الأحد 4 كانون الثاني (يناير) 2015

“أوسلو” وخمسون عاماً من الثورة

الأحد 4 كانون الثاني (يناير) 2015 par علي جرادات

بعد نحو عقْدين من “النكبة”، في 1-1-،1965 أطلقت حركة “فتح” شرارة الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة بفصائلها المختلفة . كان ذلك حدثاً تاريخياً ما بعده غير ما قبله في حياة الشعب الفلسطيني وكفاحه الوطني الذي لم ينقطع منذ أعلنت الحركة الصهيونية، في نهاية القرن التاسع عشر هدفها الأساس: جلب المهاجرين اليهود إلى فلسطين والسيطرة على أرضها وتفريغها من شعبها، وتحويلها إلى “يهودية كما هي انجلترا انجليزية” . واليوم، في الذكرى السنوية الخمسين لانطلاق مسيرة هذه الثورة التي رغم أنه من التعسف اختزالها فيما أصابها من تراجع والتباس وفقدان اتجاه، خاصة بعد إبرام اتفاق أوسلو، ،1993 فإن ثمة حاجة لإجراء مراجعة وطنية جدية وشاملة لتصويب ما لحق بمشروع النضال الوطني الفلسطيني من اختلالات بنيوية بفعل عشرين عاماً ويزيد من “مفاوضات أوسلو” العقيمة . ما يعني أن الحفاظ على 50 عاماً من النضال الوطني يحتاج بجانب التوازن في التقييم إلى رؤية أن “اتفاق أوسلو” أحدث تغييراً جوهرياً على معالم الخطاب الفلسطيني الذي أطلقته الثورة الفلسطينية المعاصرة، حتى أصبحت بداياته، في العديد من محاورها، لا تمت بصلة لواقع الخطاب الحالي، من دون إنكار أن أصول خطاب هذه الثورة ما زالت تسري عميقاً في أوساط الشعب الفلسطيني وجنباته، وأن وصول خيار عشرين عاماً من المفاوضات العبثية إلى طريق مسدود، سيفضي، عاجلاً أو آجلا، إلى إطلاق العنان لخيار الوحدة والمقاومة بأشكالها، بما فيها المسلح، كخيار دفاعي مفروض على الشعب الفلسطيني، أسست له حركة القسام في ثلاثينات القرن الماضي، وأربك “زلزال” “النكبة” سياقه الذي تم استئنافه، بعد إرهاصات وتراكمات، بمبادرة من حفنة من طلائع أطلقت شرارات ما بات يُعرف بالثورة الفلسطينية المعاصرة التي تحل الذكرى الخمسين لانطلاقتها في ظل هجوم صهيوني سياسي وميداني غير مسبوق، وفي ظل دمار شبه كامل لقطاع غزة، وهبات شعبية متلاحقة في مدن وأرياف ومخيمات الضفة، والقدس خصوصاً، وفي ظل مواجهة قاسية مع الولايات المتحدة التي أحبطت التصويت على المشروع الفلسطيني- العربي ل“إنهاء الاحتلال”، رغم ما أدخل عليه من تعديلات لتفادي الفيتو الأمريكي . ماذا يعني الكلام أعلاه؟
1: إن “اتفاق أوسلو” بمفاوضاته العبثية هو السبب الأساس لأزمة المشروع الوطني الذي أطلقته الثورة الفلسطينية المعاصرة التي بالنقلة النوعية التي أحدثتها في حياة الفلسطينيين، عموماً، واللاجئين منهم، خصوصاً، منعت طمس الهوية الوطنية والقومية الفلسطينية، وحالت من دون إسدال الستار على القضية والحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية، وأسست لتغلغل التمرد الثوري في أوساط الفلسطينيين حتى أصبحت الانتفاضات والمقاومة الشعبية متعددة الأشكال الواسعة والممتدة نمط حياة لديهم . هذا ناهيك عن أن الشعب الفلسطيني قدم في إطار هذا الطور من الثورة نحو مئة ألف شهيد، وأضعاف أضعافهم من الجرحى، وقرابة 800 ألف أسير، بل وما زال يقدم ما يفوق التصور من التضحيات بالمعنى الشامل للكلمة .
2: إن التمسك بتعاقد “أوسلو” وإطالة أمده أكثر مما يجب، والإصرار على مواصلة تجريبه كخيار فاشل، بل ومدمر، أكثر من اللازم، هو ما أفضى إلى المأزق المتعدد الأوجه والأبعاد الذي تعانيه الثورة الفلسطينية التي انطلقت بهدف “تحرير فلسطين” و“إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على أنقاض الكيان الصهيوني”، مطلقةً بذلك المشروع الوطني الفلسطيني الأكثر وعياً بطبيعة الصراع وتعبيراً عن حقائقه، ارتباطاً بما ارتكبه قادة المشروع الصهيوني في العامين ،1948 و،1967 تحت سمع العالم وبصره، بل بتواطئه، من عمليات تطهير عرقي مُخطط ما زالت مستمرة، ولم يعرف تاريخ البشرية الحديث والمعاصر لها مثيلاً، ما جعل الصراع صراعاً تناحرياً شاملاً ومفتوحاً، بل اشتباكاً تاريخياً صار “إنهاؤه” غير “تسويته”، بمعنى تهدئته وتغيير أشكاله لأجل يطول أو يقصر، وهو ما يصعب، كي لا نقول يستحيل، بلوغه إلا بتوافر عوامل قوة وطنية فلسطينية وقومية عربية وتحررية دولية تجبر الأحزاب الصهيونية على التخلي عن (يهودية “إسرائيل”) ونظامها الصهيوني، كنظام عنصري توسعي عدواني إقصائي إحلالي، وعلى الاعتراف بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، وجوهرها حق اللاجئين في التعويض والعودة إلى ديارهم الأصلية، كحق أصيل أولاً، ويكفله القرار الدولي 194 ثانياً . ما يفسر فشل عشرين عاماً ويزيد من المفاوضات لتطبيق “اتفاق أوسلو” وإحراز تسوية للصراع من دون الإخلال بعلاقة عناصر “البرنامج المرحلي” في “العودة وتقرير المصير والدولة”، كعناصر مترابطة غير قابلة للمقايضة أو المساومة أو المبادلة، ما يعني أن الفشل الذريع لخيار “أوسلو” يدفع، تقدم الأمر أو تأخر، نحو إحياء هذا البرنامج كبرنامج إجماع وطني أطلقته الثورة الفلسطينية المعاصرة في أواسط سبعينات القرن الماضي .
على أية حال، وعلى الرغم مما أحدثه اتفاق أوسلو ومفاوضاته العبثية من خلل بنيوي أفضى، فيما أفضى، إلى ضرب أهم إنجازات الثورة الفلسطينية المعاصرة، أعني منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تهمَّش دورها، وتراجعت مكانتها، وشُلت وترهلت مؤسساتها، وتبقرطت وانقسمت فصائلها، وتفككت اتحاداتها الشعبية ومنظماتها القطاعية وأطرها الجماهيرية والنقابية، إلا أن إعادة إحيائها كجبهة وطنية لفصائل حركة تحرر وطني متنوعة المشارب الفكرية والسياسية، وإطار وطني جامع، وممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وقائد لنضاله، وحافظ لهويته الوطنية، في الوطن والشتات، هي الحلقة المركزية الفلسطينية، ما يعني أن إعادة بناء هذه المنظمة على أسس وطنية وديمقراطية، لا تشكيل البدائل الأيديولوجية الموازية والمنازعة لها، هو ما يجب أن تنصب عليه جهود كل الحريصين على وحدة الشعب الفلسطيني وأرضه ونضاله في الوطن والشتات، وجهود كل العاملين بجدية على إنهاء الانقسام الداخلي العبثي المدمر الذي تعيشه منذ سنوات الأطر القيادية الرسمية الفلسطينية، ويخدم، أياً كانت النوايا والتبريرات، مخطط قادة الاحتلال وهدفهم الثابت في ضرب وحدة الشعب الفلسطيني، المعبَّر عنها في منظمة التحرير الفلسطينية، المراد الإبقاء عليها هيكلاً بلا مضمون، لمصلحة إعلاء شأن “السلطة الفلسطينية” المنقسمة والمثقلة بشروط تعاقد “أوسلو” السياسي والتزاماته، والأمنية منها بالذات .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010