الأحد 8 آب (أغسطس) 2010

انكشاف لبنان أمام «إسرائيل» على هذه الشاكلة

الأحد 8 آب (أغسطس) 2010 par د. نهلة الشهال

انكشافه ليس بالمعنى العام، السياسي أو البنيوي، وإنما بما يخص الكمية المذهلة من الأشخاص الذين يعملون أمنياً مع «إسرائيل». فمنذ سنتين أو أزيد، لا يكاد يمر يوم من دون كشف اسم عميل لـ «إسرائيل»، يرأس غالباً شبكة أو يحتل موقعاً حساساً في مؤسسات البلد المدنية أو العسكرية.

والسؤال الأول يتعلق بحالة سائر بلدان المنطقة العربية. إذ يكاد يختفي منها شبيه هذه الأخبار، ما يوحي بأن «إسرائيل» صبت كل جهدها على لبنان. ولكن «تل أبيب» زرعت بالتأكيد عملاء لها في دول مجاورة ثم في سائر البلدان الأبعد. هذا من بديهيات العمل الاستخباراتي، وهو قطاع طورته «إسرائيل» دوماً واعتنت به بدرجة عالية، بحكم وضعية نشأتها الخاصة، القائمة على عدوان أصلي على المكان، أنتج حروباً لا تنقطع وعداء مستحكماً. ولكنه أيضاً مرتبط بالتاريخ الخاص للفكرة الصهيونية ذاتها التي قامت، في أوروبا بداية ثم في فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر، على التسلل إلى المؤسسات السياسية الأوروبية «للتأثير في القرار»، ما يقال له بناء «اللوبي»، وأصبح مجرد ذكره محط إدانة ممن يظن أنه وفكرة المؤامرة شيء واحد... بينما هو حقيقة قائمة، شبه علنية في بعض الأماكن.

وما قصــدنا الإشارة له هنا هو مساهمة هذه الحاجات في تطوير ذهنية أمنية، صبورة ودؤوبة، وتقاليد في التخطيط للاختراق. وأما السؤال عن حالة سائر المنطقة العربية، فسببه، عدا الفضول، الرغبة في معرفة تأثير حالة السلام الذي تقيمه مصر والأردن مثلاً، على تنامي أو تناقص ظاهرة الاختراق الأمني «الإسرائيلي» لها، وهل اطمأنت «إسرائيل» مثلاً لهذه الحالة، فخفضت نسبة اهتمامها التجسسي؟ هل يكفيها مقدار التعاون الذي تبديه أجهزة تلك الدول معها، وهل وجود اتفاقيات سلام بينها يزيل بقوة أكبر الحاجز النفسي الذي يردع الناس من العمل معها، أو حالة الرفض أو الخوف، إلى آخر هذه الاعتبارات؟

ثمة الكثير مما يمكن أن يثير الاهتمام هنا، والدراسة. كما لا يمكن تجاهل حالة العراق بعد غزوه واحتلاله، حيث تقع أحياناً إشارات إلى قوة الحضور الاستخباراتي «الإسرائيلي» فيه، وما يرتكبه، فيقال إن جزءاً مهماً من التصفيات التي طاولت شخصيات علمية بارزة هو من عمل الاستخبارات «الإسرائيلية»، ويقال إن هذه الأخيرة موجودة في شكل شبه علني في بعض المناطق الكردية، وإنها وخبراء عسكريين، تولوا التدريب الميداني والمواكبة وربما التخطيط في عمليات حرب المدن وقمع التمرد. ولكن، تبقى هذه اشاعات، لأنه ما من جهة عراقية، رسمية أو «مناضلة»، أعلنت عن الواقع أو قامت بأعمال قد تفضحه، فيما سقطت بسبب الفوضى العراقية القائمة الموانع التي قد تحول دون تمدد محلي واسع لشبكات العملاء. وقد رأينا أن نائباً سابقاً، ما زال شخصية سياسية عراقية فاعلة، زار «إسرائيل» مراراً وسط ارتباك في تعيين طبيعة الفعلة، وهل تقع تحت طائلة القانون.

يثير كل ذلك الصلة الوثيقة بين الاختراق الأمني وبين الوضعية السياسية القائمة، وتفرعاتها القيمية والنفسية. ويثير أيضاً سؤالاً حول «الأصول» التي تضبط الاختراقات الأمنية، أياً تكن، وهي بالمناسبة ليست مستندة إلى وجود عداء أو حروب، فالولايات المتحدة الأميركية مثلاً، كما شاهدنا مراراً، تعاقب بصرامة شديدة أي اختراق أمني «إسرائيلي» لمؤسساتها. ولعل هذه الإشارة تعيد التذكير بأنه لا يمكن مقاربة هذا الموضوع من دون إقرار بمسألة «الوطنية» كما بمسألة «حرمة البلاد ومؤسساتها»، كبديهيات.

وبما يخص لبنان، هل يمكن رد الازدهار في عدد عملاء «إسرائيل» إلى اختلال شديد في كلا المفهومين، على الأقل كأرضية حاضنة؟ إذ تتعدد الأسباب والدوافع الشخصية التي تفسر ارتباط هذا أو ذاك بـ «إسرائيل» وتقديم الخدمات لها، وهي تبدأ من التوريط بسيناريوات شتى (وهذه الحالة هي الأكثر شيوعاً فردياً ومما يمكن تلافيه في آن، لو أن المرشح الذي وقع ضحية لها يعرف أنه يمتلك سبيلاً للجوء إلى جهة يمكن أن تعالج الموقف وتستعيده كشخص متورط)، إلى الإغراء بالمال أو ببعض المنافع، إلى استثمار أحقاد محددة، إلى الموقف «الأيديولوجي» الذي يعتبر أن «إسرائيل» هي الجهة القادرة على إضعاف الخصم المحلي... وكل تلك الاعتبارات، بما فيها آخرها، خارقة للطوائف والبيئات.

والإطار الأخير هو الحاضنة التي تسهل الازدهار المشهود، الذي لولاه لبقيت العمالة لـ «إسرائيل» بنت حالات فردية مهما تكاثرت. وهو قد فعل فعله في التأسيس لعلاقة علنية بين القوات اللبنانية و«إسرائيل» أثناء الحرب الأهلية الفائتة، وإن كانت عوامل أخرى، أيديولوجية أيضاً، قد مهدت له منذ زمن أقدم، قامت على اعتبارات الانتماء المشترك المزعوم إلى «الحضارة الغربية»، ووصلت إلى الحلم باستيلاد «إسرائيلات» أخرى في المنطقة، كانت في حالة لبنان وقتها تقوم على أسس طائفية. وربما يمكن الوقوع على مثيلات لها في أكثر من مكان من المنطقة، لعل المثال الكردي أكثرها «اكتمالاً»، ما يفتح النقاش حول مسائل الأقليات وتأزمها الراهن البالغ الشدة، المرتبط بتفكك البنى الوطنية كمؤسسات دولتية ومجتمعية على السواء.

ولكن ما يلفت الأنظار أن الاعتبار الأيديولوجي قد انزاح في لبنان ليطاول بيئات متنوعة. فبعض التيارات الشيعية ترى في هيمنة حزب الله ظلماً لها، وبعض التيارات المسيحية ترى أن التوازن المحلي قد بات يحسب من غيرها، وبعض التيارات السنية ترى في غلبة الشيعة كارثة إقليمية وليس محلية فحسب، يمكن تشجيع «إسرائيل» على معالجتها بعملية شاملة، يجدون أنه لا غنى عنها. ويلف كل هذه الحجج انزلاق آخر، يعبر عن نفسه بطريقة سيمنطيقية، إذ حلت مفردة «التخوين» مكان كلمة «الخيانة». والأولى مشحونة بإدانة مسبقة لمن يرتكبها بصفته يثير القلاقل والفتن، بينما بهتت معاني الثانية، أو قل اضطربت وباتت بلا تعريفات، وكأنها فائتة. ولعل ذلك هو بيت القصيد، والركيزة الفعلية لانهيار المرجع الضابط. لكنه يثير سؤال الخيانة لمن وماذا؟ بمعنى أنه يطرح بقوة الحاجة لإعادة تعريف كل شيء.

الخيانة القائمة تكشف اليوم على نحو مؤلم مبلغ النخر الذي أصاب توافقنا الوطني والاجتماعي. فهل يقوم كيان، أياً يكن، من دونهما؟ تتقاطع كل الإجابات من أي مصدر أتت عند الإجابة بـ «لا».

الأمر إذاً في غاية الخطورة الوجودية!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2166058

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166058 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010