الاثنين 12 كانون الثاني (يناير) 2015

من 11 سبتمبر إلى شارلي ايبدو .. المدبر واحد

الاثنين 12 كانون الثاني (يناير) 2015 par خميس بن حبيب التوبي

يبدو أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي ضربت برجي التجارة العالمي والبنتاجون وبعد مضي حوالي أربعة عشر عامًا من حدوثها، هي بمثابة القاعدة التي ستستنسخ وفقها بقية الهجمات في الولايات المتحدة وأوروبا تحديدًا، متى ما احتاج إليها العقل المخطط لتنفيذ أجنداته أو لتغيير مسار أو بناء مرحلة جديدة، أو متى ما شعر بضيق هوامش المناورة في مشاريعه وتحركاته لا سيما إذا كانت تحتاج أسبابًا ومسببات وأهدافًا وأغراضًا من العيار الثقيل يحاكي هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي لا يزال ينظر إليها على أنها غيَّرت خرائط ومفاهيم وقِيمًا ومبادئ، وأطاحت بأنظمة وانتهكت سيادة دول، واستهدفت رسائل سامية وشوَّهتها كرسالة الإسلام على وجه الخصوص، حيث أعلنت عليها الحرب تحت ستار “الحرب على الإرهاب” وإشراك العالم أجمع فيها بقوة الشعار (البوشي) “من ليس معنا فهو ضدنا”. فالهجمات التي ضربت فرنسا وما صاحبها من تفاعلات وإثارة رعب وإدانات دولية وتعاطف على مدى ثلاثة أيام تعيد إلى الأذهان ذات التفاعلات والإثارات والإدانات التي صاحبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، سواء من حيث من وجهت إليه أصابع الاتهام أو من حيث المنفذون والإعداد والتدريب واختيار الهدف في الزمان والمكان بعناية ودقة. فمن ينظر إلى طبيعة الجناة والفاعلين في هجمات سبتمبر يجد أن من قام بتدريبهم على الطيران وفنونه هو الأجهزة الرسمية الأميركية، وحين اختاروا الأهداف في الزمان والمكان المحددين كانت عملية تسهيل مرورهم واختيارهم الطائرات مثيرة للشك بأن ترتيبًا استخباريًّا ما أو تواطؤًا ما كان وراءها، كما أن انتماءاتهم كانت معروفة لدى الأجهزة الأمنية. كذلك الحال بالنسبة للفاعلين في هجمات فرنسا وتحديدًا الهجوم على مجلة شارلي ايبدو الساخرة، فعملية الاستهداف وتحديد الهدف والزمان والمكان تشي بأن هناك عملًا استخباريًّا كبيرًا، فضلًا عن الدقة العالية في التنفيذ من قبل الجناة. والفارق الوحيد بين منفذي هجمات سبتمبر ومنفذي هجمات يناير (فرنسا) هو أن منفذي هجمات سبتمبر تلقوا تدريبهم داخل الولايات المتحدة، أما منفذو هجمات فرنسا فتلقوا تدريبهم في سوريا واليمن وبالرعاية الأوروبية والأميركية التي تتلطى خلف دعم “المعارضة المعتدلة” و”دعم” الشعب السوري.
على أن هناك خيطًا رفيعًا واحدًا بين هجمات سبتمبر ويناير يشير إلى الفاعل الحقيقي المدبر لهذه الهجمات، من خلال مسارعة الصهاينة إلى اتهام ما أسموه “الإسلام المتشدد والمتطرف”، والدعوة إلى إعلان الحرب عليه وجني ثمارها. فكما كان كيان الاحتلال الصهيوني هو المستفيد الأول والأوحد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بل بدت أنها مرتبة على مقاس مشاريعه وخططه ومؤامراته، فإن هجمات يناير بفرنسا يظهر فيها كيان الاحتلال الصهيوني هو المستفيد الأول منها، ما يؤكد ـ في تقديري ـ وجود رائحة الموساد في الهجمات، ولا يكون الموساد ضالعًا في جرائم بالدرجة الأولى إلا إذا كان الأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية، وهو ما يظهر من خلال:
أولًا: إن الهجمات في فرنسا جاءت على خلفية حدثين فرنسيين مهمين؛ أولهما تصويت البرلمان الفرنسي على الاعتراف بالدولة الفلسطينية ـ وإن كان شكليًّا ـ، وثانيهما تصويت باريس لصالح مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي الداعي إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني وفق حدود عام 1967، والحدثان أثارا غضبًا وامتعاضًا صهيونيًّا كبيرًا، وقد استدعت خارجية كيان الاحتلال الصهيوني باتريك ميزوناب السفير الفرنسي في تل أبيب طالبة منه توضيحات حول عدم استخدام بلاده الفيتو ضد المشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن.
ثانيًا: لا بد من ربط الأحداث بعضها بعضًا وإنعاش الذاكرة بأحداث استفزازية ماضية لاستلماح الدور الصهيوني في عمليات الاستهداف والتخويف، فالسويد حين أعلنت أول مرة على لسان خارجيتها أنها ستعترف رسميًّا بالدولة الفلسطينية أثارت ردة فعل صهيونية ـ أميركية غاضبة من هذا الموقف، وبالتزامن مع ذلك أعلنت استوكهولم أنها رصدت غواصة أجنبية في مياهها الإقليمية، وبعد اعترافها رسميًّا بالدولة الفلسطينية عادت وأعلنت عن رصدها غواصة أجنبية مجددًا في مياهها الإقليمية مُلوِّحةً باستخدام القوة، فضلًا عن الاستهداف الممنهج للمساجد في السويد مثلما يحدث الآن في فرنسا.
ثالثًا: إثارة نعرات العداء والكراهية بين الأوروبيين والطوائف والأقليات المسلمة داخل أوروبا، وتكريس حالة الحرب والتشويه ضد الإسلام وأتباعه والذي عملت الدعايات والأبواق الصهيونية على نعته بـ “الإسلام المتشدد والمتطرف”، والهدف من ذلك واضح وهو أن العرب ـ بمن فيهم الفلسطينيون ـ والمسلمين لا يستحقون أي تعاطف، فهم ينزعون إلى الإرهاب والعنف والتطرف، فهذا أنتم أيها الفرنسيون برلمانكم يعترف بالدولة الفلسطينية وتصوتون لصالح مشروع قرار فلسطيني لإنهاء الاحتلال ويكافئونكم على ذلك باستهداف مؤسساتكم وقتل أبنائكم. وهذا ما حدث بالفعل نتيجة هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتي محيت من الوجود الجمعيات الخيرية الداعمة للشعب الفلسطيني ومقاومته تحت شعار “تجفيف منابع الإرهاب”.
إن الإسلام رسالة قائمة على التسامح والمحبة والمودة والرحمة وحب الخير، ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وخطابها موجه نحو العقل بالدرجة الأولى، وبالتالي ليس ثمة “إسلام متشدد ومتطرف” و”إسلام معتدل”، وإنما هناك إسلام الرحمة والتسامح والمحبة وتصديق الرسل والإيمان بهم جميعًا وبرسالاتهم وكتبهم، واحترام الآخر، وما عداه إرهاب محض مرفوض من قبل الإسلام المتسامح المتحاب، ومن قبل جميع الرسالات السماوية، وهو الإرهاب الصهيوني الذي بلغ مداه وتطاول على خير البشر من الأنبياء والرسل ويدمر ويقتل ويحرض وتتناسل من رحمه مختلف التنظيمات الإرهابية القاعدة وداعش والنصرة وأخواتها، وهو الإرهاب الصهيوني الجامع لمختلف أشكاله ومسمياته وتنظيماته التي تعيث فسادًا وقتلًا ودمارًا وخرابًا في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وليبيا ومصر وتونس واليمن. وإذا أرادت الشعوب الأوروبية والشعب الأميركي حماية أنفسها من الإرهاب فعليها أن تبدأ بالتخلي عن دعم الإرهاب الصهيوني الذي أقامته حكوماتها في المنطقة واغتصبت فلسطين له، فالإرهاب الذي يضربهم والمتهم به الإسلام زورًا وبهتانًا هو صناعة صهيونية ومن تدبير وتحريض صهيوني وتخطيط إمبريالي استعماري. ومن يربِّ الأفاعي والعقارب عليه أن ينتظر لدغاتها، ومن يلعب بالنار عليه أن ينتظر لسعاتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2177750

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع خميس التوبي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2177750 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40