السبت 20 كانون الأول (ديسمبر) 2014

حماس بين الأوروبيين والعرب

السبت 20 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par د. محمد مصطفى علوش

على ندرة حصوله (فعليا لا إعلاميا) في تاريخ العرب منذ زمن، سجلت القضية الفلسطينية نصرين مستوفيين الشروط خلال الأيام القليلة المنصرمة، تمثل الأول بحركة الاعتراف البرلمانية بالدولة الفلسطينية التي بدأتها السويد في دول الاتحاد الأوروبي وكرت السبحة التي ستطال على الأغلب جميع دول الاتحاد، ويبقى النصر الثاني أوروبيا أيضاً، ويتمثل في رفع المحكمة الأوروبية لحركة حماس من قائمة المنظمات الإرهابية التي أدرجتها عليها عام 2003.
معترفاً قرار المحكمة بأن إدراج حماس استند إلى حيثيات خاطئة وغير مدققة، غير منكر على حماس “حقها في الدفاع”، مشدداً على أنه “ليس لأوروبا أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول”.
والفعلان الأوروبيان آنفا الذكر لا يعدوان أن يكونا بداية حركة تصحيحية واحبة أخلاقيا وقانونيا تأخرت طويلا من جانب “أوروبا – المستعمرة” التي أعطت ما لا تملك لمن لا يستحق، وشردت الملايين من الفلسطينيين في بقاع الأرض يكابدون مرارة الذل والتهجير.
يؤسفنا القول إنه في الوقت الذي تعترف فيه الدول الأوروبية بحق حماس في المقاومة تعمل دول عربية جاهدة على محاصرة الحركة لأسباب لم تكن يوما مرتبطة بالقضية الفلسطينية أو بالأمن القومي العربي. وإنما لأن حماس ولدت من رحم الإخوان المسلمين، ودعمت الربيع العربي، ورفضت كل الإملاءات العربية والدولية لمساومتها على مشروعها المقاوم بتحرير الأرض واللحاق بركاب المفاوضات التي لم تثمر إلا حصرما للشعب الفلسطيني بعد عشرين سنة من ري شجرتها وتعهد تربتها. ولو أن أسلوب المفاوضات الذي دشنه المرحوم ياسر عرفات وراح ضحيته لاحقاً ضريبة إصراره في الحصول على دولة حقيقية على وهمية، قد أوصل إلى نتيجة بعد عقدين من المفاوضات المذلة والتي تخللتها عدة حروب مدمرة شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني لقلنا إن حماس تحمل أجندات غير وطنية وتريد تجيير القضية الفلسطينية لصالح مشروعات غير عربية، لكن أيا من ذلك لم يحدث. بل خرج نتنياهو ممتدحا الحالة العربية العدائية لحماس حين قال إن إسرائيل ودولا عربية راضية على حرب غزة.. وما كنا لنستفيق من الصدمة لهول ثقلها حتى أتحفنا وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بلاحقة لها، مؤكداً علنا ودون مواربة أن دولا عربية مستعدة للوقوف إلى جانب إسرائيل في مواجهة الإرهاب في المنطقة، والتي تمثل حركة حماس جزءا منه، واضعاً أمامنا كما كبيرا من الأسئلة ثقيلة الحمل على الجميع.. هل أصبحت ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني عملا أخلاقيا ونبيلا، ويتفق مع صحيح القانون الدولي ومعايير الضمير العربي حتى تستحق أن تكون جزءا من مشروع دولي لمواجهة من؟ حركة فلسطينية تعلن أنها تريد استعادة الأرض العربية والإسلامية بما فيها القدس الشريف قبلة المسلمين الأولى؟
المدهش أنه في الوقت الذي تضيق دول عربية الخناق حول حركة حماس يقوم الاتحاد الأوروبي بفتح قنوات الاتصال ومد الجسور معها، متحديا اللوبيات اليهودية والولايات المتحدة التي لم تستح يوما أمام العرب في دعمها الصلف لإسرائيل في قبل اعتداءاتها ضد الشعوب العربية في لبنان وفلسطين والأردن وسوريا والعراق وتونس.
أليس من حقنا أن نسأل لصالح من تتم محاربة حركة حماس وتشويه صورتها وشيطنتها، وهي ما تبقى من نخوة العرب وكرامته في تحصيل الحقوق المشروعة؟!
مشكلة العرب أنهم مقتنعون أو يوهمون أنفسهم بذلك طلبا للراحة والسلامة ورفعا للعتب من الشعوب المغيبة أصلا، أنهم فقط بالدبلوماسية الناعمة والمفاوضات المستمرة لعقود وعقود طويلة دون التلويح بخيار المقاومة المسلحة والانتفاضات الشعبية المكلوفة بالقوانين الدولية، قادرون على استجداء بعض حقوقهم من إسرائيل ومستعدون للتسامح معها إلى أبعد الحدود، أما من يرفض هذا الخيار من أبناء الشعب الفلسطيني فمصيره العزل والتشويه والقضاء ونعته بأحط المصطلحات المنحوتة في زمن موضة الإرهاب العابر للحدود والجحور.
ما سبق لا يعني التخلي عن خيار التفاوض أو رفض تدويله الذي باشرته السلطة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، لكن ألا يكون خيارا يتيما يقوم على الاستجداء، طالما أن السلطة الفلسطينية نفسها تعترف بأن المشروع المقدم إلى مجلس الأمن، والذي سيصطدم حتما بالفيتو الأمريكي الذي يرفض أي إزعاج لإسرائيل دوليا مهما بدا ظلمها مكشوفا ومجحفا، هدفه وضع دول مجلس الأمن في صورة المفاوضات وإلى أين وصلت!. يعني من نهاية السطر، محاولة تدويل القضية والسلطة تعلم يقينا أن الأمر لن يثمن شيئا على الإطلاق وأن الفيتو الأمريكي سيجعل هذا الحراك من محاربة إلى بابه أثرا بعد عين، كما كل الفيتوات التي قدمت من قبل إلى مجلس الأمن والتي كان آخرها حول التدخل الدولي في سوريا. وكان واضحا وصريحا (كعادته) الوزير الإسرائيلي المتطرف أفيجدور ليبرمان معلقا على الحراك العربي في مجلس الأمن في بيان، “المؤكد أن ذلك لن يعجل بالتوصل لاتفاق، لأنه لا شيء سيتغير دون موافقة إسرائيل”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165958

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد مصطفى علوش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165958 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010