الجمعة 6 آب (أغسطس) 2010

جيل الشتات الجديد: «كيف نحمي إسرائيل من نفسها»؟

الجمعة 6 آب (أغسطس) 2010 par هيفاء زعيتر

تعيش «إسرائيل» مأزق هوية وجدوى انتماء. هي اليوم، تتعرض من بعض يهود الشتات، إلى نقد يطال أساسها الأخلاقي، فيما يتساهل معها، الضمير الرسمي الدولي، ويتغاضى عن ارتكابها الضمير الرســمي العربي. هنا، محاولة لرسم حال التمزق بين جماعات العنـصرية الصهيونية المتكتلة حول اليمين «الاسرائيلي» المتـطرف، وجماعات يهودية، ترى إلى «إسرائيل»، مشروعاً مهدداً لنفسه ولجواره.

ملامح هذا الانقسام والتمزق، دعت عدداً من الكتاب والمفكرين والإعلاميين اليهود، إلى رسم خطط بديلة، وتكوين جماعات ضغط مستحدثة، بهدف «ترشيد» «اسرائيل»، وحرفها عن سلوكها العدواني واللاإنساني، ضد العرب، والفلسطينيين تحديداً. وغاية هذه الجماعات المتكونة حديثاً، انشاء لوبيات يهودية/ صهيونية حديثة، لا تأتمر بالقرار السياسي الصادر عن حكومات «اسرائيل» المتتابعة.

كأن الهدف المعلن لهذه الجماعات هو التالي : «كيف تنجو «اسرائيل» من «اسرائيل»؟» كيف يعاد «الصفاء الصهيوني» لمشروع «اسرائيل»، الذي تدمره قوى اليمين المتطرف؟ وكيف يمكن لجم النزعة اللاإنسانية اليهودية في فلسطين؟

اختارت هذه المجموعات ان تكون مســتقلة عن القرار الرسمي «الإسرائيلي»، وتقربت من السلطات الغربية التي تتأفف من سلوك القادة «الإسرائيليين»، وتسايرهم، مراضاة لقوى الضغط الصهيونية، على حساب مصالحهم الأمنية والقومية.

ومن سمات التحرك اليهودي الجديد في العالم. ان الشرائح المتذمرة والمعارضة للسلوك «الاسرائيلي»، من الجيل الشاب في معظمها، وهو جيل لا يخضع لمؤثرات «الشواه» أو «المحرقة» الصارفة، إضافة إلى كونه يعيش في بيئات يسارية غربية، تعلي شأن الحقوق الانسانية على مقتضيات السياسة اليومية.

هل هو صراع بين تيارين أم هو صراع بين جيلين؟

الجيل السابق مثل «ايباك» يرى ان الخطر على «اسرائيل» من خارجها فقط. فهو معها، كيفما كانت، ولا يسمح بنقدها، الجيل الجديد، يرى إلى أخطار القوى الفلسطينية والعربية والإسلامية، لكنه يحذر من الخطر الذي يهدد «اسرائيل» من داخلها.

الاثنان يتفقان على تأمين الحدود القصوى لسلامة «اسرائيل».

ولكن من يرفع صوته من اليهود، في «اسرائيل» أو في الشتات، منتقداً «اسرائيل». سرعان ما سيواجه بتهمة «كراهية الذات» و«خيانة «اسرائيل»» وسيتحول إلى يهودي فاسد، تنبغي محاسبته بشتى «الطرق الخبيثة» التي تتقنها «اسرائيل» وأولها إعدامه إعلامياً والحيلولة دون وصوله إلى الرأي العام.

فئة لا بأس بها من اليهود، لا سيما من الشتات، تناصب الصهيونية العداء، وقد تجرأ بعض منها على إعلان كراهيته لها ورفضه لما تمارسه، غير أن المواقف التي تطلقها هذه الفئة تبقى في إطارها الطبيعي، مقارنة بما أصبحنا نسمعه ونقرأه مؤخراً من مواقف مناهضة لـ «اسرائيل» صادرة عن أشخاص لطالما عرفوا بمناصرتهم العمياء لها.

توالت هذه المواقف بعد الحرب على غزة، وقد اعتبر كثيرون منهم، أنها كانت فشلاً ذريعاً لـ «اسرائيل» على المستويين الأخلاقي والإعلامي، والواقع هنا يشي بالتصدع الذي طال العلاقة بين «اسرائيل» ويهود الشتات في العالم، وينذر بتجاوز وشيك للخط الأحمر الذي يرسم معالم هذه العلاقة «المقدسة» تاريخياً. صحيح ان العلاقة وثيقة بين الطرفين، تاريخاً ومصلحة وسياسة، ولكنها لطالما كانت عرضة للسؤال والاهتزاز عند كل إخفاق في جعل «دولة «اسرائيل»» المكان الآمن المنشود.

في عددها الصادر في أواخر حزيران من هذا العام، نشرت مجلة «لو كورييه انترناسيونال» ملفا بعنوان ««اسرائيل» والشتات اليهودي : التصدع»، تطرح فيه سبب ابتعاد اليهود حول العالم لا سيما الجيل اليهودي الشاب عن فكرة «اسرائيل»، ومدى خطورة هذه الظاهرة عليها. يعزو بيتر بينارت، الذي بقي لفترة طويلة رئيساً لتحرير مجلة «نيو ريبابليك» المعروفة بدفاعها عن «اسرائيل»، سبب الانقطاع في العلاقة الى اقتناع كلي لدى هؤلاء بأن لا شيء يجمعهم بـ «اسرائيل» ولا قيم مشتركة بينها وبينهم. وينظر بينارت إلى القمع الذي تمارسه «اسرائيل» إزاء أي انتقاد تتعرض له على انه السبب الذي سيؤدي بأهم المنظمات اليهودية في أميركا إلى فقدان الجيل الجديد. هذا ويبرز في الافق سبب كارثي اضافي يهدد العلاقة بين «اسرائيل» والشتات اليهودي حول العالم، يختصره بينارت بمثال معبر: «في كل مرة يلتقي فيها وزير او مسؤول «اسرائيلي» بجمهور يهودي في الشتات يغرق في عاصفة من التصفيق، تمنعه من سماع أصوات يهود آخرين يثير اشمئزازهم بحضوره. عندها يعود هؤلاء المسؤولون الى ديارهم مقتنعين بأن الشعب اليهودي بأجمعه يدعمهم، وبأن معارضيهم هم فقط من أعداء السامية». ويتابع بينارت في تحليله المثير حول سبب انحسار الصهيونية العلمانية الرئيسي، معللاً السبب بأن موجهي أكبر المنظمات اليهودية نجحوا في إثارة نفور جيل كامل من اليهود الشباب «من خلال الدفاع التام والمطلق عن كل ما تفعله أي حكومة «إسرائيلية»»، ليستخلص في النهاية ضرورة خلق تصور جديد للصهيونية.

يعتبر آنشيل بفنفير، في مقالة له في «هآرتس» نشرت لو كورييه انترناسيونال مقتطفات منه، أن ما ارتكبه الجيش «الاسرائيلي» بحق «أسطول الحرية» منذ مدة قصيرة لم يفضح ارهابه فحسب، بل كشف الغطاء واسعاً، عن شرخ مهول بين حكومة تحكم قبضتها بالقمع والوحشية وشتات يهودي ليبرالي يواجه صعوبة في الدفاع عن سياسة أصبحت تناقض ما يؤمن به. يعيدنا بفيفر إلى ما قاله مسؤول عسكري بعد قليل من الاعتداء على «اسطول الحرية». «نملك انطباعاً بأننا نعيد إحياء ما حصل في جريمة رام الله». ليقول إن صورة المشهد في رام الله أكبر من أن تنسى. ولا بد من أن تقفز إلى الذاكرة في لحظات مماثلة. فلن ينسى مشاهد مجموعة (من الفلسطينيين) تمزق جنديي الاحتياط «الاسرائيليين» يوسي أفراهامي وفاديم نورشيتز إرباً إرباً، وتنثر ما تبقى من جسديهما من نافذة مركز تابع للشرطة الفلسطينية. عمر هذه القصة 9 سنوات، ولم تغب عن بال «اسرائيلي» واحد.

إلا أن بفيفر يؤكد أن المقارنة تتوقف عند هذه الحالة، نظراً لنتائج مواجهة «اسطول الحرية». ويمضي متابعاً في شرحه بأن تبني وسائل الاعلام كافة لعبارة الجندي «الاسرائيلي» تصور بوضوح الرهاب الذهني الذي يسكن الرأي العام «الإسرائيلي». غير أن المشكلة تكمن وفق بفيفر بأن «المتحدثين باسم الدولة العبرية لا يملكون في خطابهم سوى أن يقنعوا المقتنعين أساساً»، فحججهم بخصوص عدم وجود أزمة تستدعي المساعدة في غزة، لن تنطلي على أحد مهما أتقنت حبكتها. فكل من يملك حساً إنسانياً في الخارج، يتابع بفيفر، يجد ان الأمر هو نتيجة وضع لا انساني ترتكبه «اسرائيل»، في وقت لا تفكر فيه أي من الحكومة أو الشريحة الأكبر من الرأي العام «الاسرائيلي» بتغييره. ويسارع بفيفر الى تبرير موقفه، خوفاً من مواجهة الاتهام «الإسرائيلي» : «قد تبدو نظريتي ساذجة أو مبالغاً في بساطتها ولكنها ليست ضد السامية (...) كل ما في الأمر انها وجهة نظر انسانية» ... لا يجوز أن نستمر بإقناع أنفسنا بأن ما نملكه هو إنساني والعالم أجمع يلهث لقتلنا.

ثم يلجأ بفيفر إلى اقتراح حل يستوعب الأزمة مطالباً بأن «نسعى كـ «إسرائيليين» لامتلاك أصدقاء حقيقيين، أصدقاء يستأهلون الثقة، عندها فقط نستطيع تجاوز أخطائنا. يهود الشتات يحبوننا، غير أنهم يرون الأمور من وجهة نظر مختلفة، من منظار يختلف عن منظارنا. نعم، نحن بأمس الحاجة إلى أن يرتفع صوت موحد لدى رؤساء الجماعات اليهودية في أميركا وأوروبا صارخاً بأن كفى هذا كثير، كثير : «أنتم، أيها «الإسرائيليون»، تعدون بأنفسكم سبل انزلاقكم الى منحدر الدولة المنبوذة، أنتم من تجرون على أنفسكم المشاكل وتورطوننا بها. حان الوقت ان ترفعوا رؤوسكم فوق هذه الأسوار، وتروا كم تغير هذا العالم».

هل لـ «اسرائيل» يد في الصعود المقلق لأعداء السامية؟

سؤال يطرحه العديد من الكتاب اليهود في الصحف «الإسرائيلية». يبدو جلياً في الآونة الأخيرة التصاعد الملحوظ لمشاعر العداء ضد اليهود حول العالم. البعض يحمل الإسلاميين في الغرب مسؤولية هذه المشكلة، ولا يتوانى عن تحميل الإسلام نفسه المسؤولية. البعض الآخر يذهب أبعد من ذلك في لائحة المذنبين المحتملين فيتهم الحكومات الغربية الضعيفة وشعوبها المسيحية التي تغذي مشاعر المعاداة للسامية. والبعض الآخر أيضاً لا يتوانى عن اتهام منظمات الدفاع عن حقوق الانسان بخيانة رسالتها والعمل على خلق المخاوف والهواجس حول «اسرائيل». أما الاتهام الأكبر فهو من نصيب بعض «اليهود الذين يمقتون أنفسهم»، هؤلاء يتهمهم بفيفر «بأنهم يخجلون من الاعتراف بجذورهم وبأنهم يديرون ظهورهم لشعبهم بغية كسب ثقة الآخرين. واتهام هؤلاء لهو أمر مخزٍ ومشين».

ويضيف بأنه يجدر بـ «الإسرائيليين» أن يعودوا قليلاً الى انفسهم. قائلاً : «لا ننسى في العام 2009 عندما قامت بعض الأوساط الصهيونية في بريطانيا بالتقرب من عضوين برلمانيين من اليمين المتطرف كانا قد اتهما سابقاً بعلاقات فاضحة مع النازيين الجدد. هذه النزعة تراءت مجدداً خلال الشهر الماضي عندما شارك سياسيان هنغاريان من اليمين، كانا قد وجها تعليقات مهينة الى يهود بلادهم، في المؤتمر الدولي لمكافحة معاداة السامية التي تنظمه وزارة الخارجية «الإسرائيلية» في القدس.

بالخلاصة، يبدو اليوم أن المعيار المستخدم في قياس وتقييم المعاداة للسامية أصبح مبنياً أكثر فأكثر على موقف الجــماعات إزاء الحكومة «الاسرائيلية» وسياساتها وليس على المواقف العدائية بحق اليهود كيهود فقط. وبهذا فإن أعداء السامية التقليديين قد تركوا مواقعهم. لأشخاص لم يعد لديهم ما يقولونه لليهود كيهود، كل ما في الأمر أنهم لا يحتملون السلوك الوحشي للمسؤولين «الاسرائيليين»، لا سيما ما يمارس من عمليات على الأراضي الفلسطينية. ويترافق شعور الكراهية مع انعدام شبه كلي لحجة اليهود الروحية وعلة وجودهم.

من جهة أخرى تسلط «لو كورييه انترناسيونال» الضوء على بعض التغيرات التي طرأت على موضوع اللوبي «الاسرائيلي» في الشتات لا سيما في السنوات الأخيرة. ففي العام 1951 تأسس (الأيباك) ـ لجنة الشؤون العامة الأميركية «الإسرائيلية» - ليكون «اللوبي الموالي لـ «اسرائيل» في أميركا». ووصل تعداده الى 100000 عضو يعملون على دعم «اسرائيل» والدفاع عنها ويضمنون استمرارية الدعم الاميركي لها. وقد صنفته الـ «نيويورك تايمز» بأنه المنظمة التي تزن أكثر من غيرها في العلاقات الاميركية «الإسرائيلية». ولكن في العام 2008 رأت «جي ستريت» النور. وهي منظمة من اليهود الأميركيين الذين يعملون على نقل وجهة نظر مختلفة حول الصراع في «الشرق الأوسط». وتبعا لمؤسسها جيريمي بن عامي، فإن المنظمة تتوجه إلى أعضاء مرحلة ما بعد «الهولوكوست»، لا سيما الى فرق اليسار ممن يخالفون منظمة «الأيباك» آراءها. وقد أثار أول مؤتمر عقدته هذه المنظمة جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة.

في فرنسا بقي الـ (كريف) - المجلس الممثل للمؤسسات اليهودية في فرنــسا لفتـرة طويلة الممثل الرسمي الوحيد لليهود هناك. وبعد رحيل تيوكلاين المسؤول عن المجلس في الفترة الممتدة من 1983 حتى 1989، وبعد انتهاء عملية السلام «الإسرائيلية» الفلسطينية عام 2000 تحول المجلس الى اليمين مما خلق جواً ملائماً لولادة حركات يسارية صغيرة كالاتحاد اليهودي الفرنسي من اجل السلام. وفي الأول من أيار، أطلقت حركة جديدة من اليهود الأوروبيين، (جي كول)، عريضة ضد مواصلة الاستيطان. وكان من بين الموقعين دانيال كوهين بنديت، برنار هنري ليفي وآلان فنكيلكروت.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 82 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010