السبت 10 كانون الثاني (يناير) 2015

مطالبة شتاينتس… ومفاتيح عريقات!

السبت 10 كانون الثاني (يناير) 2015 par عبداللطيف مهنا

توعَّد الصهاينة السلطة الأوسلوية بالويل والثبور وعظائم العقوبات جراء إقدامها على خطوتها المتأخرة والفاشلة في مجلس الأمن. وجن جنونهم عندما أعقبتها بأخرى متأخرة أيضًا وملتبسة باتجاه محكمة الجنايات الدولية. وعيدهم بلغ حد مطالبة يوفال شتاينتس، وزير الشؤون الاستراتيجية، بحل السلطة، وعدَّ أفيجدور ليبرمان، وزير الخارجية، انضمامها للمحكمة يعني “انهيار اتفاقية أوسلو”. لقد تعالى صراخهم لدرجة بدا فيها نتنياهو حملًا وديعًا أو الأكثر اعتدالًا من بينهم… كل ما في جعبتهم ومستطاعهم العقابي لوَّحوا به وبطرق شتى، باستثناء أمر واحد هو تكثيف التهويد باعتباره روتينًا يوميًّا ومواصلته مفروغ منها ومسألة هي خارج النقاش، وآخر ما أعلن منه كان توسُّعًا مستجدًّا في مستعمرة ملاصقة لرام الله. بالمقابل، اشتكى كبير مفاوضي السلطة صائب عريقات لصحف صهيونية بأن حكومتكم قد “ألغت صلاحياتنا الاقتصادية والقانونية”، وهدد بدوره بأنه، ووفقما قال إنه منطق “لا مفر”، قد نتخذ “قرارًا بدعوة نتنياهو إلى تسلم المسؤولية الكاملة عن الأراضي المحتلة”…أو تسليمه”مفاتيح السلطة”، وفق التعبير الأوسلوي المتبع عادةً!
بالغ الصهاينة في حملتهم الشعواء، التي صوَّرت الفلسطينيين بالمعتدين ومحتليهم بالمعتدى عليهم، وفقط لإقدام الأوسلويين على هاتين الخطوتين المتواضعتين، رغم أن الأولى كانت الفاشلة، واللاحقة الناقصة والملتبسة، أو التي لم تزد، وفقما اتضح لاحقًا، على إبلاغهم محكمة لاهاي “تقبُّلهم لصلاحياتها ابتداء من الثالث عشرمن يونيو من عام 2014″ وإغفال ما قبله… سبب هذه المبالغة راجع لأمرين:
الأول: هو أن مجرد فكرة اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية تقلقهم حتى النخاع ولا يتقبلون مجرد تصوُّرها، باعتبار كيانهم أصلًا ثكنة إجرام مستدام ومصدر عدوان دائم منذ أن كان، ثم ولكونه ذا طبيعة استعمارية احتلالية فهو نقيض كلي بالضرورة لكل ما هو إنساني.
عبَّر عن هذا القلق نتنياهو عندما قال إننا “لن نسمح بجر جنود وضباط الجيش الإسرائيلي إلى لاهاي”… هنا جاءتهم المعاضدة وأتاهم المدد سريعًا من أولياء نعمتهم، عندما اعتبر الأميركان توجه الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات خطًّا أحمر، وبرر الفرنسيون تصويتهم لصالح القرار الساقط بأنه ما كان إلا لمنعهم من هذا التوجه، وعاد هؤلاء المصوِّتون فحذروا السلطة من مغبة ما دعوه بالتصعيد، بمعنى أن مراد هذين الوليين الآن هو الضغط على هذه السلطة لمنع الفلسطينيين من الإفادة من عضويتها للمحكمة في حال إتمامها.
والثاني: إنهم مقبلون على انتخابات ومن ثم بازار المزايدات لديهم معقود على أشده، وعليه يغرِّد شتاينتس وأمثاله انتخابيًّا من على يمين سربهم غير مكتفين بغلوِّه الفائض، وخير ما يصف لنا هذه اللوثة البازارية هو شاهد من أهله، إنها صحيفة “هآرتس”، التي قالت، مثلًا، أن تشدد نتنياهو ضد الفلسطينييين يأتي “لجني أصوات جديدة لحزبه، إذ ليس في إسرائيل خطوات أكثر شعبية من ظلم الفلسطينيين”…
لكن، وعلى مبالغتهم، فلعل صائب عريقات كان المطمئن إلى أنه مهما أرعد الصهاينة وأزبدوا فليس في واردهم الدفع باتجاه إسقاط السلطة، ولا هم الراغبون في حلها، لأنهم وحدهم حينها سيكونون الخاسرين، بمعنى أنه يدرك أنهم لن يقبلوا استلام مفاتيح أوسلوستانة منه، إذ لن يذهب بهم جنونهم حد التضحية باحتلال مريح، أو منزوع الأعباء، أو كما يصفه بعضهم باحتلال السبعة نجوم، بفضل ما يوفره لهم وجود مثل هذه السلطة. وتكفي الإشارة هنا، مثلًا، إلى مصون التنسيق الأمني، الذي هو عندهم أيضا “مقدَّس” أكثر مما هو عند رئيس السلطة، أي يهمهم الحفاظ عليه، بما يعني الحفاظ على هكذا سلطة حوَّلتها تنازلاتها إلى مجرد أداة أمنية في خدمة أمن المحتلين، أو هذا ما يتصورونه لها من دور وهذا ما تقوم به موضوعيًّا. أي ليس بالصدفة أن كافة التصريحات اللاحقة، ومن كلا الجانبين، وسواء منها الصهيونية الهائجة أم الأوسلوية المهددة، قد حاذرت فلم تمس هذا المقدَّس.
لم يخرج الصهاينة من جعبتهم العقابية الملأى سوى تجميد عوائد أموال الضرائب العائدة للسلطة، وهو أمر ليس بالهيِّن بالنسبة لمن اقتصادها مبني على الرواتب، التي إن هي انقطعت قد ينهار وتنهار بدورها معه، لكنما هذا ما لا يريدونه لها ويخشونه، وبالتالي فإن لم يتم تعويض ما قطعوه عنها فقد تتم العودة عن قطعه. حتى روفين ريفلين، رئيس الكيان، وأحد رموز اليمين الأيديولوجي فيه، انتقد هذا التجميد، معتبرًا له خطوةً “تضر بإسرائيل”، لأنه “بواسطة هذه الأموال تعمل السلطة الفلسطينية. ولإسرائيل مصلحة في بقاء السلطة تؤدي عملها”. أي أن ما أقدموا عليه هو لا يعدو ضربًا من ضغط وشيء من تدجين للسلطة ليس إلا. كما لا يفوتهم إجمالًا ما كانت قد ذكَّرتهم به “هآرتس”، عندما وصفت توجُّه السلطة نحو الأمم المتحدة بـ”خطوة يائسة يمكن تفهُّمها بعدما عملت إسرائيل على انهيار المفاوضات”، فلم تبقِ لهم سوى خيارين، “القيام بأعمال عنف أو التوجه للمجتمع الدولي، واختار محمود عباس الخيار الثاني”…
…هذا الخيار الثاني، معطوفًا على الخط الأحمر الأميركي، والاستجابة للتحذيرات الفرنسية، والانتظار لما هو بعد الانتخابات الصهيونية، هو ما كان وراء طلب العضوية الناقص والملتبس لمحكمة الجنايات الدولية، وحديث عريقات عن مشروع آخر لقرار مستجد و”معدَّل”، سوف يقدَّم لمجلس الأمن، لكن فقط “في حال وافقت عليه لجنة مبادرة السلام العربية”… وكله مع ما يترتب عليه حكمًا من طي لشعار ما يدعى “إنهاء الانقسام”، ودفن لحكاية ما تسمى “الوحدة الوطنية”، ونسيانًا لمسألة فك الحصار عن غزة، وتناسيًا لأهزوجة إعادة إعمارها!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165514

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165514 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010