إننا إزاء مفاهيم خطيرة تتسرب إلى عقول بعض أبناء الأمة.. فعندما كان “الجهاد” في أفغانستان ضد الشيوعيين الملاحدة والروس المجرمين.. هبت هذه الجماعات ترسل بأبنائها إلى مطحنة القتل والموت المجاني وتجمع ملايين الدولارات لتغطية ذلك الجهاد ولم يفكر أحد من قيادات تلك الجماعات بوقف أو سواه، بل كانوا يؤلفون الكتب عن آيات الله المعجزة في جهاد الأفغان، حيث تنطق الأفاعي ويتكلم الشهيد وترى الملائكة وهي تحارب مع المؤمنين ضد الشيوعيين.. أما هنا في جهاد فلسطين فتختزل كل جهود أولئك إلى نقل تبرعات الناس الطيبين على أحسن احتمال إلى جزء من فلسطين وإلى جزء من المقاومة الفلسطينية بعينها.. ومقابل ذلك يتحدثون عن وقف باسمهم أو اسم رموزهم، مستغلين في ذلك حاجة الشعب الفلسطيني المنكوب وحبه لأمته.
حتى يتذكر المنشغلون بمسألة الوقف لا بد من فتح صفحة الغوث شعيب وإخوانه من قادة تحرير القدس الشريف وما أوقف له في أرض فلسطين.. إن الغوث سيدي بومدين دفع ساقه تدفن في أرض القدس وقاد آلاف المجاهدين الجزائريين والمغاربة في جيش صلاح الدين الأيوبي قبل أن يمنح شبرا في أرض فلسطين.. لأن أرض فلسطين وقف لأهلها المرابطين، وكل أهلها مرابطون ولمن نصرهم بالدم ودخل معهم ملحمة القتال .. وهي لا تشترى ولا تباع بأموال الأرض ولا بصدقات البشر أجمعين.
ولو قارنا ما دفعته الحكومات العربية كالسعودية وقطر والكويت والعراق بما نقلته تلك الجماعات كان يمكن أن تتملك معظم أرض فلسطين، إلا أنها مع كل ما يمكن أن يقال عنها لم تتجرأ وتقول إننا نريد وقفا لنا في فلسطين..
ثم إن هناك مخاطر حقيقية تتفشى في أفهام قيادات بعض الجماعات عندما لا يرون فلسطين إلا غزة، وعندما لا يرون في غزة إلا من تربطهم به علاقات تنظيمية.. فأين معركة القدس والصراع العنيف على كل حجر فيها، أين الدعم للمرابطين في المسجد الأقصى وبيت المقدس، لماذا لا ترفع راية القدس، ولماذا لا يدعم الناس المساكين الذين اقتلعوا من أرضهم وبساتينهم في الضفة الغربية بفعل الجدار العازل، ولماذا لا يدعم أبناء الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان، ولماذا السكوت عن دعم الشعب الفلسطيني المظلوم في مخيم اليرموك والمخيمات الفلسطينية في سوريا، ثم أليست كتائب أبو علي مصطفى مقاتلة ومجاهدة، أليست كتائب الأقصى مجاهدة ومقاتلة، أليست سرايا القدس مجاهدة، لماذا تنصرف تبرعات المسلمين الطيبين إلى فصيل بعينه مع اعتزازنا وتقديرنا لهذا الفصيل الكبير القسام وفي منطقة بعينها مع اعتزازنا وعشقنا لهذه المنطقة غزة العزة.. وبعد ذلك يتحدثون عن مكتسبات الوقف؟
فلسطين لكل عضو في الأمة، اجل.. ولكن بشرط واحد عندما يكون هذا العضو في الأمة لفلسطين.. من كان لفلسطين مجاهدا بالدم والمال كما كان يفعل الكثيرون في أفغانستان، فإن فلسطين له وهو شريك فيها.. وان فلسطين هي كل فلسطين بشعبها.. كل شعبها وفصائلها فلا يفرقن أحد صف الفلسطينيين بفتات يقدمه ظنا منه انه بلغ المنتهى في جوده وسخائه.. إن الفلسطينيين بحاجة لمن يشجعهم لا من يفرقهم.. بحاجة لمن يشرع سيفه معهم، لا أن يحرك فيهم دوافع الفرقة.. فمن قدم تطوعه بإيصال تبرع المسلمين فلا منَّ ولا أذى، فالشعب الفلسطيني كله يدافع عن مقدسات الأمة وإرث النبوة.. تولانا الله برحمته.