الأربعاء 18 شباط (فبراير) 2015

آيزنكوت رئيس أركان عصر الصدامات المحدودة

الأربعاء 18 شباط (فبراير) 2015 par حلمي موسى

ينهي رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بني غانتس ولايته ليسلم خلفه الجنرال غادي آيزنكوت المنصب الذي غدا أشد إثقالاً من أي وقت مضى. فقد انتهى عصر الانتصارات السريعة التي كثيراً ما كللت بالمجد رؤوس الكثير من رؤساء الأركان السابقين. ومن الجائز أن كثرة رؤساء الأركان الذين صاروا ينهون بالعار ولايتهم صارت تدفع الكثيرين إلى السعي لتمرير الولاية فقط بأقل قدر من الأضرار وليس بأكثر قدر من الأمجاد.
وليس صدفة أن رئيس الأركان بني غانتس تولى المهمة في ظروف غير مريحة ليس فقط لأسباب تتعلق بالهزة الأرضية الهائلة التي أصابت المنطقة جراء تطورات «الربيع العربي». وكما هو معلوم كان غانتس قدّم استقالته بعد أن تبين أن الحكومة الإسرائيلية اختارت الجنرال يؤآف غالانت رئيساً للأركان قبل أن تعود وتلغي القرار جراء اتهام الأخير بالتعدي على أراضٍ عامة وبسبب ما سُمّي بفضيحة «وثيقة هرباز». وكان الشيء نفسه تقريباً قد حدث قبل ذلك عندما أعيد الجنرال غابي أشكنازي من الخدمة المدنية إلى الجيش لإعادة ترميمه في أعقاب إخفاقات حرب لبنان الثانية التي قادت إلى استقالة الجنرال دان حلوتس.
ورغم أن غانتس قاد في أعوامه الأربعة حربين على غزة وكاد يتورط في آخر ولايته بحرب أخرى مع حزب الله في لبنان وسوريا، إلا أنه لا يبحث كما يبدو عن إقرار بنجاحات بقدر ما يتطلع إلى تجنّب الآخرين اتهامه بإخفاقات. ولذلك ثمن من يؤمن أن غانتس في الواقع نجح في تجنب الوقوع في أشراك كبيرة أكثر مما أفلح في تحقيق قفزات كبيرة. ويسجل له كثيرون أن سعيه لتجنب المعارك الواسعة في غزة وفّر على إسرائيل خسائر أكبر إن لم تكن على صعيد الهيبة والمكانة العسكرية فعلى الأقل على الصعيد السياسي والدعائي. وليس صدفة أن الرئيس الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل، لكن المعروف باتزانه، أشاد بحكمة غانتس في كبح رئيس حكومة ووزير دفاع متطرفين، وأمل أن يراه هكذا في السياسة.
في كل حال، المعروف عن رئيس الأركان الجديد غادي أشكنازي قليل، لكن هذا القليل يشير إلى أنه من المدرسة ذاتها التي تبلورت في العقدين الأخيرين في الجيش الإسرائيلي والتي تتسم بالحذر الشديد والرغبة في تجنب الصدام الواسع. وواضح أن دوافع ذلك كثيرة أبرزها تركيز الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة على كل من سلاحي الجو والاستخبارات ما أفقد القوات البرية التي يأتي منها، كقاعدة، رؤساء الأركان، سمات الإقدام والغرور التي وسمت الأجيال السابقة من رؤساء الأركان. ومن الجائز أن رفائيل إيتان، من زمن الوحدة 101 والعمليات الانتقامية بما فيها مجازر قبية وغزة والسموع كان آخر جنرالات الحروب الكبرى.
وبديهي أن الجنرال دان حلوتس، قائد حرب لبنان الثانية، كان استثناء لأنه وصل إلى رئاسة الأركان من سلاح الجو الذي يكلّل نفسه بأمجاد التفوق وصولاً لاعتبار ذاته سلاح الجو الأفضل في العالم. وليس صدفة أن حربي لبنان الأولى والثانية لعبتا أهم دور في بلورة ما بات يُعرَف بإدراك القادة العسكريين الإسرائيليين لحدود ما يمتلكون من قوة. فقد بدأت حرب لبنان الأولى ضمن محاولة لتغيير الوضع الاستراتيجي لإسرائيل بشكل كامل في المنطقة التي قال أرييل شارون إنها تصل إلى الباكستان. وحرب لبنان الثانية بدأت أيضاً في إطار ما اعتبر محاولة لترسيخ مكانة إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة عبر تحالف إقليمي ودولي.
وكما سلف، سهلت حربا لبنان الأولى والثانية وما حدث في المنطقة من تغيير جوهري نقل الصدام من دائرة الجيوش التقليدية إلى دائرة «المنظمات شبيهة الدولة»، تبلور استراتيجيات ومفاهيم جديدة. فخطر الصدام مع جيوش كبيرة تلاشى أو يكاد ليحل مكانه خطر الصدام مع هياكل أقل قوة، لكنها أشد فتكاً وخصوصاً بعد امتلاك القوى «شبيهة الدولة» صواريخ وأسلحة باتت تشكل خطراً فعلياً كبيراً. ورغم أن الصدام مع هذه القوى لا ينطوي على مخاطر اجتياحات واسـعة إلا أن الخطر على الجبهة الداخلية الإسرائيلية صار أوسع من أي وقت مضى.
عموما يتولى غادي آيزنكوت ولايته في ظل الحديث عن خطر نشوب حرب على أكثر من جبهة. فاحتمالات الصدام مع إيران تتزايد، خصوصاً في ظل إصرار نتنياهو على التصادم مع إدارة الرئيس أوباما بسبب احتمالات الاتفاق النووي مع إيران. وهناك اعتقاد أنه كلما ازداد التوتر بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية بهذا الشأن ارتفع احتمال شن إسرائيل لهجمة منفردة ضد إيران. فاليمين الإسرائيلي صار يعتبر التصدي لامتلاك إيران أي قدرة على تخصيب اليورانيوم تهديداً وجودياً لوجود إسرائيل.
وعدا ذلك فإن التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية تشير إلى أن الحرب مع حزب الله آتية لأسباب مختلفة بعضها يتعلق بسوريا. وهناك تقديرات أخرى تشير إلى أن الحرب واقعة لا محالة مع الفلسطينيين سواء في غزة أو في الضفة الغربية لاعتبارات تتعلق إما بتشديد الحصار على غزة أو انسداد أفق الحل السياسي في الضفة.
من الواضح أن المخاطر تزداد من ناحية وحصة الجيش الإسرائيلي من كعكعة الاقتصاد الإسرائيلي تتقلص في حين أن تكاليف الحرب باتت أعلى بكثير من السابق وعوائدها السياسية والاقتصادية أقل. وسوف يضطر آيزنكوت للمناورة كسلفه من أجل البقاء في دائرة الصدامات المحدودة والحيلولة دون توسيعها رغم عقيدة الضاحية التي طورها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165603

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حلمي موسى   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165603 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010