الأربعاء 18 شباط (فبراير) 2015

المقاومة الفلسطينية والأزمة اليمنية

الأربعاء 18 شباط (فبراير) 2015 par منير شفيق

ستتجرّأ هذه المقالة على لفت انتباه فصائل المقاومة الفلسطينية ألاّ تتخذ موقفاً غير موقف الحياد – الحياد الإيجابي من الأزمة المندلعة في اليمن. وذلك استناداً إلى تجارب التاريخ المعاصر للمقاومة الفلسطينية منذ 1968 حتى اليوم.

لقد جاءت النتائج سلبية على المقاومة في كل الحالات التي اتخذت فيها قيادة المقاومة أو قيادة فصيل رئيسي من فصائلها موقفاً لصالح طرف من أطراف الصراع الداخلي في قطر من الأقطار العربية، أو انحازت إلى محور عربي في صراعاته. وذلك بغض النظر عن الأسباب التي تحوط بكل حالة. فقد أثبتت التجربة أنه كان على المقاومة أن تتمسك بموقف الحياد مهما كانت الضغوط والثمن الذي يمكن أن يدفع بسببه لأن الثمن هنا سيظل أقل بكثير من الثمن الذي سيدفع بسبب الانحياز أو التدخل في الشأن الداخلي.

ويمكن أن يُعزز هذا الرأي من خلال مجموعة من تلك الحالات التي بدأت بتجربتي م.ت.ف في الأردن 1969-1971 أو في لبنان 1972-1982، أو في 1984 في حرب المخيمات (في بعض الأبعاد)، أو في الحرب العراقية- الإيرانية، أو في الصراع السوري- العراقي (في مرحلة حافظ الأسد وصدام حسين) أو في احتلال العراق للكويت، أو في الأزمتين الداخليتين في كلٍ من سورية ومصر حتى يومنا هذا.

لا بدّ من التوضيح أن في كل هذه الحالات لا يمكن تحميل قيادة المقاومة وحدها مسؤولية ما اندلع من صراعات أو حتى صدامات مسلحة. ففي كل حالة تتفاوت أحجام المسؤولية. ولكن المشترك الذي تقع فيه المسؤولية على عاتق القيادات الفلسطينية هو عدم الالتزام الحازم (أو الإخلال، بهذا القدر أو ذاك، بالالتزام الصارم) في مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي القطري العربي، أو العربي العام. وهو المبدأ الذي وضعته حركة فتح منطلقاً أساسياً من منطلقاتها. وقد أصبح منذ 1969 عرضة للاختراق من جانب قيادة فتح نفسها، ولو بحدود ضيقة بداية، وكان مدار صراع فكري وسياسي حاد بين فتح وعدد من الفصائل الفلسطينية والقوى العربية المناصرة للثورة الفلسطينية. وقد وجهت لمبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي القطري والعربي- العربي (وامتداده الإسلامي) انتقادات سياسية صارخة ونقد فكري - أيديولوجي صارم.

قام المنطلق الفكري والسياسي لمبدأ عدم تدخل المقاومة الفلسطينية (كانت تسمّى الثورة الفلسطينية) على أساس تقدير موقف دقيق لوضع المقاومة وشعبها وقضيتها في إطار ما يقوم من تجزئة عربية وصراعات داخلية في القطر العربي الواحد، كما على المستوى العربي – العربي، في ما بين الأقطار والمحاور العربية. وقد عُزّز هذا التقدير للموقف بأسباب كثيرة منها طبيعة القضية الفلسطينية باعتبارها أولوية وكونها قضية العرب والمسلمين بالرغم مما تقوم بينهم من تجزئة وخلافات وصراعات. ومن ثم فإن على الشعب الفلسطيني وقيادته أن يركزا على الصراع ضد العدو الصهيوني حيث أرضهما ومكانهما وقضيتهما وإمكاناتهما ودورهما وحيث هو المطلوب منهما عربياً وإسلامياً. وكان منها (الأسباب) عدم التقبّل العام على مستوى الأطراف العربية المتصارعة وحتى على المستوى الشعبي القطري إزاء أي تدخل فلسطيني في الشأن الداخلي القطري والعربي، وإن كان كل طرف يسعى، لأسباب خاصة به وحده، إلى الضغط على القيادة الفلسطينية لتأييده لما تتمتع به القضية الفلسطينية وقادة مقاومتها من حب واحترام لدى الجماهير في قطره أو لدى العرب والمسلمين عموماً. وهنا يجب أن يذكر أن ضغوطاً هائلة كانت تتعرض لها القيادات الفلسطينية من قبل الأطراف العربية لتنحاز إليها وخوض معارك جانبية قياساً لأولوية صراعها مع العدو الصهيوني.

أما المنطلق الفكري والسياسي، وباختصار أيضاً، في نقد هذا المبدأ القاضي بعدم التدخل الفلسطيني في الشأن الداخلي القطري أو المحوري العربي – العربي فقد استند إلى تقسيم كل صراع داخلي أو محوري عربي- عربي على أساس تقدمي ورجعي، أو ثوري وعميل، وما شابه ومن ثم يجب على الثورة أو المقاومة الفلسطينية أن تنحاز لحلفائها الأساسيين، وتشاركهم عدائهم ضد خصومهم المتحالفين مع أمريكا أو الغرب. وذلك ما دامت مقاومة وثورة ومن ثم عليها أن تنحاز إلى المقاومين والثوريين ضدّ الرجعية والإمبريالية.

هذا التقسيم في جوهره ينبع من فهم خاطئ للصراعات باعتبارها صراعاً بين معسكرين أو بين فسطاطين. وليس بينهما من حالات ثالثة أو رمادية. هذا إذا صحّ من حيث المبدأ أن ينقسم الوضع الداخلي إلى فسطاطين أو الوضع العربي أو الإقليمي أو العالمي. وهذا المنهج هو امتداد للمنهج الذي قسّم العالم إلى بروليتاريا ورأسماليين، ثم إلى اشتراكيين وإمبرياليين، ثم إلى تقدميين ورجعيين، وهو وجه آخر لتقسيم ثنائي حاد للعالم إلى فسطاطين كما عبّر عنه ابن لادن أو إلى مؤمنين مسلمين وكافرين.

يكفي أن يلاحظ هنا أن من اعتبروا في المعسكر الواحد انقسموا على بعضهم انقسامات متتالية وحتى أعضاء الحزب الواحد أو التيار الواحد، أو الثورة الواحدة. الأمر الذي يجعل نظرية انحياز الثورة أو المقاومة الفلسطينية إلى طرف ما في الصراع القطري أو العربي – العربي أو العربي- الإسلامي أو العالمي مسألة معقدة وغير عملية ومن شأنها أن تزج بها في صراعات متتالية مع من اعتبروا من حلفائها وقد انقسموا على بعضهم. فهذا التوجه يريد من المقاومة أن تدخل في معارك جانبية تحت شتى الحجج فيما المحصلة حرف البوصلة عن القضية المركزية.

وإذا كان الحكم الفيصل هو في النتائج وليس في الحجج المقدّمة من جانب كل طرف فقد ثبت من كل انحياز قامت به قيادة المقاومة بأن نتائجه كانت سلبية عليها وعلى الشعب الفلسطيني وأحياناً على القضية ويكفي دليلاً ما حدث من انحياز إلى جانب العراق ضد إيران أو ضد الكويت أو ضد سورية. أو من انحيازات داخلية في أكثر من حالة قطرية ولا سيما في هذه المرحلة التي نعيشها. فمثلاً طرد ستماية ألف فلسطيني من الكويت، وعليه قس نتائج سلبية وفقاً لكل حالة.

صحيح أن مواقف الأطراف الداخلية في كل قطر عربي أو على المستوى العربي أو الإسلامي أو العالمي ليست سواء من القضية الفلسطينية، أو من جهة تأييد مقاومتها ودعمها. ويجب أن يؤثر هذا، كل بقدره، على مستوى متانة العلاقة بين المقاومة وأي طرف شقيق أو خارجي. ولكن يجب أن يقود إلى انتقالها للانحياز له في صراعاته الداخلية أو الإقليمية. هنا تلتزم المقاومة مبدأ عدم التدخل أو إذا شئت الحياد أو الحياد الإيجابي إذا كان بمقدورها أن تقوم بوساطة وبالتوفيق. ولهذا يجب أن تبقى صديقة لكل من يصادقها مع التمييز بين علاقة استراتيجية وثانوية، ولكن يجب كسب كل من يمكن كسبه مهما تضاءل حجم دعمه وتأييده واعتبر ثانوياً.

وبالمناسبة كل التجارب التي انحازت فيها المقاومة لأي طرف في موضوع خارج الموضوع الفلسطيني لم يكن لها أي تأثير في مجرى الصراع أو في الأدّق في نتائجه. أي كان التدخل بلا جدوى حقيقية في مصلحة المعني. لأن تأثيرها هنا معنوي باهت في أحسن الحالات. ذلك بأن احترام الجماهير لقيادة المقاومة محصور بمقاومتها للعدو الصهيوني وليس بأية قضية أخرى تأخذ منها موقفاً. وهي وشعبها في معادلة التجزئة شقيق صغير إن لم يكن الأصغر في أكثر الأقطار. ومن ثم عليها أن تعرف حدودها وأين مكامن قوتها وتأثيرها، وعليها أن تعرف بأنها كلما تجاوزت حدودها تضاءلت وعادت بالخسران.

إن اندلاع الأزمة الحالية في اليمن يستدعي التذكير، مرة أخرى، بالتجارب المريرة التي حدثت في السنوات الأربع الماضية بسبب الإخلال بمبدأ الالتزام بعدم التدخل في الشأن الداخلي أو الالتزام بمبدأ الحياد والتركيز على مقاومة العدو الصهيوني، وعدم الانجرار إلى أي صراع جانبي (يقود بالضرورة إلى انقسام داخلي فلسطيني جديد يضعف وحدة المقاومة والانتفاضة).

إن الصراع الذي انفجر في اليمن يشكل خطراً جديداً يواجه المقاومة الفلسطينية لما يحمله من إغراء الانحياز والتخلي عن مبدأ عدم التدخل والتزام الحياد السلبي بصورة حازمة، أو الحياد الإيجابي إذا قُبِل منها التدخل للتوفيق ورأب الصدع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2165997

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2165997 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010