الجمعة 9 كانون الثاني (يناير) 2015

الشروط الموضوعية لتحرير الأرض العربية

الجمعة 9 كانون الثاني (يناير) 2015 par عوني فرسخ

قرار مجلس الأمن بعدم الاستجابة للطلب العربي بإنهاء الاحتلال غير المشروع دولياً للضفة الغربية وقطاع غزة الدليل على أن الدبلوماسية التي لا تسندها قوة فاعلة لا تحقق أي إنجاز، وإنما هو اعتماد الممانعة والمقاومة خياراً استراتيجياً وحده ما يحقق إنجازات ملموسة في صراع شعب فلسطين وأمته العربية مع الكيان الاستعماري الاستيطاني العنصري الصهيوني . وفي البرهنة على صحة ما ندعيه نذكر القارئ الكريم بالحقائق التاريخية التالية:
1- يقول الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان في مذكراته “وعدتنا بريطانيا أن تكون فلسطين سنة 1935 يهودية كما هي إنجلترا إنجليزية . وكانت”عصبة الأمم“قد أوصت بصك انتداب بريطانيا على فلسطين سنة 1922 باتخاذ الإجراءات السياسية والإدارية لإقامة”الوطن القومي اليهودي“وتمكين السكان اليهود . وبرغم كل الإجراءات البريطانية، ومعونات الجاليات اليهودية الأوروبية والأمريكية لدعم الهجرة اليهودية والمشروعات الاستيطانية الصهيونية زمن الانتداب، إلا أن تصدي القوى الوطنية الفلسطينية للاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية هو ما حال دون ذلك، إذ كانت فلسطين عربية عند نهاية الانتداب كما يقرر المؤرخ”الإسرائيلي“إيلان بابه في كتابه”التطهير العرقي في فلسطين“، إذ لم تجاوز حيازة الصهاينة 7 .5% من الأرض ولا تجاوز عددهم ثلث السكان” .
2- في العام ،1937 وعملاً بتوصية اللورد بيل، أصدرت بريطانيا قرار تقسيم فلسطين الأول، بحيث يقام في الساحل والمناطق الخصبة كيان صهيوني، ويضم الباقي للأردن . وذلك ما عصف به تجدد الثورة العربية الكبرى في فلسطين التي تواصلت حتى ،1939 ما أدى لصدور “الكتاب الأبيض” بتحديد الهجرة اليهودية وبيوع الأراضي في فلسطين .
3- حاولت الإدارة الأمريكية في أعقاب نكبة 1948 طرح مشروعات إسكان اللاجئين وتوطينهم في الأقطار العربية المضيفة، سعياً إلى تصفية القضية الفلسطينية . وبرغم ما أبداه أكثر من نظام عربي لقبول مشروعات التوطين الأمريكية . إلا أنها جميعها تكسرت على صخرة إصرار اللاجئين على حقهم في العودة لديارهم، واستردادهم أملاكهم، والتعويض عليهم . كما نص على ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي قُبلت “إسرائيل” عضواً في الأمم المتحدة عندما أعلنت التزامها بتنفيذه .
4- لم يرد لفلسطين ذكر على الخريطة الدولية سنة ،1953 فيما كان شعبها موزعاً ما بين الأرض المحتلة، والضفة والقطاع، والشتات العربي والدولي، وغلب اليأس والإحباط على نخبه وجمهوره . بل وتناسى كثيرون تصديه للتحدي الصهيوني طوال زمن الانتداب ليتهموه بأنه باع أرضه لليهود . غير أن الاتهامات غير الموضوعية والشعور بفقدان الأمل وانسداد آفاق المستقبل، كل ذلك تبدد مع بداية إرهاصات العمل الفدائي سنة ،1962 وبرزت الهوية النضالية لشعب الممانعة والصمود ولم يلبث النهوض الفلسطيني أن لقي استجابة عربية واسعة بتدفق الشباب العربي على منظمات العمل الفدائي، الذي اعتبره الرئيس عبدالناصر أنبل ظاهرة في ليل نكسة 1967 .
5- في أعقاب حرب 1967 تولى موشي دايان وزارة حرب “إسرائيل”، واعتبر مسؤولاً عن شؤون الأرض المحتلة . ويعد مهندس سياسة “العيش معاً إلى الأبد”، ولإنجاحها عمل على إبقاء الجسور مفتوحة بالتنسيق مع النظام الأردني، وإلحاق الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد “الإسرائيلي”، واستغلال فائض العمالة متدنية الأجور في الضفة والقطاع في المشروعات الصناعية والزراعية والإنشائية “الإسرائيلية” . وقد تصور أن الرخاء الاقتصادي سوف يؤدي إلى إضعاف فعالية مقاومة الاحتلال . غير أن تفجر مظاهرات الغضب استنكاراً لاغتيال الشهداء محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر عصف بكل أوهامه . ودلل على أن الرخاء الاقتصادي، أياً كان مصدره، لا يقهر إرادة الممانعة والمقاومة المتجذرة في الثقافة العربية الإسلامية .
6- في أعقاب حرب 1973 تصور المتحكمون بقيادة منظمة التحرير وفصائل المقاومة الرئيسية أن “إسرائيل” سوف تنسحب من بعض الأراضي في الضفة والقطاع، وأنهم الأولى بتسلمها وإقامة “دولة” فيها . وعليه اعتمدوا التسوية، وحوار الصهاينة خياراً استراتيجياً، وتسخير العمل الفدائي في تحسين فرصتهم التفاوضية، وتبنوا “برنامج النقاط العشر” وفي تسويقه غالوا بالحديث غير الموضوعي عن معاناة الفلسطينيين في الأقطار العربية، وصرخوا “يا وَحْدَنا” متجاهلين عمداً ما كانوا يلقونه من دعم سياسي ومالي من الأنظمة والشعوب العربية . وبحيث توالى ماراثون “مفاوضاتهم” الحافل بالتنازلات مع العدو المحتل، والتي توجت باتفاق أوسلو كارثي النتائج .
7- أحدثت انتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987 نقلة نوعية في الصراع بأن جعلت فلسطين المحتلة مسرحاً رئيسياً للصدام، منهية ما اعتاده العدو من نقله الصراع إلى خارج الأرض المحتلة، واعتماده ترحيل أزماته الداخلية بالعدوان على محيطه العربي . وقد نجحت المقاومة العربية بإسقاط أساطير التفوق الصهيوني المدعى بها، خاصة أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، وأفقدت “إسرائيل” قوة ردعها، وفرضت عليها ردعاً متبادلاً في الشمال والجنوب، ما فاقم من حدة المأزق الوجودي الصهيوني .
8- من المؤلم القول إن بعض من كانوا رموزاً للكفاح المسلح والمقاومة السلمية، وظفوا في عهد سلطة حكم الذات التي أقيمت بعد عودتهم للأرض المحتلة سنة ،1994 في جريمة التنسيق الأمني مع “إسرائيل”، وملاحقة المقاومين بالاعتقال والسجن، وممارسة أقسى أشكال التعذيب بحقهم، في مسعى عبثي لإنجاز ما فشل العدو في إنجازه بقبضته الحديدية بقهر إرادة الممانعة والمقاومة في الشعب المحتلة أرضه والمغتصبة حقوقه .
ومما سبق يتضح أن تحرير متر مربع واحد من أرض فلسطين المحتلة مستحيل التحقق دون مراجعة جذرية لمجمل السياسات الفلسطينية الخاصة والعربية العامة، واستعادة الفعالية العربية في الأنشطة كافة، وتفعيل ما تختزنه الأمة العربية من قدرة فذة على النهوض من الكبوات . وهذا هو التحدي الذي يواجهه بصورة أساسية محتكرو صناعة قرارات منظمة التحرير وفصائل المقاومة جميعها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165341

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165341 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010