وهم منغمسون في صلب ونسيج المجتمع العربي ومجابهة كافة التحديات التي تواجهه.
مثلما هي العروبة، تجمع كل الطوائف والمذاهب على اختلاف انتماءاتها، فإن المشروع النهضوي العربي يشمل السنة والشيعة المسلمين، والروم الكاثوليك والروم الأرثوذوكس، واللاتين والموارنة والأقباط من المسيحيين العرب.
إن التأسيس للمشروع النهضوي العربي، يبدأ من المثقفين العرب، المطالبين بحل التعارضات الثقافية على المستوى المحلي أولا، ثم التنسيق على الصعيد القومي العربي، بالتلاحم مع كافة الأطر والأدوات والصيغ الجماهيرية القومية العربية، لتجعل من أهم واجباتها، العمل على إنجاح هذا المشروع، من خلال الدعوات المستمرة إلى تحقيقه وتحويله إلى مُنْجَزْ ثقافي عربي، وفي تلك الحالة… فإن البنى الفوقية العربية، سوف لن تجد أمامها سوى الامتثال لعناصر هذا المشروع… القادر وحده على الخلاص من الإشكاليات والصراعات العربية محليا وقوميا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165341

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165341 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010