الأربعاء 14 كانون الثاني (يناير) 2015

هل تعيد “شارلي إيبدو” النظر في استراتيجيةمكافحة الإرهاب؟

الأربعاء 14 كانون الثاني (يناير) 2015 par فيصل جلول

خرج الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية الأسبوع الماضي عن محليته ليتحول إلى حدث أوروبي وعالمي غير مسبوق في تاريخ فرنسا وأوروبا . فهل تتخذ اجراءات فرنسية واوروبية وعالمية غير مسبوقة من طبيعة هذا الحدث، أم أن الأمر سيتوقف عند الحدود الرمزية والمعنوية فقط؟
الإجابة عن هذا السؤال بدأت بوادرها تتضح تدريجياً من دون أن تفصح هذه البوادر عن البعد الحقيقي للإجراءات المضمرة . فعلى الصعيد الأمني لوحظ انتشار آلاف العسكريين دعماً لرجال الشرطة ومن أجل حماية المعابر الدولية والمؤسسات العامة والخاصة وبعض المراكز الدينية اليهودية بصورة خاصة، وهي المرة الأولى التي ينتشر فيها الجيش في فرنسا بمثل هذه الكثافة منذ حرب الجزائر .
يذكر في هذا الصدد أن آخر استطلاعات الرأي قد أفادت بأن 83 في المئة من الفرنسيين يعتقدون أن بلادهم ستشهد عمليات إرهابية مقبلة، وأنهم يشعرون بخوف حقيقي من الإرهاب، ولا شيء يمكن أن يرد على هذا الشعور بالخوف غير الانتشار الأمني الكثيف والمرجح أن يبقى حتى وقت طويل .
أما الإجابة على الصعيد الأوروبي فقد لاحت بوادرها نهاية الأسبوع الماضي خلال اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين بحضور وزير العدل الأمريكي والإعلان عن جملة من الإجراءات التي اتخذت في مواجهة الإرهاب تطال بالقسم الأكبر منها الرقابة على الإنترنت للحد من الفضاء الدعوي الذي يستخدمه الإرهابيون بفعالية على الشبكة العنكبوتية، وتشديد الرقابة على المنافذ الحدودية الأوروبية الخارجية وداخل القارة وتعديل الإجراءات الواردة في اتفاقية شينغين، ومراقبة الدخول والخروج إلى أوروبا والتعاون مع شركات الطيران للكشف عن المسافرين ووجهتهم، ناهيك عن التشريعات القضائية التي تسمح برقابة ميسرة أكثر على الأفراد وعلى محيطهم . . . الخ .
لا تصل هذه الإجراءات إلى مستوى “باتريوت اكت” الأمريكي الذي اتخذ بعد 11 سبتمبر/أيلول ،2001 لكنها تعلو كثيراً على الإجراءات التي كانت معتمدة في مكافحة الإرهاب حتى الآن، علماً أن العديد من المسؤولين الفرنسيين والأوروبيين يحذرون من السير باتجاه التضييق على الحريات ويعتقدون أن ذلك من شأنه أن يصب الماء في طاحونة الإرهابيين الذين غالباً ما يسعون لأن تكون عملياتهم العسكرية مؤذية للنظام العام ولطرق حياة الناس وليومياتهم الحرة . لذا يكفي أن يشاهد المواطن الجنود يومياً في الشوارع أثناء الذهاب إلى عمله والعودة إلى منزله ليستخلص أن الخطر الأمني بالغ الأهمية ومثير للقلق فما بالك إذا تعدى ذلك إلى الضغط على الحريات وتقييدها، كما جرى في الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر/أيلول، علماً بأن التجربة الأمريكية في هذا المجال لم تجد نفعاً فالإرهاب استمر حيث ذهبت واشنطن لاستئصاله، بل زاد تأثير “القاعدة” وانتشارها في أكثر من مكان حتى إنها أنجبت “داعش” و“جهة النصرة”، ومن يدري ربما تنجب فروعاً أخرى من الطبيعة نفسها وهذا يعني أن الفرنسيين والأوروبيين الذين انتقدوا في السابق “باتريوت اكت” لن يكرروا التجربة في فرنسا أو في أوروبا حتى لا يضعوا العصي في دواليب حركتهم المناهضة للإرهاب .
أما على الصعيد الدولي فقد التقطت واشنطن اللحظة الدرامية الفرنسية ودعت إلى عقد قمة دولية لمكافحة الإرهاب في فبراير/شباط المقبل، والسؤال المطروح على قمة من هذا النوع يتصل بالاستراتيجية الشاملة التي ستعتمدها، وليس بالإجراءات الأمنية إذ سبق أن اتخذت تشكيلة متنوعة من الإجراءات الأمنية من دون أن تضع حداً للإرهاب الأمر الذي يستدعي وجهة جديدة سياسية واقتصادية ترسي في العالم فضاء أقل قابلية لنمو المنظمات المتشددة، فهل تغير واشنطن استراتيجيتها وهل يتيح هذا التغيير مواكبة أوروبية؟
الجواب عن السؤال سيكون بالضرورة افتراضياً طالما أن أحداً لم يشر بعد إلى جدول الأعمال التفصيلي لقمة واشنطن والافتراض يبدأ من السؤال حول الاستراتيجية السابقة التي اعتمدت في مواجهة الارهاب في الشرق الاوسط والتي أدت كما لاحظنا للتو إلى توسع هذه الظاهرة بدلاً من استئصالها، والتغيير المنطقي يستدعي إغلاق بؤر التوتر التي افتتحت على هامش الربيع العربي بالاشتراك مع الدول العربية المؤثرة والقادرة على القيام بمثل هذا الدور . والواضح في هذا الصدد أن البؤرة الليبية المفتوحة على صراع لا متناه بين المكونات الليبية قد أفضت إلى تمركز للإرهابيين في الجنوب الليبي الذي أصبح قاعدة ارتباط وتدريب للجهاديين في مصر وتونس والجزائر ومالي وسوريا والعراق . فهل يبقى هذا الملاذ الآمن أو هذه القاعدة الجهادية الجديدة بعد قمة واشنطن أم يتم التصدي لها بمواكبة دولية وجهود مصرية وجزائرية مشتركة؟ وفي السياق نفسه هل يبقى فضاء “داعش” مفتوحاً في سوريا والعراق أم يتم إقفاله بجهود دولية وإقليمية متنوعة؟ وهل تبقى بؤرة الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية مفتوحة أم يعترف العالم بالدولة الفلسطينية ويضع حداً لمآسي الفلسطينيين؟ هذا النوع من الاسئلة هو الذي يفترض الرد عليه في قمة عالمية لمكافحة الإرهاب، فهل يرد عليه الأوروبيون ومعهم الولايات المتحدة على رأسهم؟
الجواب ليس سهلاً، لكنه لا يخرج عن هذا المنطق في سياق الاستعداد للقمة المذكورة وبالتالي انتهاج استراتيجية جديدة في مكافحة الإرهاب . والظن الغالب أن منطق إقفال البؤر الملتهبة قد اعتمدته الولايات المتحدة عندما قررت الانسحاب من العراق وأفغانستان فلماذا لا يشمل هذا المنطق العراق وسوريا اليوم، علماً أن سيطرة العراق وسوريا على أراضيها من شأنه أن يحرم الإرهابيين من قاعدة انطلاق شبه آمنة للقيام بعمليات عسكرية في الخارج أو لتأهيل إرهابيين أجانب وإعادتهم إلى بلدانهم لتنفيذ عمليات كتلك التي تمت في “شارلي إيبدو”؟
تعرف باريس وواشنطن ولندن وبرلين أن الإرهاب ليس ظاهرة تقنية حتى ينتهي بوسائل تقنية . إنه الابن الشرعي لبيئة سياسية واجتماعية واقتصادية محددة، فإن بقيت بقي، وإن زالت زال منها، وكل كلام آخر لا يعول عليه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165422

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165422 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010