السبت 20 كانون الأول (ديسمبر) 2014

كوبا تطوي صفحة العداء

السبت 20 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par يونس السيد

على مدى أكثر من 50 عاماً، ظل معسكر الاعتقال الأمريكي الشهير في غوانتانامو، هو كل ما يرمز إلى العلاقة الأمريكية - الكوبية التي تجمدت منذ صعود فيدل كاسترو إلى السلطة في هافانا عام ،1959 بعد ثورة أسقطت نظام الديكتاتور باتيستا المدعوم أمريكياً آنذاك، وتطورت بعد ذلك بسنتين إلى حد المواجهة النووية بين المعسكرين الشرقي والغربي في أزمة “خليج الخنازير” عام 1961 .
منذ ذلك التاريخ، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حصاراً شاملاً على كوبا، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومالياً، واستمر هذا الحصار طوال فترة الحرب الباردة، وحتى ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث وقفت كوبا (الشيوعية) وحيدة في مواجهة طوفان الحصار الخانق، بينما كانت منظومة المعسكر الاشتراكي تتفكك إلى دول راحت تعلن ولاءها وتبعيتها للغرب . ومع ذلك، فقد ارتفعت أصوات قليلة في الغرب، بعد اعتزال فيدل كاسترو وتولي شقيقه راؤول دفة الحكم عام ،2008 تطالب بمراجعة سياسة الحظر المفروض على هذه البلاد .
خطوة تطبيع العلاقات مع كوبا، التي كشفت عنها واشنطن، قبل لحظات من إعلانها رسمياً في كلمتين متزامنتين للرئيسين الأمريكي باراك أوباما والكوبي راؤول كاسترو، لم تكن مفاجئة فحسب، بقدر ما كانت تبدو محاولة لإعادة صياغة التاريخ، لا من حيث نقض السياسة الأمريكية التي عفى عليها الزمن، كما قال أوباما، فقط، بل لأنها جاءت عكس مجريات تطورات الأحداث في العالم، وفي ظل خلافات وتوترات وأزمة عميقة بين روسيا والغرب، هي الأخطر منذ انتهاء الحرب الباردة، ومحورها الأزمات الدولية المتعددة والحرب على الإرهاب . ولا شك في أن خطوة مدوية بهذا الحجم قد أثارت ذهول العالم، ومن الطبيعي أن تجد معارضة لدى الكونغرس الأمريكي المعارض أصلاً لأوباما بعد هيمنة الجمهوريين على مجلسيه . . حتى إن أوباما نفسه الذي تعهد بالتطبيع واستئناف العلاقات الدبلوماسية وشطب كوبا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، لم يقطع في مسألة رفع الحظر، بل وعد بمناقشته مع الكونغرس، لكنها، مع ذلك، تمثل إعلاناً عن تغيير جذري في السياسة الامريكية تجاه كوبا، وطي صفحة الماضي والانتقال من مرحلة العداء التاريخي إلى مرحلة التطبيع والتعاون في شتى المجالات .
هناك فرق شاسع بين من يصنع التاريخ ومن يتفرج عليه، فمن يصنع التاريخ هم أبطاله الحقيقيون، ومن يكتب التاريخ هو المنتصر بلا شك، وفي الحالة الكوبية نموذج فريد لصناعة تاريخ جاء ثمرة صمود أسطوري على مدى أكثر من نصف قرن، لم تتوقف فيه عجلة النمو والتطور لحظة واحدة، حتى أصبحت كوبا تضاهي أكثر الدول تطوراً وتقدماً وتحضراً في شتى المجالات، وباتت هذه البلاد المحاصرة قادرة على تقديم مساعدات توازي دول الغرب مجتمعة في مواجهة وباء الإيبولا . أما أوباما الذي عجز عن إحداث التغيير المنشود وتلبية الوعود التي قطعها للداخل الأمريكي، وأصبح موضح النقد والاتهام بالضعف، فيبدو أنه قرر، بعد ست سنوات من حكمه وقبل نحو سنتين على مغادرته للبيت الأبيض، أن يترك بصمة دامغة في السياسة الخارجية، ربما ستظل تذكرها الأجيال القادمة على أنها الإنجاز الوحيد لأضعف الرؤساء الأمريكيين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2165834

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165834 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010