الأربعاء 7 كانون الثاني (يناير) 2015

يهود نحو الدولة وعرب نحو الدويلات

الأربعاء 7 كانون الثاني (يناير) 2015 par نسيم الخوري

بات يصعب بل يستحيل علينا كعرب الخروج من الأفكار التي تجتاح العالم وتشغل الفكر البشري مثل العولمة وتعقيدات البيئة والأمراض الجديدة وفوضى التواصل وانهيارات الحدود واللغات والهويات بين الأفراد والشعوب في مناخات من الحروب الباردة والساخنة الشديدة القذارة . وبات أكثر صعوبة أن نفهم، في الوقت نفسه، تلك المجموعات الهائلة من المتغيّرات والتحوّلات الكبرى التي هبطت فوق بلادنا في سنوات خمس، بعدما سكنت عقول قيادات الدول الخارقة التي أدمنت التنافس على قيادة البشريّة وحكمها أو جعلها منقادة عبر دفعها نحو التحلّل والفوضى . أمور ثلاثة هي الإرهاب وتحولات مفاهيم الدولة ومستقبل الإسلام، وأزمات المسلمين تحتلّ العقل العالمي واستراتيجياته وهي كلّها تتشابك وتكاد تنحصر في هذه البقعة البائسة، بالمعنى السياسي، من بلاد العرب . وهنا تحضرني قكرة قالها لي مفكّر كبير من سوريا: وكأنّهم رمونا في العروبة والقومية العربيّة وأحزابها ثمّ وجدنا أنفسنا متجاذبين متقاتلين حول المفاهيم والآليات وطبائع الأنظمة والحكّام، ثمّ أخرجونا منها كلّها وبتنا وكأنّنا نبحث عن هوياتنا . والخطير أنّنا لم ندرك ولم نعرف كيف حصل هذا كلّه . وعندما سألته مستوضحاً من هؤلاء الذين رمونا قال: لا أعرف من! قلت: لربّما يرموننا مجدّداً في مناهج الدين واستراتيجيات واستحالات تفكيكه أو تشويهه إلاّ عبر تفكيك المؤمنين على طرائق جاك داريدا وفلاسفة التفكيك الاستراتيجيين الذين لا يكتبون ولا يفكّرون بهدف الكتابة أو التفكير، بل بهدف تغيير العالم الذي هو بحاجة مستمرّة إلى التغيير بالفكر المفروض والمستورد . قال: هكذا يكون العرب، ومن دون أن يدركوا، قد أجهضوا هويتهم الموحّدة وهم يجهضون سلّم القيم في أديانهم، فيتشوّه الإيمان بعدما تشوّه العقل .
وماذا يبقى من إنسانهم؟
لست من الموافقين دوماً على فكرة المؤامرة وتجهيل الفاعلين في الحكم أو رمي المتغيرات الضخمة التي تسحبنا إلى الخلف، ولا أميل كثيراً إلى التوفيق بين النصوص والدول المتباينة بقدر ما أشدّد على التباين الحاصل في الحكم على الرؤوس والأمزجة والطبائع؟
نحاول القراءة، لكنّنا نكاد نجزم بأنّ النصوص الدينية والإسلامية تحديداً هي هي لم ولن تتغيّر .الإسلام شيء والمسلمون أشياء يبدون، في أزمنة الوهم، وكأنهم رقع من البشر “بازيليي” الوجود من Puzzle أي يختزنون الصعوبة الهائلة في التركيب وإعادة التركيب والجمع كما يختزنون سهولة غير ثابتة في قابلية التفتيت والتفرقة . يصيبهم ويصيبون دينهم ما سبق أن أصاب الأديان الأخرى ومعتنقيها أو بقايا المؤمنين منها ، وخصوصاً المسيحيين الذين خرجوا من الدين خروجاً نصفيّاً أو غامضاً أو هم لم يخرجوا نهائياً بعد كونهم محكومين بالسلطات وأطماعها، أو ما زالوا مشغولين مع اليهود بإفراغ دسم الأديان الأخرى في العالم وضخّ الدسم الدولي المعلن والسرّي على يهودية “إسرائيل” عبر اقرار مشروع الدولة اليهودية في الكنيست بعد المصادقة عليه في الحكومة . هنا مفارقة هائلة هي إخراج مؤمنين مسلمين ومسيحيين من دولهم وأرضهم وسلّم قيمهم وإدخال يهود العالم في دينهم و“إسرائيلهم” في الزمن المتساوق نفسه . صعود اليهود نحو الدولة وهبوط المسيحيين والمسلمين نحو الدول والدويلات .
لقد أورثت الثورات الدينية وصراع السلطات والأنظمة في الغرب بمختلف معانيها دماء يصعب كيلها سفكت ولم تبلغ اليباس النهائي بالرغم من مرور قرن كاملٍ . ما يتغيّر في بلادنا، إذن، هم المسلمون إذ ينبشون أو يدفعون إلى النبش في تاريخهم وصراعاتهم القديمة في النصوص والنفوس . فالقراءة في الدين الإسلامي هي عبء لأنّها ليست في أساس الإسلام . إنّها نقيض النبوة تطمح إلى حكم الدنيا حيث لا قراءة ولا كتابة ولو جاء الأمر بأن “اقرأ باسم ربّك الذي خلق، خلق الإنسان من علق” . لا تعني أمّيّة النبي، إذن، نقصاً أو عيباً، بل سرّاً نصّاً منزلاً من فوق أي معجزة إلهياً . فقد بدأ اللسان العربي متدثراً ملحّاً في أن يزملوه أي يغطّوه كي تنبثق الكلمات في العتمة والهدأة ثم تنتشر في الذاكرات وفوق الألسنة والنصوص غير المنقّطة أو المحرّكة بمعنى Punctuation تحقيقاً عمليّاً لوحدانيّة الخالق في كلمته الثالثة والأخيرة . الأخيرة نعم، حيث الإقفال النهائي لباب السماء في وجه البشر الذين ما عادوا يصطفون . سالت السماء بحلّتها المضيئة وشمسها ونجومها في النص النهائي الموصول بالعهدين الجديد والقديم، ومال البشر إلى تحديد الكون والمعرفة من دون دراسةٍ أو معرفةٍ أو علامات استفهام . أن تقرأ وأنت أمّي محاولة، بل مهمّة إعجازيّة، تلتهم معظم العقول والأعمار، وأراها تلتهم الفكر الديني المسيحي الباهت أو تبعثه مجدّداً: أن تقرأ مجدّداً أو جديداً نصوص العروبة والعرب والزمان والمكان في مدى “الثورات والفورات” الإسلامية في أرض الإسلام والعرب كما في الكرة الأرضية، يعني أن تقرأ جسدك/ نفسك/ روحك/ تاريخك/ مستقبلك، وإنّني لن أتكفّل بإمكانيّة ذلك، أو بالقدرة على إبقاء الجسد والنصوص وتعليقهما بمسمارٍ فوق معبد دلفي حيث العنوان الأبرز: “اعرف نفسك تعرف العالم” .
أيخرجنا التكفير من أنفسنا وديننا فلا نعود نعرف ذواتنا وقيمنا؟
لقد ذوت العروبة وأخفق العرب بالرغم من مكوناتهم السماوية والنبوية في الكتابة والقول، وبالرغم أيضاً من مقوّماتهم الفكرية والسياسية، من أن يتركوا لنا لوحة نثبتها فوق بوابة العرب والمسلمين قبل الدخول إلى مساحات المنطقة التي تغوص أكثر فأكثر في الرمال .
اعذروا نصي العربي يقرع أجراس العروبة والإسلام في فيض من الوجدان أحياناً، نقف على رؤوس أصابعنا ونمطّ أعناقنا لنتطلّع إلى النصوص الكبرى أو كيفيّة ولاداتها في الألسن أو فوق الصفحات والشاشات، فندّعي القراءة والكتابة رافضين أكوام النصوص المتناقضة والمتحاربة، المدمّاة برؤوس ومن دون رؤوس، الخجولة المستمرّة في النظر إلى الخلف أو إلى الأمام ولا فرق كبيراً بين الوجهتين . فقد سدّت المستحيلات دروبنا في التعبير لا في التفكير بحثاً عن فكرة جديدة نتمسّك بها مثل قشة تبنٍ طافية فوق محيطات النفط والدماء والماء . قد تتكرّر كلمة الرؤوس في البحث عن العروبة الجديدة بعدما نخضعها للحذف والتغيير والتمزيق كون التعبير بات محكوماً بأرض شاسعة من الرمال الرخوة الحارقة كما هو محكوم بمخزون من اللاوعي الغامض في زمن تقطيع الرؤوس وتعليق الأجساد فوق صلبان من الجذوع البريّة تحت رايات الدين .
فلنرفع البساط والسجّاد المزخرف عن رقعة المتأسلمين ونطرح على أنفسنا عرباً ومسلمين سؤالاً عربياً واحداً: أيعقل أن تعلن الدولة اليهودية والدويلات العربية في زمن واحد؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2177861

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع نسيم الخوري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2177861 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40