الثلاثاء 6 كانون الثاني (يناير) 2015

كيان الصهيوني في فصله الأخير.. وخطوة نحو المنحدر

الثلاثاء 6 كانون الثاني (يناير) 2015 par صالح عوض

عندما أرسل موسى عليه السلام إلى محاورة فرعون مصر زوده الله سبحانه بمنهج الليونة في القول، كما زوّده برؤية واضحة لما عليه حال فرعون وطغيانه..لم تكن الليونة هنا تعني السكوت عما يقترفه فرعون في حق قوم موسى من قتل رجالهم واستحياء نسائهم ..إن الليونة أسلوب لتحقيق هدف لا يمكن تحقيقه بالقوة المادية الظاهرية لينشغل النقاش بجوهر المشكلة لا أن ينشغل بطريقة الكلام والألفاظ..وكان واضحا من سياق الآيات الكريمة أن هذا المنهج من شأنه أن يمنح فرعون فرصة لعله يتذكر أو يخشى..وسارت الآيات والسنن في فرعون إلى نهايتها ليكشف الله سبحانه لنا طبيعة الطغيان أنها في جوهرها جهل وعدوان وغطرسة وكبر والاغترار بالقوة، مما يدفع إلى السير في الضلال والتيه لتكتمل شروط الانهيار والسقوط الذريع، وهكذا كان، فكلما أمعن موسى عليه السلام في الحجج والآيات بالمنطق اللين الكريم أمعن فرعون بالطغيان والتبجح والغرور.. فجاءت خاتمته كما لم يتوقع قط..وهذا هو شأن الطواغيت المجرمين لا يقبلون بالتنازل عن بعض حقوق المستضعفين من خلال الحوار السلمي، ولكنهم يتنازلون عنها جملة مذلولين مكسورين عندما يقرر بك أن يجمع المستضعفون أمرهم لانتزاع حقهم كاملا وبلا التواء..كما حصل لفرعون والاستعمار الفرنسي للجزائر والاستعمار الأمريكي لفيتنام..وسوى ذلك كثير.

بعد أن أصرت القيادة الفلسطينية أنها ستلتزم منهج العمل السياسي والمفاوضات وستلج المؤسسات الدولية التي شرعت بوجود إسرائيل مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا جزء يسير من الحق الفلسطيني، أصبح واضحا أن الفلسطينيين يسلكون طريق الليونة وليس العنف، بعد أن أصبح واضحا أن القوة الكبرى البشرية الظاهرية تتركز في معسكر فرعون..ولكن قادة إسرائيل وهم يكررون منطق الالتواء والطغيان والإفساد يستدعون الآيات الكريمة تتكشف عن أسرارها في إشارات واضحة لسير فصول الصراع والاتجاه إلى خاتمته الحتمية.

نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني يبدي تخوفاته من أن يقاد جنوده وضباطه إلى المحاكم الدولية وأن تتوقف طائراته في مطارات العالم تحجز على متنها قيادات سياسية وعسكرية صهيونية، وأن تغلق الموانئ الدولية أمام سفن محملة ببضائع قادمة من إسرائيل، لكنه لا يتجه إلى التنازل عن بعض الحق الفلسطيني، بل يزداد إجرامه في حق الفلسطينيين بمنطق فرعون نفسه يتهم الفلسطينيين بأنهم سيلقون بإسرائيل في بحر..ولقد سبق أن تعرض قادة إسرائيليين لمطاردة من شرطة المطارات تنفيذا لأحكام قضائية..وقد سبق كذلك أن اتخذت نقابة الأكاديميين البريطانيين قرارات بمقاطعة الأساتذة الإسرائيليين الذين لم يتخذوا موقفا من عنصرية الكيان الصهيوني.

إن مواجهة إسرائيل لـ“الليونة الفلسطينية” بمزيد من التجاهل والازدراء تعني بوضوح فشل سياسي أصاب المؤسسة الصهيونية في مقتل لأنه يعني بوضوح غياب قراءة متمعنة في الحراك السياسي والاجتماعي الدائر في المنطقة والعالم والذي يقول بملء الفم أن لا مستقبل وجودي أو سياسي على الأقل لدور إسرائيلي في المنطقة، وقد يصل الأمر إلى تحجم الوجود الصهيوني إلى أضيق مدى وأن نقطة الضعف الخطيرة في الكيان الصهيوني أنه لا يحتمل هزائم وأن هزيمة حقيقية واحدة لهذا الكيان تعني انتهاءه تماما، كما قال أحد أهم مؤسسي الدولة العبرية - بن غوريون- ..الموقف الصهيوني المتعنت يعني بوضوح أن قادة إسرائيل فقدوا اللياقة السياسية وفقدوا القدرة على استشراف المستقبل القريب..فالكيان الصهيوني يعيش اليوم في صحراء ملتهبة متحركة وعواصف نار غير محددة الاتجاه ومن غير المقدور ضبطها ولم سنة الله ماضية في هذا الكيان، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تستفيد إسرائيل من حبال النجاة التي تلقى لها من حين لآخر من قبل الحكام العرب والمبادرات العربية والفلسطينية..

حراك في المنطقة يجعل الكيان الصهيوني على كف عفريت، وهو حراك من شأنه أن يدفع الأمريكان الحلفاء الطبيعيين والاستراتيجيين للكيان الصهيوني إلى تحديد الدور الإسرائيلي أمنيا واستراتيجيا أو الضغط على إسرائيل وكسر جموح التطرف العنصري الصهيوني، ذلك عندما يجد الأمريكان إن كان في ذلك تحقيق مصالح استراتيجية أخرى .. كما أصبح واضحا في مواقف دول غربية كالسويد وفرنسا وبريطانيا ومعظم أوروبا..فسياسة الأمريكان لا تعرف حليف ولا صديق إنما مصالح متطورة وصحيح أنهم حتى الأن لم يتعرضوا لتهديد استراتيجي لمصالحهم يدفعهم لإبداء تنازلات في موضوع إسرائيل، لكن لا ضمانة لاستمرار هذا الاطمئنان الإسرائيلي فالمنطقة حبلى بمشاريع وتوجهات تتنافس على مصارعة الأمريكان والإسرائيليين، ولعل منشأ الموقف المعادي في المنطقة هو الانحياز الأمريكي للتعنت الصهيوني.

عندما ترفض الحكومة الإسرائيلية مجرد فكرة الاحتكام إلى المؤسسات الدولية وتتسابق الأحزاب الإسرائيلية في الغرور والتصلب والعنصرية فإن ذلك يعني بوضوح أن إسرائيل في فصلها الأخير وأنها تخطو خطوتها الأكيدة نحو الانحدار الذي سيجعلها خاضعة لقانون الجاذبية للأسفل بالضرورة..

إن مزيدا من الإصرار الفلسطيني على حقهم في أرضهم وحريتهم واستقلالهم مرفوقا بهدوء طرحهم وقوته وسلوكهم سبل العمل السياسي السلمي لن يهزم إسرائيل ولن يجبرها على التنازل عن بعض حقهم، هذا صحيح ولم يسبق في التاريخ البشري أن تراجع المجرم عن جريمته لمجرد أن المظلوم نصحه ولان له بالقول..ولم يترك اللص جزءا من فريسته لمجرد أن المسروق منه نصح السارق بأن يتقاسم معه الحق..ولكن هذا هو الفصل الأخير من حياة اللص وهو النقطة الفاصلة في صيرورته..وهي الحجة الدامغة عليه لأن ربك لا يظلم أحدا.

إنه من العبث النظر فقط للمواجهات العنيفة على اعتبار أنها هي من ينهي الظلم..إن إنهاء الظلم لاسيما على المستوى المنظم يأتي بعد أن يبلغ المعتدون أوج عتوّهم وتصلبهم وتسلطهم فهناك يصيبهم العمى والضلال فيقودهم قدرهم إلى المذبح..فلطالما فاوض الجزائريون في عملهم السياسي السلمي الفرنسيين على بعض حقوقهم في التعليم والتمثيل وكان أبطال الجزائر الكبار من أمثال عباس فرحات ورفاقه في العمل السياسي السلمي هم من عرى الاستعمار ودفعه إلى التعنت والتصلب والانغلاق ليقضي ربك أمرا كان مفعولا.

إن ما يقوم به الفلسطينيون الآن خطوة كبيرة تؤهلهم لانتصار قادم كبير ليس فقط لأنهم كسبوا رأيا عاما دوليا واسعا، وليس لأنهم فقط يحاصرون العدو في المؤسسات والدول وليس لأنهم فقط حوّلوه إلى تجمع إرهابيين يخشون المحاكم والملاحقات الجنائية، وإنما أيضا وهو الأهم أنهم يمضون فيه سنة الله الغالبة بأن يندفع إلى مزيد من التصلب والتعنت والعنصرية أي إلى التيه والضلال والجهل وهذه هي أسس الانهيار لأي قوة كانت.

على الفلسطينيين أن يركزوا تماما فيما هم عليه وأن ينفتحوا تماما مزوّدين باليقين والوعي، ويسقطوا ذرائع عدوهم وحججه فيكسبوا الأصدقاء لقضيتهم ومنهم بعض السحرة الذين زينوا لعدوهم جريمته النكراء، فيتكشف عدوهم على حقيقته، عنصرية وجهل ورعونة يحاصروه ويطاردوه.. وبعد ذاك ينتظروا نصرا مؤزرا من الله العزيز الحكيم..تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2165249

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165249 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010