الخميس 18 كانون الأول (ديسمبر) 2014

سقوط الزيتون . . من أبو عمار إلى أبو عين

الخميس 18 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par عوني صادق

استشهاد زياد أبو عين، مسؤول ملف الجدار والاستيطان في السلطة الفلسطينية، وهو يحاول أن يزرع شتلة زيتون في أرض ترمسعيا المهددة بالمصادرة، في واحدة من فعاليات “المقاومة الشعبية السلمية” التي يتبناها الرئيس محمود عباس وسلطته، حمل أكثر من رسالة . الأولى ليست جديدة لكنها مركزية في سياسات المحتلين الصهاينة، إذ تصر قياداتهم على إبلاغها لكل الفلسطينيين، “المتطرفين” منهم والمعتدلين، “العنفيين” والسلميين، وهي تعيد تأكيدها في كل مناسبة، بل وبغير مناسبة، وتقول فيها: لا مكان للفلسطينيين في “أرض إسرائيل”، ولا سلام معهم مهما قدموا من تنازلات، ولا تراجع ولا مجال لحلول وسط تأتي تحت مسمى السلام أو أي مسمى آخر . والحقيقة أن الفلسطيني العادي سمع وفهم هذه “الرسالة” منذ زمن، وهو ليس في حاجة لتذكيره بها . لكن المشكلة تتمثل في“قيادة” لا تريد أن تسمع الشعب أو تفهم ما يقوله العدو، وإن فهمت لا تريد أن تتصرف بمقتضى ما تفهم، وهي لا تعدم “المبررات” لتسويغ استسلامها وخضوعها لإرادة الغازي المحتل!
الموقف الإسرائيلي مما حدث على أرض ترمسعيا كان معروفاً سلفاً، ومنتظراً قبل أن يعبر عنه الناطقون باسمه . ولم يكن غريباً أو مستغرباً أن تخرج وزارة الصحة الإسرائيلية بتصريح يقول إن أبو عين “مات” نتيجة “أزمة قلبية”، وإن جنود الاحتلال تصرفوا “بأفضل صورة” ممكنة في ظروف مواجهة “الشغب”، بل وكان منتظراً من شخصية “مهووسة”، كان بلطجياً وصار وزير الخارجية فكان أفضل تعبير عن سلطة مارقة مجرمة هو أفيغدور ليبرمان، أن يصف تحميل السلطة الفلسطينية جيش الاحتلال المسؤولية عن “موت” أبو عين بأنه “ادعاءات مهووسة”، الغرض منها التحريض على “إسرائيل”!
أما موقف السلطة الفلسطينية، فكان، كما جرت العادة، علواً في الصوت وخواء فيما بعد ذلك، ثم انسحاباً “معللاً”! فعلى مستوى التصريحات، جاءت مقبولة كتعبير عن موقف أولي، لولا أن الدعوة الفورية إلى “التحقيق” في حادثة وقعت على الهواء مباشرة وفي بث حي ومباشر، كانت تنذر بأن الساعات اللاحقة لا بد أن تحمل معها خاتمة مخجلة لا ريب فيها، حيث لم يكن ما تضمنته تلك التصريحات “النارية” سوى طريقة متبعة وتقليدية لامتصاص غضب الشارع الفلسطيني . وجاء التأجيل من الجمعة إلى الأحد ليؤكد صحة النوايا التي اختفت في ثنايا التصريحات . لقد قال الرئيس عباس في كلمته للقيادة، التي اجتمعت لبحث القرارات المنوي اتخاذها رداً على الجريمة: إن ما حدث كان “عملاً بربرياً لا يمكن القبول به أو السكوت عنه” . لكنه أضاف: إن “كل الخيارات مفتوحة”! وكان وقف العمل ب “التنسيق الأمني”، هو أول مطالب الشارع، وأول ما أعلنه جبريل الرجوب قبل الاجتماع، ثم تبين أنه ليس أكثر من “أحد الخيارات المفتوحة” ! وقد اعتبرته صحيفة (هآرتس- 11/12/2014)، “تصريحاً انفعالياً هدفه إرضاء الجمهور الفلسطيني في الضفة”! ولم تخطئ الصحيفة “الإسرائيلية” التقدير . لكن المسألة كانت أبسط من أن تخضع للجدل أو الاجتهاد، فليس وارداً أن يكون أبو عين أهم أو أعز من أبو عمار، الذي قالت كل رموز السلطة الفلسطينية إنه مات مسموماً على أيدي الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية”، ولا يزال موته “لغزاً” ينتظر “اكتمال التحقيق”، والأصح أن يقال “ينتظر النسيان”!
ولم تكن شتلة الزيتون التي أراد أبو عين أن يغرسها في أرض ترمسعيا هي أول سقوط للزيتون الفلسطيني! فمنذ عبر الرئيس الراحل ياسر عرفات باب قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1974 داعياً العالم ألا يسقط “غصن الزيتون” من يده، وأغصان الزيتون في فلسطين تتساقط، بل وأشجاره تقتلع بكل همجية لا تفرق بين الشجر والبشر !
عشرون عاماً مرت على دعوة أبو عمار لتحقيق السلام، تنازل فيها عن كثير من “الثوابت الوطنية”، ليؤكد عبر ذلك تمسكه بغصن الزيتون، وكل النتيجة كانت الوصول إلى “اتفاق أوسلو” العام ،1993 أعقبتها عشرون عاماً أخرى لم يتخل فيها الرئيس الراحل عن “غصنه” دون جدوى، وتخللها الكثير من قتل الشعب وسرقة أرضه وموارده، ثم قتله شخصياً، وملاحقة كل زيتونة ظلت قائمة في أرض فلسطين، وصولاً إلى زياد أبو عين، الذي أراد بقصد أو من دونه، أن يراهن على قناعات الرئيس محمود عباس فيما يقوله عن “المقاومة الشعبية السلمية”، فجاء قتله دليلاً نهائياً على أن المقاومة مرفوضة لدى العنصريين الصهاينة، ولا فرق عندهم إن كانت سلمية أو غير سلمية . والقتل الذي حدث في ترمسعيا يفترض أنه قتل آخر الأوهام التي تحولت إلى أصنام، وأولها ما يسمى “عملية السلام” .
وستظل آخر كلمات الشهيد أبو عين جرساً يدق في أسماع الغافلين، المتمسكين بمصالحهم وب“عملية السلام”، علها تسمع من لا يزال يسري فيهم ماء الحياة . لقد كانت الكلمات حاملة للصدق الذي ينطق به إنسان سيقابل ربه بعد لحظات، فقال عن جيش الاحتلال: “إنه جيش إرهابي، يمارس القمع والإرهاب ضد شعبنا . لقد جئنا نزرع أشجار الزيتون في أرضنا، وهم يعتدون علينا من أول لحظة . لا أحد ضرب حجراً، ولا أحد قام بالاعتداء عليهم” . وختم كلماته مؤكداً: “إنه جيش إرهابي لا يفهم لغة أغصان الزيتون، ولا يقدر الذين يكتفون بحملها، بل يفهم فقط لغة القوة، والمقاومة بكل السبل هي سبيلنا حتى تحرير الأرض”!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165412

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165412 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010