الخميس 15 كانون الثاني (يناير) 2015

المسلمون والعرب ضحية عملية “شارلي ايبدو”

الخميس 15 كانون الثاني (يناير) 2015 par غسان العزي

حصلت عملية “شارلي إيبدو” في بيئة فرنسية ملائمة لإجراء تمرين تطبيقي على أطروحة صدام الحضارات وتحديداً، كما ذكر صموئيل هانتنغتون في كتابه المشؤوم ذائع الصيت، بين الحضارتين الغربية والعربية - الإسلامية . وتعاني هذه البيئة، منذ وقت طويل، عجزها عن إدماج المهاجرين من شمالي إفريقيا وجلهم مسلمون . وهذه المشكلة باتت من أولويات البرامج الانتخابية للأحزاب الفرنسية المتنافسة بعد أن تحولت من اقتصادية اجتماعية إلى سياسية فأمنية بامتياز . فالمدن الفرنسية الكبرى صارت محاطة بضواحٍ تسودها البطالة والعنف والمخدرات وفقدان الأمن، فضلاً عن الإرهاب والجريمة المنظمة . وتتفاقم المشكلة على إيقاع تفاقم الأزمة الاقتصادية في بلد تعجز طبقته الحاكمة عن إيجاد الحلول لأزماته المتراكمة .
فليس من قبيل المصادفة أن يكون الأخوان كواشي، منفذا العملية الإرهابية ضد “شارلي إيبدو” وأحمدي كوليبالي منفذ العملية ضد محل البقالة اليهودي، مولودين في فرنسا ومن أصول مغاربية وعاطلين عن العمل ومن سكان الضواحي . بعد أن يئس الأخوان كواشي من إيجاد عمل بحثا عنه طويلاً ومريراً، كما يقول تحقيق صحفي عنهما، انحرفا إلى الجريمة والإرهاب . ففي مثل هذه الحالات من السهولة بمكان لأي جهاز استخباراتي أو لأي تنظيم إرهابي أن ينجح في تجنيد شباب متحمس يبحث عن معنى لوجوده على هذه الأرض .
مجلة “شارلي إيبدو” متخصصة بالرسوم الكاريكاتيرية والهزلية . وهي منذ عقد كامل تنشر بين الفينة والفينة رسوماً يعتبرها مسلمون كثيرون مسيئة لدينهم ورسولهم . صحف فرنسية وبريطانية وأمريكية كثيرة سبق ورفضت نشر مثل هذه الرسوم، وسياسيون غربيون كثيرون نددوا بما كانت تفعله المجلة تحت غطاء حرية التعبير . والمجلة ليست معادية للإسلام والمسلمين بالتحديد (يعمل فيها مسلمون والشرطي الذي قتله الإرهابيون الذي يحرسها اسمه أحمد) فهي لم تتردد في نشر رسوم تستهزئ بالمسيح وموسى عليهما السلام، وبكثير من الرموز والشخصيات الدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها . ومعظم رساميها هم من اليسار المتطرف وملحدون يقدسون حرية التعبير والكتابة من دون احترام لأي حدود أخلاقية أو سياسية أو مهنية . وقد تلقت المجلة تهديدات في مناسبات عدة وأحرقت مكاتبها، لذلك أمنت لها الشرطة الفرنسية حماية (تبين عدم فاعليتها) وكان رئيس تحريرها لا يشعر بالأمن في حياته اليومية كما ذكرت صديقته .
كانت الجريمة إذن متوقعة ولو ليس بهذه الحرفية التي تمت فيها وبهذه النتيجة المأساوية . لكن نظرة إلى الظروف التي كانت سائدة تدفع المراقب إلى تساؤلات مريبة .
فمنذ شهرين نشر الكاتب اريك زمور كتاباً عن “الانتحار الفرنسي” فتح نقاشاً حول ما تعيشه فرنسا من مشاكل لاسيما الهجرة وفقدان الأمن والأسلمة وغيرها . مقالات زمور الصحفية بالغت في عنصريتها فاستدعت ردوداً وردوداً على الردود . في هذا الوقت نشر الكاتب المعروف ميشال هولبيك كتاباً بعنوان “خضوع” يتصور فيه سيناريو وصول رئيس مسلم إلى الإليزيه اسمه أحمد بن عباس عقب حرب أهلية . وفي السياق نفسه جاء كتاب جان رولان “حوادث” يتصور فرنسا ساحة مواجهات بين الميليشيات الإسلامية، وأهمها ميليشيا “أكبري”، واليمين المتطرف . وبالطبع استدعت هذه الكتب الاستفزازية، والمقالات الكثيرة التي رافقتها، والتي اتهمت بالعنصرية وإثارة الغرائز، ردوداً ونقاشات ملأت وسائل الإعلام ووصلت أصداؤها إلى المقلب الآخر من الأطلسي .
على صعيد آخر تميز العام المنصرم بتقدم اليمين المتطرف في انتخابات عدة في فرنسا وفي أوروبا على وجه العموم . وكانت هذه الانتخابات مناسبة لإعادة نشر الأطروحات العنصرية ضد العرب والمسلمين واتهامهم بكل مشكلات الأمن والبطالة وغيرها . وهذا ربما ما دفع الرئيس هولاند إلى الإعلان في بداية العام الجاري أن فرنسا تعاني مشكلة هوية حقيقية . وقد عنى بذلك أن الديمقراطية والمبادئ الجمهورية التي تفتخر بها منذ الثورة الفرنسية أضحت في خطر جراء هذا الجو الشوفيني العنصري .
لم يكن ينقص إلا جريمتي “شارلي إيبدو” ومحل البقالة اليهودي حتى ينفجر “صدام الحضارات” في فرنسا . فمهما نددت الجاليات العربية والمسلمة بالعملية ورفعت شعار “نحن شارلي” وشاركت في الاحتجاجات العارمة التي غطت كل المدن الفرنسية، فإنها ستبقى موضع اتهام والتباس وتوجس . ولا تنفع تصريحات السياسيين والمثقفين الفرنسيين، الداعية إلى التمييز بين الإسلام والإرهاب، في اقناع المواطن الفرنسي العادي بالفصل بينهما . والاعتداءات على المساجد فور الإعلان عن “عملية شارلي” دليل على ذلك سواء كانت عفوية أو منظمة ومخططاً لها .
هناك احتمال بأن يكون العقل الذي دبر الاعتداء على “شارلي إيبدو” من الغباء بمكان أنه لم يحسب ما سيترتب على الإسلام والمسلمين جراء عمله الإرهابي، فظن بأنه ينتقم للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، قبل أن تأتي النتيجة إساءة ما بعدها إساءة للرسول وللدين الحنيف وللمسلمين والعرب . وقد يكون العقل المدبر يقصد تماماً مثل هذه النتيجة، وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن هويته الحقيقية، لا سيما بعد مقتل الإرهابيين الثلاثة ودفن أسرارهم معهم .
لا شك في أن نتنياهو سعيد بما حصل والذي أتاح له أن يكون في الصف الأول في التظاهرة المليونية في باريس، إلى جانب هولاند . رحم الله شهداء غزة . . كذلك فإن اليمين الأوروبي المتعصب تلقى خدمة ما بعدها خدمة لأطروحاته .
إنها رصاصة موجهة في آن معاً إلى صدر الإسلام والمسلمين والعرب والقضية الفلسطينية، تضاف إلى الرصاصات التي يطلقها “داعش” وأمثاله في كل يوم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165433

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165433 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010