السبت 3 كانون الثاني (يناير) 2015

إنها طرابلس... فادخلوها آمنين...

السبت 3 كانون الثاني (يناير) 2015 par معن بشور

الاطمئنان العميق الذي دفع عشرات الآلاف إلى المشاركة في تشييع الرئيس الراحل عمر كرامي في طرابلس، والسير في شوارع كانت إلى زمان قريب ساحات قتال واقتتال، ما كان لهما أن يحصلا لولا الثقة العميقة بحقيقة عاصمة الشمال الآمنة، وبطيبة أهلها الذين مسحوا في لحظات وداع زعيمهم سلبيات صور بشعة استمات البعض في إلصاقها بمدينة ما امتحنت يوماً بوطنيتها وعروبتها وإيمانها إلاّ وفازت بجدارة في الامتحان.

وبهذا المعنى، لم تكن جنازة الرئيس الراحل عمر كرامي مجرّد استفتاء حاشد على مكانة الرجل وموقعه في قلوب الطرابلسيين واللبنانيين، على رغم كلّ ما تعرّض له من تجنٍّ وقسوة وجحود، بل كانت أيضاً رسالة مدّوية تؤكد أنّ كلّ ما شهدته طرابلس، على مدى سنوات، من ظلم وظلمة، وقهر وغلوّ يذهب كالزبد جفاءً ولا يبقى في قلعة الكرامة إلاّ ما ينفع الناس من حكمة واعتدال وروح جامعة.

تذكّرت الشوارع التي مررنا بها في موكب تشييع الرئيس الراحل من الجامع المنصوري الكبير إلى ساحة النجمة فباب الرمل مروراً بقهوة موسى الشهيرة وصولاً إلى المدافن التي ضمّت أغلى الرجال في مدينة الأولياء والشهداء، مثلما ذكّرتني الجموع المتدافعة من كلّ حدب وصوب بطرابلس في أزهى أيامها يوم كانت تقدم الشهداء في تظاهرات الاستقلال، وفي ثورات التحرّر، وفي ميادين المقاومة في الجنوب اللبناني كما فلسطين وربوع الوطن العربي.

كما ذكرّني احتفاء أهل البترون والكورة وزغرتا بموكب الفقيد الكبير أنّ الشمال عصيّ على الفتنة، منارة للوحدة، وقلعة للوطنية الحقّة.

لقد تذكرت، وأنا أسير بين الطرابلسيين الأحباء، ساحة التل ومنشيتها وساعتها، قهوة التل العليا وروادها، سينما روكسي وأفلامها، أحياء التبانة «الغاضبة» ورجالها، قبة النصر وفرسانها، بهاء أبو سمرا وبساتينها، حرمان الجبل ومظلوميته، الأسواق الداخلية بحيويتها وتراثيتها، والزاهرية الزاهرة بألق العيش الواحد فيها، كما تذكّرت السويقة وباب الحديد وطلعة الرفاعية، والميناء حصن التحرر والتقدم، والقلمون بوابة الثغر الذي طالما حرس آمال الأمة وكرامتها.

لم أصّدق يوماً أنّ طرابلس هي غير ما شاهدناه في وداع الرئيس عمر كرامي، ولم اصدّق أبداً أنها لم تكن يوماً إلاّ على صورته وصورة والده الرئيس الراحل عبد الحميد كرامي، وشقيقه الشهيد الرئيس رشيد كرامي، بل على صورة منافسيهم الانتخابيين يوم لم تكن الانتخابات مجرّد تعداد طائفي ومذهبي، ويوم لم تكن معلّبة في بوسطات ومحادل.

لذلك، نجح أبو خالد رحمه الله أن يثبت في وداعه حقيقة طرابلس التي أمضى حياته مبشراً بها، وجاهداً لإبرازها، ومؤكداً على موقعها، كما نجح اليوم ابنه الوزير فيصل وكل من أشرف معه على التنظيم والتشييع في أن لا تُطلق رصاصة واحدة في مدينة ارتبط اسمها بالرصاص والقذائف والقنابل على مدى سنوات، لا بل نجح الوزير أبو رشيد مع أركانه في أن ينظّموا جنازة تصدّرها رئيس للحكومة ورؤساء سابقون للجمهورية ولمجلس النواب ولمجلس الوزراء ومفتٍ للجمهورية كانت كلمته في رثاء الراحل، برصانتها وأناقتها وعمقها تعبيراً عن مرحلة جديدة في حياة المدينة والوطن. بل أن يختلط هؤلاء جميعاً ومعهم وزراء ونواب حاليون وسابقون وممثلون لكلّ تيارات المدينة وأحزابها بأمواج بشرية متلاطمة وأن يسيروا باطمئنان وكأنهم يردّدون مع الراحل عمر كرامي «إنها طرابلس… فادخلوها آمنين…».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2166096

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2166096 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010