الخميس 18 كانون الأول (ديسمبر) 2014

إلى إخواني السلفيين..

الخميس 18 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par صالح عوض

دخلت أحد محلات بيع الملابس التقليدية في الجزائر العاصمة فاستقبلني البائع وهو شاب مؤدب ملتح وواضح في ملامحه وكلماته أنه سلفي بابتسامة من يعرفني وسماني باسمي فسرني ذلك منه.. واستأذنني بأن ينتقد لي موقفي من إيران والشيعة ذاكرا بأنه قد جمعه وإخوة سلفيين لقاءات نقاش حول ما أكتب في القضايا السياسية والفكرية وأن بعض الإخوة ضاق صدره وأوّلَ كلامي بأنني شيعي.. وتواصل حديثنا في محله ما يقارب نصف ساعة وتركته على مودة وحب بعد أن توضحت الشبهات فيما بيننا.

رأيت أن في هذه الحادثة التي تخفي وراءها تراكمات ثقيلة إشارة مهمة لضرورة تبيان الأمر وكشف الملتبس فيه لعل الله يفتح ما بيني وبين إخواني السلفيين بالخير والحق فينزاح سوء الفهم والتفاهم، ويرون فيّ ما أسأل الله أن أكون ثابتا عليه من معتقد وموقف..

بهدوء أبدأ الحديث عن طبيعة كتاباتي؛ إنها جميعا تنصب على قضية أساسية وجوهرية وهي قضية فلسطين والقدس الشريف وهذا يقتضي مني أن أبحث عن أسباب الفشل وأطالب بالتخلص منها وعن أسباب النجاح وأدعو إليها.. وأنا كمسلم ملتزم بالمنهج الإسلامي ومعتز بذلك أرى أن وحدة الصف من أهم ركائز الانتصار، كما أن التنازع هو سبيل الفشل وذهاب الريح.. وأنه ليس من حليف للعدو المتغطرس المجرم كما هو اختلافنا وتصارعنا.. كما أنني أعرف من خلال قراءتي للتاريخ أن هناك ركاماً من المقولات والمواقف والإحن المذهبية في الأمة لابد من التخلص منها وتطهير مواقفنا من نوازع التفرقة وأخلاقها.. وأن نكون دوما نزاعين إلى جمع الصف ورد الشبهات بالتي هي أحسن والتناصح داخل الأمة بالأخوة والمحبّة والحكمة..

هذه هي الخلفية الأساسية التي انطلق فيها للحديث عن قضايا الأمة التي ترتبط جميعا بقضية القدس، حيث هي أم القضايا.. وأجد أن هناك قوة واحدة لا مجال للتواد معها؛ إنها قوى الشر العالمي المتمثلة في المشروع الاستعماري الغربي ثقافة وسياسة وجيوشا ..إنها قوى الشر التي تترصد لنا في كل المواقع وتنصب لنا الكمائن وتصر على العداوة لأمتنا ونهب ثرواتنا وتدمير مدننا وبيوتنا وقتل أبنائنا وإلغاء إمكانية نهوضنا.

بالعودة إلى إخواني السلفيين مع أني لم أبتعد عنهم.. أريد أن أوضح أنني لا أشتغل بمواضيع العقائد والاختلافات بين المسلمين، مكتفيا بأني أرى مسلما كل من أقام أركان الإسلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا يُخرجه من الإسلام إلا أن ينكر معلوما من الدين بالضرورة أو أن يؤوّل نصا تأويلا لا يحتمل إلا الكفر أو يأتي عملا أو قولا ينفي إسلامه.. ثم إنني في هذا المتسع الكبير أجلّ آل بيت النبوة ونساء الرسول أمهات المؤمنين وأجلّ صحابته الكرام وأعتقد أن الخلافة الراشدة هي النموذج الأفضل والأصح على مستوى التاريخ بعد عهد النبوة.. وأرى أن أي فعل أو قول يسيء إلى رموز الأمة من صحابة أو آل بيت النبي ونسائه إنما هو عمل فسق وخطيئة كبيرة..

وهنا يأتي النقاش حول إيران والشيعة.. هنا لابد أن ننطلق من قاعدة وهي أنه ينبغي أن لا ننهج سبيل شق الصدور عن قلوب الناس ونكتفي من الناس بما يعلنون وما يفعلون وأن لا نشهد إلا بما علمنا، يقول ربنا سبحانه وتعالى: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ _ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً” والله يتولى السرائر..عندما أتناول الحديث فإنما أحاول تقديم تحليل لما هو قائم، فعندما أقول إن التفرقة بين المسلمين درب من دروب هلاكهم فإنما أقرر بذلك حقيقة تاريخية وسنة إلهية قال تعالى: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” ومن هنا فإني لا أرى أن الاختلاف بين المسلمين السنة والشيعة داعٍ للتناحر واستقواء بعضهم على الآخر بقوى أعدائهم الذين يريدون لهم جميعا الفناء.. وهنا لابد من التوضيح مباشرة أن سب الصحابة وأمهات المؤمنين لا يصدر عن مسلم مستقيم ..إنها رذيلة وخطيئة مذمومة مرفوضة وتعني بوضوح شذوذا في التفكير وسوءا في الخلق.. والمسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه والمسلم ليس بسباب ولا شتام ولا لعان..

ومن جهة أخرى فإن الحديث عن إيران يعني بوضوح الحديث عن الدولة ودورها الإقليمي ولا يستطيع أحد لأنه لا تعجبه إيران، أن يتناساها فيما هو يحاول تقديم تحليل للواقع في المنطقة، فإيران سواء أعجبت أم لم تعجب فهي حيز كبير موجود وأصيل في المنطقة وهي تجمع عناصر قوة وتنشط بدأب لأخذ دور إقليمي متميز قد يكون الاختلاف بين الناس حول توجه قوة إيران، هل هو لمصلحة الأمة؟ أم لمصلحة الدولة الايرانية؟ لكن لا يختلف اثنان على أن إيران أصبحت القوة الإقليمية الأولى في المنطقة إذا اعتبرنا أن الكيان الصهيوني القوة الإقليمية الثانية الآن.. وهنا ينبغي استحضار العقل والحكمة والنصح والرشد بدل التعجل في الأحكام، فعندما تكون الدعوة للاستفادة من قوة إيران كما يحصل الآن في فلسطين وجنوب لبنان في المعارك ضد الكيان الصهيوني، حيث تقدم ايران - ولعلها الوحيدة في العالم الإسلامي- علنا للفلسطينيين الرصاص والصواريخ والأموال وتثبتهم في قتال يوقع بالعدو الصهيوني خسائرَ فادحة.. لا تفعل هذا الأمر أي دولة عربية ما عدا السودان بشكل يتناسب مع حجم قدراتها ولم تفعله أيّ دولة إسلامية؛ لا باكستان ولا تركيا ولا إندونيسيا ولا سواها.. فهل يستوي الأمر أن نجازي إيران على تفردها بدعم مقاومة الشعب الفلسطيني بمواجهتها بالطعن والشتم والسب؟ إن ذلك ليس خلقا سويا ولا تفكيرا سليما.. وهذا الكلام لم ولن يكون دعوة لكي يصبح العرب فرسا ولا السنة شيعة وهذا ليس مطروحا البتة.. ليس المطروح التقليل من قيمة العرب ولا التوهين من عزائم أهل السنة لصالح إيران والشيعة.. فكم من المحسوبين على أهل السنة والعرب يقومون اليوم بتحالفات مع العدو الصهيوني ويتعاونون على الإثم والعدوان وكم ممن يحسبون على الشيعة اليوم رديئون أراذل يتطاولون على كبار الصحابة وأمهات المؤمنين بسب أو شتم وطعن ولعْن ويتحركون في تيار موجود في أكثر من مكان..

ومباشرة نجزم بأن لا أولئك من المحسوبين على أهل السنة والعرب ولا هؤلاء من المحسوبين على الشيعة هم المعنيون بدعوتنا إلى التعاون على البر والتقوى إنما المعني بندائنا ودعوتنا هم المسلمون المحترمون من العرب وأهل السنة وهم الغالبية العظمى والشيعة المحترمون الذين ينزهون ألسنتهم من تلك الرذائل ويسلكون درب الحرص على وحدة المسلمين في مواجهة أعداء الأمة وهذا التيار واسع نافذ له حضور وفاعلية.. إنها دعوة مخلصة لله رب العالمين أن يلتقي الناس على الخير والتساند والتعاون والتناصر.

أيها الإخوة السلفيون إن المعركة الحقيقية هي مع أعداء الأمة الذين يجهزون لنا كل الوسائل لتدمير أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإن أخطر وسائلهم هي إثارة الفرقة في صفوفنا وتأليب بعضنا على بعضنا.. فلنضيق شقة الخلاف ونظهر ما يمكن التوحّد حوله ولنبادر بحسن الظن والعمل الصالح.. تولانا الله برحمته.

هوامش:

* إنني في هذا المتسع الكبير أجلّ آل بيت النبوة ونساء الرسول أمهات المؤمنين وأجلّ صحابته الكرام وأعتقد أن الخلافة الراشدة هي النموذج الأفضل والأصح على مستوى التاريخ بعد عهد النبوة.. وأرى أن أي فعل أو قول يسيء إلى رموز الأمة من صحابة أو آل بيت النبي ونسائه إنما هو عمل فسق وخطيئة كبيرة..

* كم من المحسوبين على أهل السنة والعرب يقومون اليوم بتحالفات مع العدو الصهيوني ويتعاونون على الإثم والعدوان، وكم ممن يحسبون على الشيعة اليوم رديئون أراذل يتطاولون على كبار الصحابة وأمهات المؤمنين بسب أو شتم وطعن ولعْن ويتحركون في تيار موجود في أكثر من مكان..



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165249

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165249 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010