الثلاثاء 6 كانون الثاني (يناير) 2015

ثلاثة ملفات مؤجلة تنتظر الحسم

الثلاثاء 6 كانون الثاني (يناير) 2015 par فهمي هويدي

لا نستطيع في مصر أن ندخل مطمئنين إلى العام الجديد ما لم نطهر الجراح التي خلفها العام الذي سبقه.
(1)
شجعني على إطلاق هذه الدعوة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعطى إشارتين مهمتين في حديثه إلى رؤساء الصحف القومية الثلاث (الذي نشر على يومين في 29 و30 كانون الأول). الأولى أنه دعا إلى ترميم الجراح قائلا: كفانا عنفاً وتمزقاً. والثانية تحدث فيها عن طلبه من وزير الداخلية إجراء مراجعة شاملة للمقبوض عليهم لإطلاق سراح الأبرياء منهم.
صحيح أن هذا الكلام قيل في سياق حديث مطول حول الآمال المعقودة على العام الجديد، إلا أني اعتبرت أن ما قيل ينم ــ في حده الأدنى ــ عن إدراك للملفات العالقة المرحلة من العام 2014، التي تحتاج إلى مراجعة ترفع المعنويات وتعيد إلى كثيرين شعورهم بالثقة والأمل في العام الجديد.
وإذ توفِّر لنا مثل هذه الرسائل على اقتضابها بصيصاً من الأمل نتعلق به، إلا أن ذلك البصيص لا يلبث أن ينهزم ويخبو بفعل ممارسات تتم على أرض الواقع، تبدو وكأنها تمضي في اتجاه معاكس تماماً.
ذلك أنه في 31 كانون الأول، بعد يوم واحد من نشر الحوار، أطل علينا جرح جديد حين أعلن رئيس جامعة الأزهر أنه تم فصل أكثر من خمسين طالباً من الجامعة اتهموا بإثارة الشغب. وفيث اليوم التالي مباشرة ــ الذي هو أول أيام العام الجديد ــ نشرت الصحف أن مجلس الوزراء وافق على تعديل قانون الجامعات بما يجيز فصل عضو هيئة التدريس في ثلاث حالات هي: التحريض على العنف والشغب ــ ممارسة الأعمال الحزبية ــ الإقدام على أي فعل يزدري شرف وظيفته أو يمس نزاهة مهنته وكرامتها.
(2)
برغم أن المصارحة في محاولة مقاومة اليأس والتشاؤم لا تخلو من مغامرة، إلا أنه لا مفر منها. ذلك أن أحداً لا يستطيع أن يقلل من أهمية الجهد الذي بذله آخرون لتسليط الأضواء على تحديات العام الجديد وملفاته. سواء ما تعلق منها بالاقتصاد والطاقة والمياه أو ما خص الانتخابات التشريعية التي هي من مكملات خريطة الطريق التي سبق إعلانها في تموز 2013. لكن المرء لا يستطيع أن يخفي دهشته إزاء سكوت أغلب الأصوات على ملف الحريات العامة، الذي هو أحد أهم ملفات المرحلة من العام السابق. ذلك أن التراجع في منسوب الحريات أصبح حقيقة لا يستطيع أن ينكرها كل ذي عينين، وللأسف فإن القانون أصبح أحد أخطر الأساليب التي استخدمت للتضييق على الحريات وليس ضمانها أو حمايتها. وإذا كنا قد قرأنا في اليوم الأول من العام الجديد خبر تعديل قانون الجامعات بما يجيز فصل أعضاء هيئة التدريس، فإن تلك الخطوة تعد حلقة في المسلسل المحزن الذي توالت حلقاته الأخرى على مدى العام، وكلها تمضي في ذات الاتجاه الذي يضيق على المجتمع ويحاصره، فقد فوجئنا مثلا باستعادة إجراءات الطوارئ بغير إعلان. وهو ما أعادنا إلى وضع أسوأ من قانونها الذي سقط. إذ المعلوم أن الطوارئ تعلن لمواجهة ظرف استثنائي ولأجل يفترض أن ينتهي بانتهاء ذلك الظرف، إلا أن تعديل مدة الحبس الاحتياطي وجعله مفتوحاً لأجل غير معلوم، وليس للمدة التي حددها القانون، يفرض الوضع الصادم الذي صرنا إليه، إذ بمقتضاه أصبح الاستثناء قاعدة، ومن ثم فإننا انتقلنا من وضع سيئ إلى وضع أسوأ، وصرنا كمن تجنب حفرة ليقع في بئر!
الشاهد أننا صرنا إزاء حزمة قوانين مكبلة للنشاط العام تمثل عبئاً ثقيلا على ملف الحريات العامة، التي كان إطلاقها على رأس أهداف «ثورة 25 يناير» 2011. ترتب على ذلك مثلا ان سبع منظمات حقوقية مصرية انسحبت من المشاركة في فاعليات الاستعراض الدوري لملف حقوق الإنسان في مصر (الذي نظمه في شهر تشرين الثاني الماضي في جينيف «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة). وأعلنت المنظمات أنها أقدمت على ذلك كي تتجنب الابتزاز والانتقام من جانب السلطات الأمنية. وفي أعقاب ذلك نقل «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» جميع برامجه الإقليمية والدولية من مصر إلى تونس بحثاً عن الأمان، وذكر في بيان أصدره أنه أقدم على تلك الخطوة بسبب ما أسماه «التهديدات المتواصلة لمنظمات حقوق الإنسان في ظل إعلان الحرب على المجتمع المدني».
يطول بنا الحديث إذا تطرقنا إلى قرائن تراجع مؤشر الحريات العامة في مصر، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل بين تلك القرائن دلالة وقف حلقات باسم يوسف (البرنامج) ومنع مسلسل أهل الإسكندرية لبلال فضل الذي اضطر إلى مغادرة البلاد والإقامة في نيويورك، كما لا نستطيع أن نغفل دلالة اختفاء وجوه عدد من الإعلامين المحترمين مثل ريم ماجد وحمدي قنديل ويسرى فودة وأمثالهم، وهو ما يعد تعبيراً عن ضيق الصدر حتى بالأنصار الذين كانوا ضمن الذين خرجوا في «30 يونيو»، فما بالك بحظوظ المخالفين.
(3)
بعد ملف الحريات العامة العالق، يأتي ملف المصالحة الوطنية الذي لم يُفتح منذ العام 2013 وحتى الآن. وكان الحرص على تحقيق تلك المصالحة أحد بنود «خريطة الطريق» التي قدمها الفريق ــ آنذاك ــ عبد الفتاح السيسي في البيان الذي ألقاه في الثالث من شهر تموز في ذلك العام. وفيه أعلن عزل الدكتور محمد مرسي من منصبه الرئاسي، وكان من بين الإجراءات التي دعت إليها الخريطة: «تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات». ولم يقف الأمر عند حدود تعطيل ذلك النص وتجميده طوال ثمانية عشر شهراً حتى الآن، وإنما أصبح مصطلح المصالحة بحد ذاته محل استنكار من جانب المنابر الإعلامية وأغلب النخب وحتى الأحزاب السياسية.
والمدهش في الأمر أن السهام المسمومة أصبحت تتسارع في الانطلاق بمجرد ذكر الكلمة. وقبل التعرف على شروط المصالحة وبنودها التي قد تتم لمصلحة الطرف الغالب والأقوى. ومن المفارقات في هذا الصدد أن الرئيس التونسي الجديد باجي قايد السبسي قال في أول خطاب له بعد حلفه اليمين الدستورية إنه لا مستقبل لتونس من دون مصالحة. وقد أبرزت بعض الصحف المصرية تلك العبارة على صفحاتها الأولى صبيحة اليوم الأول من شهر كانون الثاني الحالي، وفى حين وردت العبارة على لسان الرجل، الذي هو سياسي مخضرم ومحنك، فإن نقيضه تماماً صار العنوان الحاكم للوضع القائم في مصر، إذ غدت الممارسات مستلهمة طول الوقت شعار: لا مستقبل من دون مخاصمة ــ وهو شعار يستبطن دعوة إلى الإبادة السياسية وترحب بالإبادة غير السياسية.
أدري أن مجرد الإشارة إلى المصطلح تعرض صاحبها للاتهام والتجريح من جانب ميليشيات الإبادة سابقة الذكر، لكني أزعم أن تجاهل الملف يُعدّ من قبيل دفن الرؤوس في الرمال، فضلا عن أن الإبقاء على الوضع الراهن كما هو لا يُعدّ حلاً للإشكال، ولكنه يظل مصدراً دائماً لتهديد الاستقرار والسلم الأهلي. أما الادّعاء بأن باب الحديث في الموضوع قد أغلق وعلى كل طرف أن يدبر حاله بعد ذلك، فهو يعد نوعاً من العبث والحمق السياسي، لأن المشروعات التي تنطلق من رؤية فكرية، أياً كان رأينا فيها، لا تُشطب بقرار ولا تُقتل بمدرعة ولا يتم إعدامها بحكم محكمة مهما بلغ جبروتها.
إن المطلب المتواضع الذي يعيد بصيص الأمل يتمثل في الدعوة إلى الالتزام بما نصت عليه خريطة الطريق بخصوص تشكيل اللجنة العليا للمصالحة الوطنية، بشرط واحد هو أن ترفع عنها يد الأمن، ولا تشكل من المخبرين العاملين أو المنتسبين، بحيث تكون عضويتها ممثلة حقاً للنخب الوطنية من الاتجاهات كلها.
(4)
عودة السياسة عنوان ثالث الملفات العالقة والمرحلة من العام المنصرم، وأعني بعودة السياسة إثبات حضور المجتمع ممثلا في المؤسسات المستقلة والمنتخبة، كي يمارس حقه في المشاركة والمساءلة. في هذا الصدد لا مفر من الاعتراف بأن ذلك الباب ظل مغلقاً منذ الثالث من تموز 2013. حتى الانتخابات التي كان مقرراً لها أن تتم في نهاية ذلك العام. قد تجري في أوائل الصيف المقبل (2015). من ثم فقد استقر في يقين البعض أن السلطة القائمة منحازة إلى الحلول الأمنية وعازفة عن الحلول السياسية، وذلك انطباع عدد من المثقفين المحترمين.
قد يرى البعض أن ذلك الأمل مشكوك في تحقيقه إذا ما تم انتخاب البرلمان المقبل، إلا أن البرلمان يظل أحد منابر المشاركة وعودته وحده لن تعيد السياسة، لأن العودة الحقيقية لن تتحقق إلا برفع سقف الحريات العامة وإلغاء وصاية المؤسسة الأمنية على مختلف مؤسسات المجتمع المدني، من أحزاب إلى منظمات حقوقية ونقابات ومجالس محلية، إضافة إلى استعادة استقلال الجامعات والقضاء والإعلام، فضلا عن فك الارتباط بين العسكر والسياسية.
لا أريد أن أقلل من أهمية الملفات والعناوين الأخرى التي رشحها البعض ضمن أجندة السنة الجديدة. لكني أتمنى أن نفرق بين ما هو ضروري للتقدم وبين ما هو عاجل لرأب التصدعات والحفاظ على قوام المجتمع وعافيته، كي يكون مهيأ للتقدم. وأزعم أن مثل تلك الملفات العالقة من جنس ما هو عاجل، ولا يحتمل التسويف أو الانتظار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178523

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178523 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40