الأربعاء 4 شباط (فبراير) 2015

رسائل سيلينا لن تصل ...

الأربعاء 4 شباط (فبراير) 2015

- رسائل سيلينا لن تصل

ماهر منصور

أنا أسامة الكبرا من كوكب فلسطين البعيد، ارتكبت منذ شهرين جرماً شائناً بحق الأمن اللبناني حين رغبت في دخول جنة عدن/ لبنان، فلم أكن بمقدار الكرم الذي غمرني به أمن المطار...
تكرّم عليّ الأمن اللبناني بيوم واحد لدخول البلاد، من أجل إنجاز معاملات إدارية تحتاج الى خمسة أيام على الأقل لإنهائها، ولكنني ما كنت بقدر مكرمته هذه، فأنكرت جميله عليّ، وكفرت بنعمة إقامة اليوم الواحد، وما كان مني إلا أن تجرأت وأقمت خمسة أيام أخرى فيه.

أنا الفلسطينية سيلينا ابنة الفلسطيني أسامة الكبرا... أنا ابنة العامين التي اكتشفت أني مشتركة بجريمة إقامة أبيها خمسة أيام في لبنان فوق اليوم الذي منحنا إياه الأمن اللبناني.
أنا سيلينا الفلسطينية السورية ابنة العامين، أعلن أني نفذت الحكم الصادر بحق أبي، فمُنعت من دخول لبنان لخمس سنوات، بمعدل سنة عن كل يوم تأخير لأبي فيها...
أنا سيلينا... من كوكب فلسطين البعيد، أخطأت فنزلت جنة عدن على الأرض، تلك التي تسمى لبنان. ولكني لم أدر أن سنوات عمري التي لم تتجاوز العامين ستشكل خطراً على أمن هذا البلد.. فاعتذرت من الحدود والمطار والأمن، وتركتهم دوني آمنين.

أنا مهى سفر أمّ سيلينا... أحببت فلسطينياً من الكوكب البعيد، تزوجته فحملت إثم أن يكون المرء فلسطينياً في هذا الزمن العربي الرديء، أنا السورية مها سفر صرت اليوم أحمل إثمين، إثم الفلسطيني الذي أحببته وإثم السوري أيضاً، وعلى أبواب بيروت، وسط مطارها كان عليّ أن أجلد مرتين، مرة حين منع الأمن اللبناني دخول ابنتي ابنة العامين فحشرنا في غرفة وسط أكثر من خمسين موقوفاً سورياً بانتظار الترحيل من لبنان، ومرة ثانية حين شهدت أبناء بلدي سوريا في الغرفة يُجلدون بالبرد وسوء المعاملة، بإثم ملخصه أنهم سوريون.

لم يشأ أسامة ومهى وابنتهما سيلينا أن يسطروا الكلمات السابقة في سياق إدانة أحد.. ذلك لأن هذا الأحد بات بألف اسم وألف وجه وألف عنوان... هم سطروا وجعهم في رسائل إلى ضمير غائب، ويدركون أن رسائلهم في الغالب لن تصل إلى أحد، وهي بالغالب ستترك منذورة للريح كما أصحابها، أو تصلب على مانشيتات الصحف، كما سنفعل نحن، و... أو، تترك للمزاودة الوطنية فوق منابر التضامن مع الشعب الفلسطيني/ الشعب السوري، قبل أن تدخل خانة النسيان ليصير منع طفلة ابنة عامين من دخول لبنان، مثل موت طفلة وسط عراء المخيم، مثل تمزق جسدها بقذيفة هاون أو طائرة، مثل اغتيال براءة طفولتها... حادثة عابرة عادية لا تستحق الذكر.

ممنوعة سيلينا ابنة العامين من دخول لبنان بتهمة فلسطينيتها، هي تهمة كبيرة بحق طفلة صغيرة قضت بسببها مع أمها مهى، أربعاً وعشرين ساعة في الغرفة/ الزنزانة في مطار بيروت، بانتظار طائرة تعود بهما إلى حيث تقيمان في أربيل في إقليم كردستان العراق.

للمرة الأولى، تكتب لي مهى، لم يغازلني صباح بيروت بأغاني فيروز، لم أتوقف بنشوة الأم عند أغنية للسيدة سرقت منها اسم ابنتها: “نامي يا صغيرة نامي تانقيلك أسامي/ شفت مبارح بمنامي مدينة اسما سيلينا”... لوهلة تذكرت الأغنية في زنزانتا المؤقتة، ضحكت ثم انفجرت باكية وأنا أتذكر من كلمات الأغنية، قول فيروز: “بكرا بقعد ع بابي بحكي القصة لصحابي/ بيقولولي كذابة ما رحتي ع سيلينا”... قلت لنفسي أي قصة سأحكيها بعد اليوم عن بيروت دون أن أشعر بمرارة الساعات الأربع والعشرين على أبوابها؟... أكاد أشعر بأن ثمة من سرق العيد من سيلينا، لا سيلينا الساحة في أغنية فيروز فقط، بل سيلينا ابنتي أيضاً.

تدرك مهى اليوم، أنها وعائلتها لن تكون الوحيدة التي تدفع ضريبة قاسية لتغريبة أهل زوجها الفلسطيني، وتغريبة أهلها السوريين المستجدة... تشرح لي السيدة السورية كيف أنها حين غادرت بيروت التي خاصمتها برفقة ابنتها الفلسطينية، وقد تركت فيها حرقة قلبها على عائلات كاملة لم تزل وسط وحشة زنزانة الأخوة في المطار، دون أن تدري كم ستقضي تلك العائلات برفقة البرد بانتظار الفرج.

- «جيش كامب دايفيد» وساعة الحقيقة

جذور الفشل العسكري في سيناء

عامر محسن
ليس الجيش هو المسؤول عن أزمة سيناء، وجذر المشكلة تاريخي يتعلّق بأوضاع شمال سيناء ومظلومية أهلها وسلوك السلطة تجاههم، وتجاه مصر ككلّ. غير أن المسيرة الـ«نيبوليبرالية»، مترافقة مع القمع والفساد، التي صارت من سمات النظام المصري بعد «كامب دايفيد» وتفكيك الدولة الناصرية، قد أنتجت الأزمة والمظلومية وانتجت – في آن واحد – جيشاً لا يقدر على حلّها وحماية النظام من مكلوميه ومن أعدائه. الجيش المصري، في الواقع، كان أول ضحايا «كامب دايفيد»
“تعال حتى أخبرك عن شقاء الجندي، وعن الرؤساء الكثيرين عليه: الجنرال، رئيس الجند، الضابط الذي يقوده في المعركة، حامل الراية، نائب الضابط، الكاتب، قائد الخمسين، ورئيس الحامية. كلهم يذهبون ويجيئون في قاعات القصر صارخين: «احضروا لنا عمالاً!». (الجندي) يوقَظ في أي ساعة من الليل. هناك من يلاحقه ويسوقه كما يساق الحمار. إنّه يعمل ويشقى حتى يغيب أتون (الشمس) في ظلام العشيّة. إنه دائماً جائع. بطنه يؤلمه. إنه ميتٌ، ولكنه على قيد الحياة. وحين يتسلم حصته من الحبوب، بعد تسريحه من الخدمة، يجد أنها غير صالحة للطحن” !
(من تعاليم المدوّن المصري وينيمديامن الذي عاش في عهد السلالة الفرعونية العشرين)
في إحدى وثائق الـ«ويكيليكس» السرية من عام 2008، نجد السفيرة الأميركية في مصر، مارغريت سكوبي، تحذّر السلطة السياسية في واشنطن من تراجع أداء الجيش المصري ومن جمود قياداته؛ فتقول إن وزير الدفاع وقادة الجيش «يرضيهم أن يستمروا بتكرار ما يفعلونه منذ سنوات»، مضيفة أن «الجاهزية العملانية والتكتيكية للجيش المصري قد تآكلت» في عهد المشير طنطاوي - الذي تسلّم منصبه عام 1991 واستمرّ فيه حتى اندلاع ثورة يناير.
كان دخول الجيش في الاقتصاد فرصةً لاستغلاله في تحمل جزء من العبء الاجتماعي عن الدولة
القلق على مستوى الجيش المصري لم يقتصر على «الراعي» الأميركي، بل إنّ عبد الفتاح السيسي نفسه، حين كان قائداً للقوات المسلّحة عام 2012، اعترف في خطاب لجنوده - أثناء مناورات ذكرى حرب اكتوبر الـ39 - بأن الجيش يحتاج إلى خطة شاملة لرفع مستوى التدريب والجاهزية، وأن المعدات «متواضعة» وقديمة (كان الجنود يجرون المناورات براجمات روسية عمرها أكثر من أربعين عاماً، يقول تقرير لـ«رويترز»)، وهو كلام يندر أن نسمعه من المسؤولين المصريين الذين يحيطون الجيش عادة بهالة من السرية، ولا يتحدثون عنه إلا كرمزٍ وطني مستخدمين عبارات التفخيم والثناء.
إلا أن تمجيد الجيش المصري لا يغيّر في واقعه شيئاً، والامتداح المبالغ للجيش وبسالته في خطاب القادة المصريين (كما في الخطاب الأخير للرئيس السيسي) لا يغطّي على القصور في ساعة الامتحان، بل يبدو كتأكيدٍ لعجز القوات المسلحة عن تقديم إنجازات حقيقية، ملموسة، تتكلم عن نفسها.
تجلّى الفشل العسكري والسياسي في شمال سيناء يوم الخميس الماضي حين تمكنت الجماعات الإسلامية المسلحة (وأهمها «أنصار بيت المقدس»، التي تطلق على نفسها اليوم اسم «ولاية سيناء» بعد أن بايعت تنظيم «الدولة الإسلامية» وصارت تعتبر نفسها جزءاً من «الخلافة») من شنّ سلسلة هجمات متزامنة ومنسقة على 11 هدفاً للجيش المصري والشرطة، مخلفة أكثر من أربعين قتيلاً من دون تسجيل خسائر في صفوفها. هذه الهجمات المعقدة والجريئة (بعضها شنّ على الكتيبة 101، التي تُعَدّ من الوحدات المرهوبة الجانب في سيناء) نفت ادعاءات الحكومة المصرية عن تحقيق نجاحات كبيرة ضد المجموعات المسلحة، وأنّ هذه المجموعات قد أُضعفت وجرى الحدّ من حركتها – فإذا بها تنفّذ هجوماً أوسع من هجوم تشرين الأول الماضي، الذي قتل عشرات الجنود أيضاً، وسبّب تشديد الإجراءات الأمنية وفرض حظر التجوال على مناطق واسعة من شمال سيناء.
نقطة الانحدار
كتب عالم السياسة الأميركي لوسيان باي أن «المؤسسة العسكرية هي أقرب المنظّمات البشرية إلى النموذج الأمثل للمؤسسة الصناعية والمُعلمنة». وحتى قبل الحداثة الصناعية، كانت الجيوش أهمّ أركان الدول، حتى لا نقول إنها سبب وجودها، وأن الدول (الحقيقية) قد تكونت حول مؤسسة الجيش وليس العكس. بهذا المعنى، كان جمال عبد الناصر – أحببته أو كرهته - يحمل مشروع دولة حقيقي، مشروعاً يضع أهدافاً وتحديات جوهرية أمامه ويحتاج إلى جيشٍ كفوء لتنفيذها.
هذا المسار لم ينتهِ مع نكسة حزيران ورحيل عبد الناصر، بل استمرّت عملية إعادة بناء الجيش بعد وصول أنور السادات إلى الحكم وحتى عام 1973. وكانت الطاقات البشرية تحشد في القوات المسلحة، ويجري إعداد الوحدات وتدريبها لأداء مهمات واقعية وحل مشاكل محددة. استمرّت الأجندة التي تعتبر أن مصير مصر، حتى على المستوى الداخلي، يرتبط إلى حد بعيد بنتيجة المواجهة الإقليمية التي تخوضها مع إسرائيل والغرب، والتي قد لا تعني الهزيمة فيها سقوط النظام فحسب، بل خسارة القرار السياسي المستقل، والعودة إلى أيام الوصاية - بحيث تصبح مصر مجرد تابع هامشي للقوى العظمى (وقد يظلّ «النظام» بمعنى شخوصه، وهو تماماً ما حدث).
ابتدأ التراجع في أعقاب حرب أكتوبر وتوجّه السادات صوب المعسكر الغربي والسلام مع إسرائيل. الجيش المصري الذي يحارب اليوم في سيناء هو نتاج سنوات السلام هذه، حتى بالمعنى المادي (أكثر من 85% بالمئة من مدرعات الجيش و80% من طائراته المقاتلة غربية المنشأ). سنوات كامب دايفيد، تحت إشراف السادات وخلفه، أعطت مصر جيشاً يجمع أسوأ ما في العقيدتين الشرقية والغربية، دوره سياسي أكثر مما هو عسكري، وما زال مكوّناً – كما في النصوص الفرعونية القديمة – من ضباط يملكون الامتيازات ومعزولون عن المجتمع، وجنود ومجندين يعانون الفقر والشقاء.
أوهام السلام
بعد سنواتٍ طويلة من استيعاب التجهيزات والعقيدة الغربية، وباعتبار القدرات المفترضة للجيش المصري كقوة «غربية» حديثة، فقد لا يكون من المتاح دوماً منع المسلحين من شنّ هجوم يشبه هجمات سيناء، ولكن لا سبب لأن ينجو منهم أحد، فالطائرات وحوامات الـ«آباتشي» يفترض بها أن تكون فوقهم خلال دقائق. في الحقيقة، يقول المسلحون لصحافي الـ«فاينانشال تايمز»، إنهم يعرفون بقدوم الحوامات قبل أن تقلع، وهم يقيمون حواجز علنية على طرقات شمال سيناء (التي يمنع على أكثر الإعلام دخولها)، ويعرفون بموعد مرور القوات المصرية وغاراتها قبل وصولها بنصف ساعة.
لدى توقيع كامب دايفيد، كان السادات يدعي أنّ التوجه نحو الغرب سيقوي الجيش المصري ويحدّثه، وأنّ مشكلة الجيش الأساسية كانت في اعتماده على السلاح السوفياتي (كما يقول في مذكراته). كانت هناك خطط برّاقة لبناء صناعة عسكرية مصرية بأموال خليجية، ولتوطين صناعة الأسلحة الأميركية في مصر، وإنشاء مشاريع مشتركة مع دول غربية لتبادل التكنولوجيا والخبرات.
في الواقع، سرعان ما شحّ التمويل عن «الهيئة العربية للتصنيع»، ولم يتمكّن المصريون – بحسب الباحث روبرت سبرينغبورغ – من توطين صيانة المعدات المعقدة (التي ظلت في أيدي المتعاقدين الأميركيين)، فضلاً عن توطين التكنولوجيا والبناء عليها. امّا الشركة العربية - الأميركية لتصنيع العربات، التي كان يفترض بها أن تصمم وتنتج عربات مدرعة لمصر، فقد صارت فعلياً وكالة لشركة «جيب»، تختص بالسيارات المدنية التي يقتنيها الأثرياء.
جيش بلا معركة
مع انسحاب مصر من حلبة الصراع ضد إسرائيل، وصعود موجة الخصخصة والانفتاح، فقد الجيش تدريجياً أهميته المركزية في النظام. يقول الباحث إبراهيم الحديبي إن الإنفاق على الجيش انخفض من 19.74 بالمئة من الناتج القومي عام 1980 إلى 2.2 بالمئة عام 2010. مكّنت المعونة الأميركية الجيش من شراء المعدات والتجهيزات، غير أن مخصصاته في الميزانية الرسمية انخفضت كثيراً، ولم يعد الجيش اللاعب الوحيد في النظام السياسي مع صعود طبقات ومراكز قوى جديدة، بل إن جهاز الشرطة والأمن صار ينافسه من جهة أهميته وحظوته لدى النظام.
في هذا الجوّ، ركّز الجيش في عهد عبد الحليم أبو غزالة (في الثمانينيات) على الحفاظ على موقعه بين المؤسسات، وهيبته، وامتيازات ضباطه. فتم، مثلاً، بناء المدن العسكرية التي أمّنت مستوى اجتماعياً للضباط ومساكن لائقة وأحياء خاصة بهم، لكن على حساب مزيد من العزل عن المجتمع. وازداد دور الجيش في الاقتصاد عبر نشاطاته وصناعاته المدنية.
بالنسبة إلى حسني مبارك، كان دخول الجيش في الاقتصاد فرصةً لاستغلال المؤسسة العسكرية وعديدها وقدرتها التنظيمية لتنمية الاقتصاد وتحمل جزء من العبء الاجتماعي عن الدولة (بما أن وظيفته الحربية قد انتفت). أما بالنسبة إلى أبو غزالة وقيادة الجيش، فقد كان النشاط الاقتصادي وسيلة للحفاظ على استقلالية الجيش واكتفائه الذاتي، وتوليد دخلٍ مستقل عن الميزانية وإرادة النظام الحاكم (تقول بعض التقديرات إن الجيش يتحكم بأكثر من عشرة بالمئة من الاقتصاد المصري، وإن عائدات هذه المؤسسات وأرباحها ترجع إلى الجيش مباشرة ولا تدخل في الميزانية الرسمية). هذه الفلسفة قد تسمح للجيش بأن يحافظ على موقعٍ صلب ضمن توازن القوى الداخلي، وهو ما أثبتته الأحداث، غير أنها لا تخلق جيشاً محترفاً وفعالاً. هذه الحقيقة التقطتها إسرائيل منذ زمن، حين توقفت عن اعتبار مصر تهديداً استراتيجياً، وجفّ، منذ أكثر من عقد، سيل التقارير الذي يقارن القدرات العسكرية بين البلدين. في دراسة لمعهد «جافي» الإسرائيلي – من عام 2003 – يخلص المحللون إلى أن الجيش المصري، ببساطة، لا يشكّل تهديداً عسكرياً على إسرائيل؛ وأنّه، على الرغم من اقتناء المعدات الأميركية، فإن الفجوة بين مصر وإسرائيل قد اتسعت في العقود الماضية، ولم تضق.
المصريون يملكون الـ«اف-16» مثلاً، ولكنهم – تقول الدراسة الإسرائيلية – يستعملونها كأنها «ميغ-21». والمنحة الأميركية قد تساعد على اقتناء السلاح، ولكن الاستثمار الأكبر هو في صيانته، والتدرب عليه، واتقان استعماله. على سبيل المثال، مع أن أكثر من 80% من المنحة السنوية الأميركية يذهب الى سلاح الجو – فاقتناء منظومات غربية باهظ الثمن – إلا أن الطيّار المصري لا يتلقى، يقول سبرينغبورغ، إلا ربع ساعات الطيران التدريبية التي ينالها نظيره الأميركي.
هكذا ولد «جيش كامب دايفيد»: واجهة جيش غربي حديث، ولكن صفوفه مكونة من جنودٍ تدريبهم سيّئ ورواتبهم قليلة؛ ويعيشون – مادياً ورمزياً - في عالم مختلف عن عالم ضباطهم، على عكس الجيوش الغربية. له دورٌ عسكري في خدمة إسرائيل وأميركا (حقوق الطيران فوق مصر حيوية بالنسبة إلى الجيش الأميركي)، ولكن من دون قدرة للدفاع عن البلاد ضد العدو الداخلي والخارجي. العجز في سيناء هو من بقايا التركة التي خلّفها لمصر أنور السادات؛ الذي ما زال قطاع كبير من النخبة المصرية يترحّم عليه.

فساد وقلّة حيلة

فتح تدخّل الجيش في السياسة والاقتصاد الباب أمام استخدام المناصب العسكرية للترقي الاجتماعي وحصد المال. وضع تقرير مؤسسة «النزاهة الدولية» الجيش المصري في أدنى فئة من بين 82 جيشاً في العالم على مؤشر الفساد (وكان في الفئة نفسها عدة جيوش من المنطقة، كليبيا والجزائر وسوريا واليمن). وقد حصلت مصر على أدنى تصنيف، «اف»، في كل المجالات التي اعتمدتها الدراسة، وهي بالعشرات (اللينك للتقرير بالعربي:http://government.defenceindex.org/sites/default/files/documents/Egypt-A...). في إطارٍ آخر، اقتنى الجيش المصري في السنوات الماضية مئات الطائرات الحديثة، ولكنه خسر إمكانية التأثير الإقليمي، بعيداً عن المنطقة الحدودية مع ليبيا أو السودان. وهذا ما تبدّى أثناء أزمة السد الإثيوبي، حين لم تملك مصر إمكانية التهديد باستعمال القوة بشكل فعال. قال تقرير لـ«ستراتفور» آنذاك أن مصر، مثلاً، لا تملك طائرات تزويد بالوقود في الجو، ما يجعل سيناريو ضربها لأي هدف في إثيوبيا امراً مستحيلاً.

- لكمات سياسية بين واشنطن وتل أبيب

حلمي موسى
يبدو أن تبادل اللكمات بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وحكومة بنيامين نتنياهو يمتد من جولة إلى أخرى، ويتصاعد قبيل موعد الخطاب المقرر أن يلقيه نتنياهو أمام الكونغرس في مطلع آذار المقبل.
وعدا الضربة التي وجهتها زعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي عندما لَمَّحَت إلى أن غالبية النواب الديموقراطيين لن يحضروا الخطاب، تشن شخصيات ووسائل إعلام أميركية هجمات متزايدة على نتنياهو. ومن جهة أخرى، تتهم أحزابٌ إسرائيلية جهاتٍ أميركيةً بالتعاون مع جهاتٍ إسرائيليةٍ وتمويلها بغرض إسقاط نتنياهو في الانتخابات القريبة.
وكانت بيلوسي قد قالت، ردًّا على سؤال عما إذا كانت غالبية النواب الديموقراطيين ستحضر الجلسة المشتركة لمجلسَي الكونغرس التي سيتحدث خلالها نتنياهو، «لا أعرف»، وشككت بإمكانية دعوة نتنياهو للتحدث أمام الكونغرس قبيل الانتخابات الإسرائيلية في 17 آذار المقبل لو أن رئيس مجلس النواب جون بوينر استشار الديموقراطيين.
وهكذا، وبعد أن كانت الحملة مقتصرة على صحف النخبة، مثل «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» بدأت صحف شعبية في توجيه النقد إلى نتنياهو. وتحت عنوان «لعبة بوينر ونتنياهو تقع في ضائقة» كتبت ثانية أوسع الصحف الأميركية انتشارًا، «يو أس أي توداي»، في افتتاحيتها منتقدة بشدة مؤامرة الجمهوريين مع نتنياهو، ومشددة على أن «هذه الخطوة تبدو بشكل أقل، خطوةً عبقرية، وبشكل أكثر، خطأً مدمرًا».
لكن العبارة الأشد إثارة للقلق في إسرائيل، وفق موقع «والا» الإخباري، هي التي قالت إن «نتنياهو يجازف باستبدال منظومة العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة بمنظومة علاقات بين حزب الليكود والحزب الجمهوري»، وليس معروفًا أن «يو أس أي توداي» معروفة بميولها اليسارية، لا بعدائها لإسرائيل، ما يثير المخاوف لدى أوساط متزايدة في الدولة العبرية بجسامة خطأ نتنياهو. ومعروف أن انتقادات لا تقل حدة عن ذلك وُجِّهت لخطوة نتنياهو في وسائل إعلام يمينية صريحة، مثل «شبكة فوكس نيوز» وصحيفة «وول ستريت جورنال».
وقد انضم إلى الحملة ضد نتنياهو وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب جيمس بيكر الذي سبق له واصطدم مع رئيس الحكومة الإسرائيلية ومنعه من دخول مباني وزارة الخارجية عندما كان نائبًا لوزير الخارجية الإسرائيلية.
وتحدث بيكر في مقابلة مع برنامج «واجه الأمة» على شبكة «سي بي أس» ضد نتنياهو، معلنًا أنه إذا كان صحيحا أن نتنياهو رَتَّبَ لنفسه الدعوة لإلقاء خطاب أمام الكونغرس من دون إطلاع البيت الأبيض على ذلك، وعبر تجاوز أوباما، فإن هذا يشكل انتهاكًا فظًّا للبروتوكول وقواعد اللياقة. وأضاف: إن هذا انتهاكٌ فظٌّ جدًّا لدرجة «أنا لا أتذكر أبدًا أن أحدًا فعل شيئًا كهذا».
وأشار إلى أن من حق رئيس مجلس النواب جون بوينر دعوة من يشاء لإلقاء خطاب أمام المجلس، ولكن مصلحة أميركا تكمن في وجوب تنسيق السياسات بين أذرع الحكم، التنفيذية والتشريعية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، حيث المسؤولية تقع على الذراع التنفيذي، لا على الكونغرس.
واعتبر بيكر أن الخطاب قد يرتد بالسوء على نتنياهو، وهو يكرر بذلك حالة رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق اسحق شامير في التسعينيات، حينما لم يفلح في إدارة العلاقات مع أميركا. وشدد على أن لا شيء أهم للإسرائيليين من العلم بأن زعيمهم يدير بشكل مناسب العلاقات مع الحليف الأقرب لهم. ولمَّح إلى احتمال أن يخسر نتنياهو الانتخابات جراء عجزه عن إدارة علاقات سليمة مع أميركا.
وهذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها بيكر انتقادات إلى نتنياهو. وسبق له أن طالب أوباما بإبداء المزيد من الحزم في طلبه من رئيس الحكومة الإسرائيلية تجميد الاستيطان.
ومع ذلك، لا يزال قادة جمهوريون يقفون خلف دعوة نتنياهو ويتحدون أوباما. وبين هؤلاء رئيس بلدية نيويورك سابقا رودي جولياني الذي قال إن من «واجب» نتنياهو الظهور أمام الكونغرس. كما أن السيناتور جون ماكين حمل بشدة على أوباما بسبب سياسته تجاه إسرائيل، وقال إن «العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة هي اليوم أسوأ من أي وقت مضى». ومع ذلك ترك ماكين فسحة لانتقاد نتنياهو، حين قال إن الذنب في تدهور العلاقة «لا يقع برمته على الرئيس الأميركي».
كما تلقى السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر شحنة كبيرة من الانتقادات لدوره في ترتيب خطاب نتنياهو. ويَحْمِل المسؤولون الأميركيون على دريمر ويصفونه بأنه «سفير إسرائيل لدى الحزب الجمهوري».
وزاد دريمر الطين بلة عندما حاول التندر حول العلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية على حسابه على «تويتر»، فكتب أنه «ينتهك البروتوكول وينحاز إلى طرف». وبعدها أوضح أنه يدعم فريق «نيو إنغلند باتريوتس» الذي لعب ضد فريق آخر في مباراة «السوبربول». وأثار هذا التعليق عاصفة انتقادات على شبكة الإنترنت ضد دريمر. وكان دريمر قد اشتهر بالوقوف إلى جانب المرشح الجمهوري ميت رومني ضد أوباما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ولذلك ترتفع الأصوات في أميركا مطالبة إسرائيل باستبداله، لأنه سيعجز عن التواصل مع إدارة أوباما في العامَين المتبقيَين لها.
وإلى جانب ذلك كله تبرز مشكلة المنظمات اليهودية الأميركية التي كانت غالبيتها تعتبر حليفة للديموقراطيين، وهي اليوم لا تعرف كيف ستتعامل مع المشكلة التي وضعها فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية. وتميل غالبية قادة المنظمات اليهودية إلى التزام الصمت تجاه الصراع القائم بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو. ولكن هذا الصمت لا يمكن أن يدوم، مع احتدام الصراع، خصوصًا أن نتنياهو سيصل أميركا بذريعة المشاركة في مؤتمر «إيباك». ومشكلة «إيباك» تكمن في واقع أن قوته كانت، ولا تزال، تتمثل في قوة علاقاته مع الحزبَين، وليس فقط مع أحدهما، وفي علاقاته مع الإدارة الأميركية بغض النظر عمن يرأسها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165610

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165610 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010