الاثنين 5 كانون الثاني (يناير) 2015

مهزلة السلام

الاثنين 5 كانون الثاني (يناير) 2015 par د.عبدالله السويجي

قبل أن يقدم الأردن بدعم عربي طلباً إلى مجلس الأمن، يرمي إلى إصدار قرار بإنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية التي احتلها في العام ،1967 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بأغلبية ساحقة يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره .
وقد صوتت لصالح القرار الذي تقدمت به المجموعة العربية 180 دولة من مجموع 193 دولة عضواً بالجمعية العامة، ويؤكد القرار “حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بما في ذلك أن تكون له دولته المستقلة، فلسطين” . ويدعو “جميع الدول والوكالات المتخصصة ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة لمواصلة دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته على نيل حقه في تقرير المصير في أقرب وقت” .
وعلى الرغم من اعتماد الأمم المتحدة لمبدأ حق تقرير المصير للفلسطينيين، وهو قرار (واعتماد) غير ملزم، إلا أن مشروع القرار العربي في مجلس الأمن أخفق، وذلك بسبب لجوء الولايات المتحدة للضغط على نيجيريا لحملها على عدم التصويت لصالح المشروع، وصوتت ثماني دول بينها ثلاث تمتلك حق النقض هي: فرنسا والصين وروسيا - لصالح مشروع القرار، وامتنعت خمس دول عن التصويت بينها بريطانيا التي تمتلك حق النقض . وبذلك أفشلت الولايات المتحدة القرار على الرغم من تعديل المقترح الذي يشير إلى أن القدس عاصمة للدولتين .
السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة “سامنتا باورز” قالت إن بلادها صوتت ضد مشروع القرار لأنه “يحقق مطالب طرف على حساب آخر . . ويعرقل التوصل إلى السلام”! وكانت الخارجية الأمريكية قد قالت إن مشروع القرار العربي الفلسطيني “ليس بَنّاء ولا يخدم مصالح الفلسطينيين، ولا يعالج احتياجات”إسرائيل الأمنية“. بينما قال ناطق باسم الكيان الصهيوني إن القرار سيؤدي إلى تعميق الصراع، حيث تؤيد تل أبيب إجراء المزيد من المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، لكنها ترفض أن يضع طرف ثالث جداول زمنية، ودعا دولاً أوروبية عديدة إلى تبني إطار زمني أقل صرامة لكسب دعم أكبر، بينما تريد الولايات المتحدة الانتظار إلى ما بعد الانتخابات العامة ب”إسرائيل" والمزمع تنظيمها في مارس/آذار المقبل .
وزير شؤون المخابرات “الإسرائيلي” يوفال شتانيتس قال، إن تقديم القيادة الفلسطينية مشروع قرار لإنهاء الاحتلال بمثابة “إعلان حرب” . وطالب بوقف تحويل عائدات الضرائب للسلطة وتشديد الإجراءات ضدها!
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كان قد هدّد خلال زيارته للجزائر، بوقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، إن أسقط مجلس الأمن الدولي مشروع قرار فلسطيني عربي يدعو مبدئياً لإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” خلال عامين، وقال عباس في ختام زيارته للجزائر “إن لم يمر المشروع العربي الفلسطيني المقدم لدى مجلس الأمن الدولي لإنهاء الاحتلال فسنتخذ جملة من الخطوات السياسية والقانونية التي ستكون لها تداعياتها” . وبعد فشل تمرير القرار من مجلس الأمن، وقع الرئيس الفلسطيني طلباً للانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية .
المهزلة تكمن في أكثر من مسألة:
أولاً: إن المشروع المقدم حظي بدعم عربي، وإخفاقه مذلة للجامعة العربية ذاتها، التي تعتبر حليفاً للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب .
ثانياً: إن الولايات المتحدة التي تدّعي أنها راعية لعملية السلام، وتزعم تأييد حل الدولتين، رضخت للضغط الصهيوني وصوتت ضد مشروع القرار وكسرت حلم الفلسطينيين، على الرغم من قبول الفلسطينيين بأن تكون القدس الشرقية فقط عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة .
ثالثاً: إن العجب العجاب في التبرير السخيف الذي قدمته الولايات المتحدة، والذي يقول إن مشروع القرار العربي يحقق مصالح طرف على حساب طرف آخر!! أي أظهر الكيان الصهيوني على أنه سيكون مظلوماً، بل ادعت بوقاحة أن القرار ليس في صالح الفلسطينيين ولا يحقق الأمن للكيان الصهيوني .
رابعاً: أدهشت أستراليا العالم وخذلت الفلسطينيين بوقوفها إلى جانب الولايات المتحدة بعدم التصويت لصالح القرار . . وكذلك نيجيريا التي كانت وعدت ثم حنثت .
خامساً: السخافة الصهيونية تمثلت في رأي وزير شؤون المخابرات “الإسرائيلي” يوفال شتانيتس، الذي وصف تقديم المشروع بمثابة “إعلان حرب” . والأكثر سخفاً واستخفافاً هو مطالبته بوقف تحويل عائدات الضرائب للسلطة وتشديد الإجراءات ضدها . فعن أي حرب يتحدث، وهل العرب في موقع وظرف يعلنون فيهما الحرب على أحد؟
سادساً: تمرير اعتماد قرار من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم هو تحايل سياسي مفضوح، فالقرار غير ملزم .
الجانب الفلسطيني لا يستطيع فعل أكثر مما فعل في ظل هذه الظروف، إلا إذا فكّر بطريقة ثورية، وأعلن الحرب بشكل حقيقي على الكيان الصهيوني، كما ادعى وزير شؤون المخابرات “الإسرائيلي”، وأطلق انتفاضته الثالثة والرابعة، بحيث لا تكون الانتفاضة سلمية، وتشارك فيها قوى الشعب الفلسطيني كافة، وتنظيماته، بمعنى أن يخوضوا حرباً حقيقية أشبه بالعملية الانتحارية مفادها (عليّ وعلى أعدائي)، وبهذا سيدهشون العالم وستكون مفاجأة لن يحتملها الكيان الصهيوني، الذي سيكون أمام خيارين: أولاً، إعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وثانياً، الرضوخ للمطالب الفلسطينية التي لم تعد تحتمل التأجيل .
وتبدو الفكرة انتحارية أو خيالية وأقرب إلى الفانتازيا، ولهذا، سيلجأ الفلسطينيون إلى بدائل أخرى؛ كالانضمام إلى المنظمات الدولية القانونية والحقوقية والإنسانية وغيرها، وهذه الإجراءات فضفاضة، إلاّ إذا كان الفلسطينيون يرمون من وراء الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، رفع دعاوى على القيادات الصهيونية، فإن “الإسرائيليين” أيضاً يستطيعون رفع هذه الدعاوى، ولاسيما أن العالم يكيل بمكيالين في القضية الفلسطينية .
لقد فشل الفلسطينيون والعرب في مجلس الأمن، وهذا كان متوقعاً، وسيفشلون في تمرير أي قرار يعيد للفلسطينيين حقوقهم ويسمح لهم بإقامة دولة ذات سيادة، لأن أي قرار في هذا الشأن ستطعنه الولايات المتحدة بالنقض (الفيتو)، ولكن السؤال المرير هو: لماذا على الرئيس الفلسطيني وحده اللجوء إلى بدائل؟ لماذا لا يهدد العرب أيضاً باتخاذ خطوات أخرى ولتكن (مجنونة وانتحارية)؟ طالما أن القرار كان عربياً وليس فلسطينياً فقط؟ وفي الواقع لديهم أوراق مهمة وخطيرة في هذه المرحلة بالذات، ولا نتحدث عن سلاح النفط، لأن هذا السلاح لم يعد فعالاً أمام تدهور الأسعار، ولكن هناك ملفات أخرى تخص التحالفات الإقليمية والعالمية، وعليهم استخدامها، حتى لا نفاجأ في لحظة من اللحظات، ارتماء الفلسطينيين في أحضان قوى أخرى .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2165282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالله السويجي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010