الجمعة 16 كانون الثاني (يناير) 2015

قمة مناهضة الإرهاب يقودها إرهابيون...!

الجمعة 16 كانون الثاني (يناير) 2015 par راسم عبيدات

متى نتعلم نحن العرب كيف نفكر وكيف نتعلم الحفاظ على حقوقنا وكرامتنا، ومتى نتوقف عن السير والهرولة على «الريموت كونترول»، كلما طلب منا الغرب الاستعماري السير والهرولة؟

المأساة أننا نسير ونهرول، ليس خدمة لمصالح أمتنا وقضاياها وخصوصاً القضية المركزية فلسطين، بل نفعل ذلك لكي نكون شهود زور على ما يُرتكب من جرائم قتل وذبح في حقّ شعوبنا، أو شركاء فيها. هرولنا إلى باريس لكي نشارك أهالي ضحايا الهجوم الإرهابي على صحيفة «شارلي إيبدو»، وهذا واجب وحقّ، كما أننا نقف ضدّ الإرهاب والتطرف. فنحن وإياهم ضحايا إرهاب حكومتهم، ضحايا مهندس ما يسمى «الربيع العربي» برنار هنري ليفي. ضحايا قادة كلّ الدول الغربية المشاركة. أما القادة العرب والأتراك، فهؤلاء يتحركون على «الريموت كونترول» وهم فاقدون لإراداتهم ولا يملكون قرارهم ولا حتى احترام شعوبهم.

في الوقت الذي كانت تسير فيه المسيرة المليونية ضدّ الإرهاب في باريس، كان العشرات في جبل محسن في طرابلس يسقطون ضحايا تفجير إرهابي، لم يأتِ أحد من قادة تلك الدول على ذكرهم ولو بكلمة إدانة أو استنكار، فهؤلاء الضحايا فقراء لا يستحقون موقفاً تضامنياً، وهم كمٌّ زائد في نظر الغرب الاستعماري ودمهم لا قيمة له.

كيف يكون هؤلاء ضدّ الإرهاب وهم من أغرقوا منطقتنا به؟ ضخوا إرهابيين من كلّ الجنسيات إلى العراق والشام، ومدّهم شيوخ النفط في الخليج وحكومة تركيا بأحدث الأسلحة ومليارات الدولارات والتسهيلات وأجهزة التجسس، كما أمنوا لهم الإيواء والتدريب والحماية والتغطية الإعلامية المفبركة والمضللة والخادعة، فمارسوا أقذر أشكال الإرهاب، ولم نسمع كلمة إدانة واحدة من أي زعيم غربي، بل دُعي العرب إلى ما سمي «مؤتمر أصدقاء سورية» من أجل «الحرية والديمقراطية».

إنّ الذين يقودون المسيرة ضدّ الإرهاب، رفضوا مجرد الوقوف دقيقة صمت على أرواح الأبرياء من المواطنين السوريين، عندما دعاهم إلى ذلك مندوب سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري، فالدم السوري لا يستحق. وفي المقابل، عندما يضرب الإرهاب في عاصمة أوروبية أو في واشنطن، فذلك حدث جلل يستدعي عقد القمم العاجلة.

من سخريات القدر أن يتصدّر المسيرة بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينت، والأخير مرتكب مجرزة قانا في جنوب لبنان عام 1996، والذي حرّض حكومته، خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، على قتل أكثر من 2200 فلسطيني من الأطفال والنساء، في حين لا يزال أكثر من مئة ألف فلسطيني يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بعدما دمَّر الاحتلال منازلهم وتركهم بلا مأوى، وهؤلاء في عرف أميركا والغرب لا يستحقون الإدانة أو الاستنكار، بل جرى مناصرة الجلاد على الضحية في «تعهير» واضح للمعايير والمواثيق الدولية، بزعم أنّ لـ»إسرائيل» الحق في الدفاع عن نفسها في وجه «الإرهاب» الفلسطيني!

هاجم بينت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي جاء لكي يعبر عن موقف شعبنا الرافض للإرهاب، والذي ما كان له ليحضر قمة تجمع من يقتلون شعبه ويغتصبون حقوقه ويأتون ليذرفوا الدموع على ضحايا الإرهاب، وكان الأجدى به، عندما هاجمه بينت هو ومن جاؤوا من البلدان العربية، ووصفهم بأنهم داعمون للإرهاب، أن يردّ عليه بحزم وبقوة: أنت وأركان حكومتك مصدر الإرهاب، وسجلكم حافل بالجرائم والمجازر. لكنّ مثل هذه المواقف في حاجة إلى قادة شجعان، كما حصل في مؤتمر مدريد عندما أخرج الوفد السوري سجل رئيس وزراء الاحتلال آنذاك إسحق شامير، كأحد قادة الإرهاب المطلوب القبض عليهم بسبب ما ارتكبه من جرائم.

نحن ندرك جيداً أنّ العالم لا يحترم إلا القوي، والدم العربي بالنسبة إلى الغرب وأميركا، لا يساوي شيئاً، ونحن ندرك تماماً أنه لا يوجد أي زعيم عربي يمتلك إرادته وقراره لكي يشارك في مسيرة أو تظاهرة ضدّ الإرهاب في أي عاصمة عربية كدمشق أو بغداد، بدون إذن أميركي أو أوروبي غربي، فعاصمة الرشيد بغداد حوصرت قبل أن يتم احتلالها ولم يجرؤ أي زعيم عربي على خرق الحظر الغربي والأميركي عليها، لكنّ الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز جاء وخرق الحظر. وعندما قام رئيس وزراء الاحتلال آرييل شارون بما سمي «عملية السور الواقي» وحاصر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقرّ المقاطعة في رام الله، لم يجرؤ أي زعيم عربي في القمة العربية التي كانت منعقدة في بيروت على مهاتفته.

نعم، عندما نتعلم كيف نفكر وكيف نتعلم أن نحافظ على مواقفنا وكرامتنا، حينها سيجري احترامنا وستكون هناك قيمة لدمنا الذي يسيل بغزارة على مذبح ما يسمى بـ»الثورات العربية»، ثورات القتل والدمار، خدمة للمشاريع الأميركية والصهيونية والغربية الاستعمارية في المنطقة.

قمة مناهضة للإرهاب، قادتُها متورطون في الإرهاب من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم، لكنّ ما حدث في باريس وفي صحيفة «شارلي إيبدو» قد يعيدهم إلى جادة الصواب لإعادة حساباتهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010