السبت 7 آب (أغسطس) 2010

سيناء وألغاز صواريخ «إيلات»

السبت 7 آب (أغسطس) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

كان من الممكن ألا تتحول الصواريخ التي أطلقت منذ أيام على ميناء «إيلات»، الواقع جنوبي فلسطين المحتلة على البحر الأحمر، والتي وصل بعضها، ربما عن طريق الخطأ إلى ميناء العقبة الأردني، إلى «لغز» لولا تزامنه مع وجود حالة توتر عالية سياسية وأمنية بين لبنان والكيان الصهيوني، ووجود حالة توتر عالية سياسية وأمنية أيضاً بين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» والكيان الصهيوني، وعودة الخيار العسكري مجدداً ضمن خيارات أخرى أمريكية للتعامل مع أزمة الملف النووي الإيراني، حسب ما ورد مؤخراً على لسان الأدميرال مايكل مولن رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية، الذي جاء هو الآخر متزامناً مع انكشاف أمر التدريبات الجوية «الإسرائيلية» في رومانييا استعداداً للحرب مع إيران، وإعلان «الإسرائيليين» اكتمال بناء «القبة الحديدية» (حائط الصواريخ) القادرة على حماية الأجواء «الإسرائيلية» من أي هجوم صاروخي من إيران أو من سوريا أو من حزب الله.

هذه الأجواء هي التي حوّلت «صواريخ إيلات» إلى لغز حقيقي، وأثارت العديد من التساؤلات حول من هم الذين يقومون بين حين وآخر بإطلاق هذه الصواريخ؟ ولماذا «إيلات»؟ وما الأهداف المطلوب تحقيقها من وراء إطلاق هذه الصواريخ؟ هل هي مجرد إعلان عن وجود جماعات أو منظمات مسلحة قادرة على الاشتباك مع الكيان الصهيوني، أم أنها يمكن أن تدخل ضمن مناوشات «التأزيم السياسي» على أقل تقدير، وإثارة الشكوك بين الفرقاء السياسيين، خاصة بين «إسرائيل» وأطراف عربية، سواء كانت مصر أو الأردن أو الطرفين معاً، على ضوء دورهما في النشاط السياسي الراهن الداعم للبدء في المفاوضات المباشرة الفلسطينية «الإسرائيلية» وما استتبعها من لقاءات مصرية «إسرائيلية»، وأردنية «إسرائيلية» على أعلى المستويات؟

الأسئلة والاستفسارات تمتد أيضاً إلى سؤال الحرب والمناوشات والتحرشات التي تسبقها وتبررها، خاصة تزامن إطلاق هذه الصواريخ مع تجدد نشاط الطيران «الإسرائيلي» وقيامه بغارات مكثفة استهدفت قيادات ميدانية وسياسية في حركة «حماس»، كان آخرها استهداف منزل القيادي في كتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة «حماس») علاء الدنف في منطقة دير البلح في وسط قطاع غزة، ما أسفر عن إصابة 30 شخصاً على الأقل، وهي الغارات التي جاءت بعد يومين من استشهاد القيادي في «القسام» عيسى البطران، وإصابة 11 فلسطينياً في غارات جوية، وعمليات قصف مدفعي استهدفت مناطق متفرقة في قطاع غزة، في وقت تواصل فيه طائرات الاستطلاع «الإسرائيلية» تحليقها في أجواء غزة، وسط تحركات مريبة للآليات العسكرية من الشريط الحدودي.

تصعيد عسكري على قطاع غزة لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التصعيد السياسي الأمريكي و«الإسرائيلي» على حركة «حماس»، بسبب ما يُعدّ «تعويقاً» لفرص إنجاح مساعي بدء المفاوضات «الإسرائيلية» المباشرة مع السلطة الفلسطينية، في تطور شديد الشبه للتوتر للحادث مع لبنان، حين اندلعت الاشتباكات بالأسلحة الرشاشة والقذائف المدفعية بين الجيش اللبناني وقوات الاحتلال «الإسرائيلية»، شاركت فيها طائرات الأباتشي، عندما أرادت القوات «الإسرائيلية» إزالة شجرة داخل الأراضي اللبنانية، لتركيب كاميرات مراقبة على الحدود بين بلدة العديسة (اللبنانية)، ومستوطنة «مسكاف عام» (الصهيونية)، وهو ما دفع الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان إلى شجب ما وصفه بالخرق «الإسرائيلي» الجديد للقرار 1701، واجتياز الخط الأزرق، والاعتداء على الممتلكات، وقصف حاجز للجيش اللبناني في منطقة العديسة، ودعوته في لقاء مع قائد الجيش إلى التصدي لأي محاولة اعتداء «إسرائيلية».

هذه المناوشات أو التوترات العسكرية اللبنانية «الإسرائيلية» تتزامن مع التوتر السياسي المتصاعد داخل لبنان حول مضمون «القرار الظني» الذي يجري الحديث عنه، والمقرر صدوره قريباً عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، والذي يوصف بأنه يوجه اتهامات مباشرة لعناصر قيادية في حزب الله .

هذه التوترات تتفاقم في ظل تمسك قادة تيار المستقبل بالمحكمة، وما سيصدر عنها من قرارات، متجاوزة أجواء التفاؤل التي أشاعتها القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت مؤخراً بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس اللبناني ميشال سليمان. فقد أكدت مصادر في تيار المستقبل الذي يترأسه سعد الحريري رئيس الحكومة، أن «لا أحد في لبنان أو غير لبنان قادر على التحكم في مسار المحكمة الدولية والعدالة»، واستبعدت هذه المصادر أن «تكون قمة بعبدا (بيروت) تطرقت إلى مسألة إنهاء المحكمة أو إلغاء القرار الظني كما يسوّق البعض، لأن المحكمة هي بيد المجتمع الدولي كاملاً، وليست ملك طرف أو جهة معينة لتكون عرضة للبيع أو المقايضة».

توترات أمنية وسياسية تتشابك مع حديث الحرب المتصاعد ضد إيران أمريكياً و«إسرائيلياً»، وهي الحرب التي يرجّح ألا تكون، في حالة وقوعها، أقل من «حرب إقليمية» مدمّرة، هي التي أدت إلى تفاقم ألغاز الصواريخ التي تجدد إطلاقها على ميناء «إيلات»، والسؤال عما إذا كانت «إسرائيل» تقف وراء إطلاق هذه الصواريخ أم لا، خاصة مع تأكيدات ونفي أجهزة الأمن المصرية أن تكون هذه الصواريخ قد أطلقت من سيناء، رداً على اتهامات من الشرطة «الإسرائيلية» بأن الصواريخ جرى إطلاقها من سيناء.

هذه الألغاز وما يرتبط بها من تساؤلات واستفسارات، يزداد غموضها مع دخول «سيناء» طرفاً في هذا التصعيد، ومع تكرار إطلاق مثل هذه الصواريخ، خاصة تلك التي أطلقت على «إيلات» والعقبة قبل نحو ثلاثة أشهر، وتوجهت الإشارات أيضاً نحو سيناء، فهل المطلوب توجيه رسالة بأن مصر، وبالذات سيناء، لن تبقى خارج إطار المواجهة المحتملة مع «إسرائيل»، أم أن الدور السياسي المصري في عملية المفاوضات هو المستهدف؟

تساؤلات مهمة تفرض ألغازها التي ستبقى أحد أهم معالم الغموض الراهن الذي يلف المنطقة بين فرص السلام ومخاطر الحرب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165241

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165241 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010