الجمعة 13 شباط (فبراير) 2015

“بلاطة” يستحق الأفضل

الجمعة 13 شباط (فبراير) 2015 par د.احمد جميل عزم

“بلاطة” هو المخيم الذي عندما أراد الصهيونيان زئيف شيف ويهودا ميعاري، في كتابهما “انتفاضة” الصادر نهاية الثمانينيات، أن يوثقا بداية الانتفاضة، فإنّهما بعد الحديث عن الشرارة التي اندلعت في مخيم جباليا، تحدثا عن “بلاطة” القريب من نابلس، وكيف نشأت لجان حركة “الشبيبة” وسيطرت على إيقاع الحياة اليومي من بوابات العمل التطوعي وأندية الشباب، وكيف كان المخيم ناقل جمرة الانتفاضة في الضفة من غزة.
زرت مخيم بلاطة قبل نحو العام، لأكتب عن ناصر عويص؛ أحد قادة ومؤسسي كتائب شهداء الاقصى، ابن قرية مؤنس، القريبة من يافا. بعد الجلوس مع بعض أفراد عائلته، لم أعد أستطيع الكتابة عن ناصر السياسي والمقاتل الذي ترتبط صورته في ذهني بجلوسه في زنزانته يقرأ القرآن، كما تدل صورة متداولة له الآن، بل سيطر عليّ ناصر الطفل والشاب، وابن عمه وابن شقيقه الشهيدان، والألم النافر في قسمات العائلة.
كان ناصر الفتى، المولود العام 1970، قد اعتقل العام 1985 “بتهمة” المقاومة، فسجن خمس سنوات، ولم يشارك في إطلاق الانتفاضة. وعندما غادر المعتقل، كان قد تسرّب من الطفولة من دون أن ينهيها. يخبرني من يتذكره في المعتقل حينها، أنّهم عرفوه شبلاً، فتىً يافعاً، هادئاً جدّاً، متحمّساً للجلسات الثقافية والتنظيمية. يصفونه أنّه كان رمزاً للبراءة، وصار يلقّب “بالبريء الأصبح”، كأنّ أسرى سجن نابلس -وخلفهما جبلا عيبال وجرزيم، يطلان على بحر فلسطين، وأمامهما تل بلاطة الأثري الذي تعود أعمار أبراج الكنعانيين فيه إلى خمسة آلاف عام، ويطل على السهل الشرقي- قد رؤوا في ناصر “حصاناً أصبح”، بين الجبلين والتل؛ فخصلة الشعر البيضاء في مقدمة شعره أعطته اللقب.
ولم يطل أمره بعد إطلاقه حتى كان “صعد الجبل”، ونشط ضمن “كتائب الفهد الأسود” التي نشطت حينها. فحوصر مع آخرين في جامعة النجاح، وكتسوية رعاها الاحتلال أُبعد مع مجموعة من رفاقه لمدة ثلاث سنوات.
في عمّان، حيث وصل المبعدون، التقوا بالقائد المبعد مروان البرغوثي. ومن شاهدهم هناك، قال: كانت علاقتهم بأبي القسّام فيها شق أبوي، رغم أن فرق السن ليس كبيراً. كان الذين تسربت طفولتهم، حملة البنادق في جبال نابلس، الفهود السود، لا يترددون في السعادة عندما يصطحبون أولاد مروان لمدينة الملاهي، فيندمجون ويندفعون في اللعب معهم. وحصل ناصر على الثانوية العامة إبّان إبعاده.
ويعودون إلى وطنهم الأجمل، ويصبح ناصر طالباً في جامعة النجاح. لكن “الأصبح” يعود للبندقية يوم انتفاضة النفق العام 1996، ويتخرج من الجامعة، ويبقى مطارداً حتى انتفاضة الأقصى، إذ أصبح قائداً في كتائب شهداء الأقصى. ويدمر الاحتلال بيت أهله في المخيم، ويبقى رافضاً الزواج رغم حبه البادي للأطفال. ثم تشيع إشاعة أنّه استشهد، لكنها حيلة لا تنطلي على الاحتلال. وبدل الهرب عندما حاصروه في قرية بين نابلس وجنين ومعه ناشط آخر العام 2002، استجاب للأسرة التي كان يختبئ عندها، وحفاظا على حياتهم لا يقاوم. أنكر هويته بعد أن حاصروه بهجوم بري وإنزال جوي مظلي، ثم نزلت طائرة مروحية تحمل صورته بالحجم الطبيعي ليقارنوه بها، وهو الآن في الأسر، محكوماً 15 مؤبداً وخمسين عاماً، واعتقل من مجموعة عمّان معه، في ذات العام، ماجد المصري القائد الآخر في الكتائب. ومن المجموعة أيضاً يكون عبدالله داوود قد صار مدير الاستخبارات في بيت لحم، ويحاصر ضمن المحاصرين في كنيسة المهد، فيبعد ذلك العام إلى موريتانيا، وينتقل إلى الجزائر، ويتوفى مبعداً بجلطة دماغية العام 2010.
قصة ناصر ومن معه هي قصّة مخيم فيه طفولة مصلوبة، وحصان حياةٍ “أصبح”. ولكن مخيم بلاطة يعيش منذ سنوات حالات الصدام المتكرر مع “السلطة”. أهالي المخيم يعرفون أنّ هناك مشكلات معقدة؛ هناك تجار مخدرات صاروا في المخيم، وفلتان أمني، ولكنهم يشكّون أنّ “الحملات الأمنية” التي تستهدف أيضا أفراداً غاضبين ومسلّحين من داخل “فتح”، قد لا تكون قضيتهم دائماً هي المقاومة، هي الحل. ويأملون أنّ مخيمهم يستحق شيئاً آخر سوى ما يشهده هذه الأيام من فلتان ومن مواجهات بين أبناء الجرح الواحد؛ شبّان المخيم وأجهزة أمنية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2165351

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165351 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010