السبت 3 كانون الثاني (يناير) 2015

ملفات العام الجديد

السبت 3 كانون الثاني (يناير) 2015 par د. محمد مصطفى علوش

الملفات الشائكة الكبرى في العالم العربي التي لم تنجز خلال الأعوام المنصرمة فرضت نفسها قسرا على العام الجديد كمحددات أساسية تستوجب حلولا عاجلة. وطبيعة التعاطي مع هذه الملفات المتداخلة محليا وإقليميا ودوليا سيحدد مصير السنة الحالية في أن تكون تكرارا لمشهد الدم والكآبة والإحباط الذي طبع العام الماضي أو شيئا مختلفاً تماما علما أن التفاؤل بالتحول نحو الأحسن يكاد يُعدم لتراجع حظوظ الإبداع السياسي في عالمنا العربي الذي يجعل من السهل واليسر التنبؤ بمآلات الأمور قبل وقوعها لكثرة تكرارها ولفقر وضحالة العقل السياسي العربي في إنتاج رؤى جديدة خلاقة لم تُختبر من قبل.
وقبل استشراف المصير السياسي للعام الجديد، نعرج قليلا على بعض الانطباعات التي سجلت على مدار العام الفائت، حيث تمدد المحور الإيراني أفقيا وصولا إلى اليمن متمثلا في سيطرة الحوثيين وإطباقهم على كامل مفاصل الدولة اليمنية، مع تنامي الخبرة القتالية التي اكتسبها هذا المحور وراكمت من أدائه العسكري وأبرزت حضوره كفاعل أساسي في المنطقة دون إغفال أن إيران تعرضت ولا تزال لعلمية استنزاف مالي وعسكري مستمرة في سوريا والعراق.
أمّا ما كان يعرف بمحور الاعتدال العربي قبل الثورات، فقد تمكن من ترميم نفسه وإعادة إمساكه بزمام الأمور داخليا وزيادة التنسيق بين أعضائه إقليميا ودوليا، وبترميمه لذاته أوجد كتلة صلبة متحفزة ومتحدية ومستعدة لاستئصال أي تهديد داخلي أو خارجي لمصالحه وأهدافه.
وقد برزت الإمارات بقوة داخل هذا المحور، كما تخلت السعودية عن سياساتها الهادئة والحذرة والغامضة المعروفة بها تاريخيا، وانبرت كجهة مصممة على المواجهة، من خلال تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، الدعم المطلق لمصر، الانخراط في التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، دخول معركة كسر عظم مع إيران عبر سياسات تخفيض أسعار النفط عالميا.
في حين تفكك المحور التركي- الإخواني، وخفت حدة التصريحات التركية تجاه مصر وإن بقت على سياسة إيواء الإخوان، وبدأنا نشهد تقاربا قطريا مصريا خجولا مدعوما خليجيا.
انطلاقا مما سبق يخيل لي أن العام الجاري سيتسم بعدد من الأمور:
التشدد السلفي الجهادي المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية وفروع القاعدة سيزداد ضراوة، وهو إن اجتمعت على محاربته جميع المحاور إلا أنه لن يزول نهائيا، والأرجح أنه سيتفكك إلى مجموعات أصغر مما هو عليه، وسيصبح أكثر فاعلية قتاليا، الأمر الذي سيفرض توظيفا له من بعيد لصالح هذا المحور أو ذاك، كما سيتطلب تنسيقا غير معلن وغير رسمي من الجميع على مواجهته.
الاشتباك على المدى المنظور سيظل قائما بين إيران ودول الخليج، وهذا سيعكس توترا مستمرا في كل مناطق الاشتباك.
توسع المحور الإيراني عراقيا ويمنيا سيفرض استحقاقات وتحديات عديدة. ويبقى الوضع في سورية من أكثر العوامل تأثيرا على مستقبل هذا المحور.
سيتحول الوضع في اليمن إلى عبء على إيران رغم أنها أصبحت لاعبا قويا فيه. فالأوضاع فيه لن تستقر في المدى المنظور، كما أنه عرضة لتفجر الصراع المذهبي، وتنامي نفوذ تنظيم القاعدة، فضلاً عن شراسة المواجهة عربيا ودوليا القلقة من التمدد في الجزيرة العربية أو السيطرة على المضائق البحرية.
أي تفاهم أمريكي إيراني قادم سيكون على الأرجح لصالح محور المقاومة على حساب محور الاعتدال وسيضعف كثيرا جبهة محور الاعتدال الذي يكافح من أجل إجهاض هذا التفاهم.
تفكك المحور التركي الإخواني لم يلغ نمو تركيا كلاعب فاعل وأساسي في العراق وسورية وكصاحب دور في مصر وليبيا وتونس، وقد برز الحضور التركي في لعبة المحاور الدولية من خلال التقارب والتعاون الغازي بين تركيا وروسيا في مواجهة العقوبات الغربية على روسيا وهو ما قد يغير من خارطة التحالفات والمحاور القائمة، لاسيَّما أن روسيا عادت بقوة إلى المنطقة عبر البوابة السورية كما أبرزت نفوذها العسكري في أوكرانيا، وتماهت رؤيتها بشكل أكبر مع الرؤية الإيرانية خلال السنوات الثلاث الماضية فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وقد سعت إيران لتوظيف الوجود الروسي في مواجهة التعاون الغربي العربي ضدها في المنطقة مستعيضة به عن تراجع التنسيق مع تركيا الذي كان على أفضل ما يرام قبل العام 2011.
لإيران تطلعاتها ولتركيا تطلعاتها وقد لا يلتقي البلدان في جميع الرؤى تجاه المنطقة، لكنه لن يصل إلى مستوى المواجهة. وسينحصر دوره في المنافسة المحمومة على توسيع النفوذ، وهذا يتطلب من تركيا احتضان الإخوان كأبرز فصيل معارض في العالم العربي، مع إعادة الانفتاح على دول الخليج ومصر في مقابل الحضور الإيراني القوي والفاعل في سورية العراق لبنان اليمن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2181285

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد مصطفى علوش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2181285 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40