الجمعة 19 كانون الأول (ديسمبر) 2014

الانتخابات «الإسرائيلية» وعدم الإفراط في التفاؤل

الجمعة 19 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par رامز مصطفى

فوضى انتخابية سياسية عارمة يعيشها كيان الاحتلال منذ ما قبل أن يُقدم نتنياهو على إقالة كلّ من الوزيرين يائيد وليفني من حكومته، وبالتالي حلّ «الكنيست»، وتحديد موعد الانتخابات المقبلة في 17 آذار من العام المقبل. وتجلت هذه الفوضى مع الحديث عن خارطة التحالفات السياسية الجديدة، بين مختلف الأحزاب. وقد لعبت الاستطلاعات الأخيرة دوراً في تصاعد حدة الخلافات التي خرجت عن المألوف بين رؤساء الكتل والأحزاب، ولم يوفر أحدهما الآخر من النعوت والتوصيفات. ويردّ المحللون والمراقبون الأمر إلى زحمة الأحزاب في «إسرائيل» وخاصة اليمينية منها، على غير ما شهدته قبل الدورات السابقة. حيث كان يتنافس في الانتخابات حزبان كبيران هما العمل والليكود، مع وجود أحزاب صغيرة تدور في فلك كلّ منهما.

والنتيجة التي انتهت إليها حكومة نتنياهو ومن ثم «الكنيست»، هي نتيجة طبيعية لأنّ الائتلاف الحكومي الذي ترأسه نتنياهو قائم على المصالح، وتلبية شروط مكونات الائتلاف كلّ من زاوية مصالحه ورؤيته السياسية. وعندما تعارضت المصالح افترق الخلان والعشاق من جديد، وبدأ كلّ منهم يبحث عن ضالة تلاقي المصالح من جديد. وما ذهب إليه الصحافي أودي عاري في توصيفه لحكومة نتنياهو بالقول «إنّ هذه الحكومة، هي حكومة تجمع المصالح الخاصة مع كلّ تناقضاتها». وهذه حال حزب «الحركة» بقيادة تسيبي ليفني، و«حزب العمل» بقيادة إسحاق هارتسوغ. حيث لم تخف ليفني إحساسها بمرارة إقصاء نتنياهو لها، فأرادت ردّ الصاع له بتحالفها مع العمل، حيث عبّرت عن ذلك في قولها «أعتقد أنّ تناوب رئيسي حكومة كاحتمال وارد أفضل من رئيس واحد مع عجز جنسي» وأضافت: «أعلنت زواجي بحزب العمل، وقرّرنا ألا نتشاجر، أنتم تعلمون من يغسل الأطباق ومن يغسل الملابس. وسنقوم سوياً بإخراج القمامة معاً» في إشارة واضحة إلى رئيس الوزراء نتنياهو، الذي بدوره دفعته مصالحه باتجاه الذهاب إلى انتخابات مبكرة، من خلفية أنه يطمح في العودة مرة جديدة إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات العام المقبل، وهو يُمنّي نفسه في الحصول على مقاعد أعلى في «الكنيست» المقبل، يتوّجه زعيماً من دون منافس قوي، وهذا ما لا تُجمع عليه استطلاعات الرأي التي وجدت في موشيه كحلون، وهو السياسي ذو الخبرة الواسعة في الليكود، والذي يتجه نحو تشكيل لائحة بعيدة عن حزب الليكود. بالإضافة إلى اتجاهات كثيرة لدى كتل وأحزاب للابتعاد عن التحالف مع نتنياهو، وهذا ما صرّح به تجمع الأحزاب الدينية «التوراة اليهودية» «أن لا اتفاق مع نتنياهو حول تزكيته رئيساً للحكومة المقبلة». وكذلك فعل حليف نتنياهو في الانتخابات السابقة افيغدور ليبرمان وزير خارجية الكيان، وهما اللذان شكلا كتلة انتخابية واحدة «الليكود بيتنا»، عندما ألمح ليبرمان في مقابلة مع موقع «واللا» العبري إلى «إمكانية اعتباره مرشحاً واقعياً لرئاسة الحكومة»، مضيفاً أيّ ليبرمان أنه «يستبعد أيضاً الانضمام إلى ائتلاف حكومي برئاسة يتسحاق هرتسوغ، زعيم المعارضة، وتسيبي ليفني من قائمة «العمل – الحركة» المشتركة. وبدورها زعيمة حزب «ميرتس» زهابا جالون قالت: «يجب أن تكون آخر انتخابات يشارك فيها نتنياهو»، مؤكدة «أنّ ظله طارد الإسرائيليين لمدة ستة أعوام، وأنّ زمنه يجب أن ينتهي».

إنّ الصورة المشوهة لخارطة الانتخابات «الإسرائيلية» والصراع بين الكتل، وما ستنتهي إليه خارطة التحالفات، من شأنها أن تغيّر سطوة السيطرة الشبه كاملة لصالح أحزاب ما يُسمّى اليمين، وانتقالها وبشكل طفيف لصالح ما يُسمّى قوى اليسار والوسط. ولا يعني ذلك بأيّ حال من الأحوال أنّ هذه أحزاب «الوسط واليسار» ستضع يدها على «الكنيست»، ومن ثم على الحكومة. لأنّ الاتجاه العام في الكيان ذاهب إلى المزيد من الجنوح نحو التطرف على أساس ديني.

الواضح أنّ حسابات حقل نتنياهو لا تتوافق وحسابات بيدر الأحزاب والكتل السياسية في «إسرائيل». بمعنى أنّ نتنياهو الذي نجح في مرات سابقة في الذهاب إلى انتخابات مبكرة لأهداف تخصّه وحزبه بما يتيح له المزيد في التحرّر من قيود أخصامه السياسيين. قد لا تتيح الانتخابات المقبلة تحقيق هذه الأهداف، وتطيح بمستقبله السياسي، وهو الملام أساساً في أنه أخفق في حربه الأخيرة ضدّ قطاع غزة، وتحميله نتائج هذه الحرب، والتي تسبّبت في دخول تحالفاته مع ليبرمان إلى ما وصلت إليه من مأزق. مضافاً إلى ذلك مجموع المشاكل المتفاقمة سواء في الاقتصاد أو التقديمات الصحية والرفاه الاجتماعي، وارتفاع معدلات البطالة، وازدياد نسبة الجريمة المنظمة. وبالتالي الأفق المغلق لإمكانية تحقيق تسوية سياسية حقيقية مع الفلسطينيين والتي تنعكس مباشرة على الأوضاع الأمنية للمستوطنين. وهذا يعكس جدياً المأزق الذي وصل إليه نتنياهو وحزبه، واستخدمه تعبير أنه وحزبه «يتعرض لمؤامرة من أحزاب معارضة»، الأمر الذي يدفعه إلى الهروب نحو الأمام من خلال عمل عسكري، بهدف شدّ عصب الجمهور في «إسرائيل» نحوه، وخلط للأوراق.

إنْ حصلت الانتخابات وغيّرت في تركيبة «الكنيست»، مؤكد أنها ستغيّر في تركيبة الخارطة السياسية في الكيان. ولكنها لن تؤدّي إلى نقلة في العملية السياسية التفاوضية مع السلطة الفلسطينية، وقد يستغلّ هذا التغيّر إلى الهروب والعودة إلى الوراء في خطوة تنصل من التزامات من سبق، كما جرى مع أولمرت وكيف انقلب نتنياهو على ما توصلت إليه السلطة مع أولمرت.

هذا من جهة ومن جهة ثانية يجب ألاّ تذهب السلطة والفلسطينيين وراء التهليل والتطبيل ويمنون أنفسهم لمشهد فوضى الانتخابات في «إسرائيل»، وبالتالي الحذر من الإفراط في التفاؤل لمتغيّرات قد تؤدّي إلى لحلحة في تعنت الحكومة «الإسرائيلية» في إعطاء الفلسطينيين شيء بما في ذلك حلّ الدولتين. وعلى السلطة ومعها عموم الفلسطينيين أن يدركوا أنّ الصراع المحتدم بين المكونات السياسية داخل الكيان، ليس سببه الخلاف على العنوان الفلسطيني وإنجاز تسوية تاريخية معهم، بل على عناوين سياسية داخلية قد تتصل ومن باب التكتيك والزكزكة والكيد السياسي بالكلام عن المفاوضات والتسوية مع السلطة ليس إلاّ.

وفي تصريح لليفني في ردّها على خطوة توجه السلطة إلى مجلس الأمن لوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال، والاعتراف بالدولة الفلسطينية في 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وصفت الفلسطينيين وخطوتهم بالغباء، وأعلنت رفضها لهذا التوجه. ومثلها حذا الكثيرين من المسؤولين «الإسرائيليين». وعليه الحذر في عدم الإفراط بالتفاؤل إزاء ما ينتج عن هذه الانتخابات في آذار المقبل.

وإلى حين إجراء الانتخابات في الكيان، المطلوب فلسطينياً المسارعة إلى صوغ استراتيجيتهم السياسية في عناوين وطنية تحافظ وتتمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني أساسه المقاومة بكلّ أشكالها وعناوينها وفي مقدمتها المقاومة المسلحة. خصوصاً أنّ التطورات تشي بأنّ ثمة ما يُراد فرضه مجدداً على الفلسطينيين من رؤى ومشاريع وقرارات تطيح بما تبقى من عناوين القضية. خصوصاً أنّ ثمة مبادرة فرنسية ستُقدّم إلى مجلس الأمن يعتريها الكثير من اللبس والمطبات، في ظلّ ضعف المناعة السياسية لدى السلطة الفلسطينية، والتي هي في الأساس تعيش حالة من التخبّط وعدم التوازن في صوغ خطواتها السياسية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2166078

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع رامز مصطفى   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2166078 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010