الجمعة 12 كانون الأول (ديسمبر) 2014

إيران الصَّاعِدة بصعود نجم “الغاز”!

الجمعة 12 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par جواد البشيتي

إنَّها إيران التي، على ما يعانيه اقتصادها من ضغوط قوية متأتية من العقوبات الغربية وانهيار أسعار النفط، ما زالت محطَّ الاهتمام الاستراتيجي للولايات المتحدة، ولسائر الغرب؛ ومع ثبوت وتأكُّد هذا الاهتمام يَكْثُر، ويتكاثر، الحديث عن “الصفقة (المرتقبة)”.
هذه “الصَّفْقَة”، والتي هي منذ وقت طويل مدار مفاوضات شاقة وصعبة بين واشنطن وطهران، لم تتعدَّ بَعْد حدود “تدجين البرنامج النووي الإيراني في مقابل رَفْع العقوبات الغربية عن إيران”؛ فالولايات المتحدة تريد لهذه المفاوضات أنْ تنتهي باتفاقية نووية تَجْعَل إيران عاجزة موضوعيًّا عن الإفادة من برنامجها النووي (بعد، وبفضل، تدجينه) في صنع قنبلة نووية، وأنْ يستمر هذا العجز (المُراقَب دوليًّا) زمنًا طويلًا؛ أمَّا إيران، التي ما زالت تُعارِض تقييد برنامجها النووي بقيود كثيرة وثقيلة، فتريد رَفْعًا فوريًّا (أيْ بعد التوصُّل إلى الاتفاقية النووية مباشَرَةً) للعقوبات الغربية عنها.
هذا ما يُرى من “الصَّفْقَة” إذا ما نَظَرْنا إلى ما يدور بين الطرفين فَوْق الطاولة؛ أمَّا إذا ما نظرنا إلى ما يدور بينهما تحت الطاولة فسنرى عناصر جديدة يمكن إدراجها في “الصَّفْقَة”؛ والعنصر الأهم هو أنْ تتغيَّر إيران نفسها بما يجعلها حليفًا موثوقًا للولايات المتحدة، يحقُّ له نَيْل “الجَزَرَة الكبيرة” والتي هي كناية عن تَحَوُّله إلى مُوَرِّد أساسي للغاز إلى أوروبا، يحلُّ، في هذا القدر أو ذاك، مَحَل المُورِّد الروسي.
“الغاز”، أكان “طبيعيًّا” أم “صخريًّا”، أكان “غازِيًّا” أم “مُسالًا”، هو “لغة القرن الحادي والعشرين”، أو “لغة الطاقة في القرن الحادي والعشرين”؛ و”الغَزْوُ” بـ”الغاز” سيُمَيِّز، سياسيًّا واستراتيجيًّا، القرن الحادي والعشرين، الذي سيَتَّخِذ من أربعة مواقع غازِيَّة استراتيجية محورًا له؛ وهذه المواقع هي تنازليًّا: روسيا، إيران، قطر، بحر قزوين.
وزير الخارجية البريطاني السابق وليام هيج أعلن (بعد ضم القرم إلى روسيا) أنَّ دول الاتحاد الأوروبي تعتزم تقليص الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، وتنويع المصادِر الخارجية لإمدادها بالغاز؛ وتقترح بريطانيا أنْ يَسْتَوْرِد الأوروبيون “الغاز الصخري” من الولايات المتحدة، و”الغاز الطبيعي” من العراق (غير المستقر) الذي يملك خامس أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالَم (280 ترليون قدم مكعب).
إنَّه “التَّمني” البريطاني؛ وما نَيْل المطالب بالتَّمني؛ فروسيا التي تأسَّدت في القرم، تَعْتَقِد أنَّ أوروبا لن تتمكَّن الآن من الاستغناء عن غازها السيبيري؛ فلو اسْتَوْرَد الأوروبيون “الغاز الصخري” من الولايات المتحدة، و”الغاز الطبيعي” من العراق وقطر وإفريقيا، فلن “يتحرَّروا” من “التَّبعية” للغاز الروسي إلاَّ بنسبة 10%؛ وهذه “التَّبعية” تَكْمُن في كَوْن أوروبا تلبِّي رُبْع احتياجاتها من الطاقة بالغاز الروسي؛ ونِصْف واردات الأوروبيين من الغاز الروسي يَمُرُّ بالأراضي الأوكرانية؛ ولا تستطيع كييف أنْ تَلْعَب هذه الورقة في طريقة شمشونية؛ فإنَّ منعها الغاز الروسي من المرور بأراضيها يضرُّ باقتصادها أوَّلًا؛ لأنَّه يعتمد اعتمادًا شبه كلي على الغاز الروسي؛ ولن يكون هذا المَنْع بالأمر المقبول روسيًّا وأوروبيًّا. وأوروبا العطشى إلى الغاز لا يكفيها الغاز السيبيري المنقول إليها (ووجهته النهائية ألمانيا) في أنبوب يمتد في المياه الدولية في بحر البلطيق، والذي لا يَمُرُّ، من ثمَّ، بالأراضي الأوكرانية.
ولقد رأى الأوروبيون (والألمان على وجه الخصوص) في الموقف البريطاني من أزمة شبه جزيرة القرم ما أقنعهم بأهمية وضرورة خفض وتقليل اعتمادهم على الغاز الروسي؛ فلولا الغاز القطري الذي مكَّن بريطانيا من أنْ تكون الدولة الأوروبية الأكثر استقلالًا عن الغاز الروسي، لَمَا استطاعت لندن أنْ تكون العاصمة الأوروبية الأكثر تشدُّدًا في رفضها ضَمَّ روسيا القرم إليها.
الأوروبيون السَّاعون إلى تقليل تبعيتهم للغاز الروسي، يُبْدُون الآن مزيدًا من الاهتمام بمَدِّ أنابيب لنَقْل “الغاز الطبيعي” النيجيري إلى الأسواق الأوروبية، عَبْر الصحراء الكبرى، والساحل الجزائري من البحر الأبيض المتوسط. وتملك نيجيريا سابع أكبر احتياط من “الغاز الطبيعي” في العالَم (نحو 180 ترليون قدم مكعب).
وتبقى إيران، بما يتمتَّع به موقعها الجغرافي من أهمية استراتيجية، وبصفة كونها مالِكَة ثاني أكبر احتياط عالمي من “الغاز الطبيعي”، مدار صراعٍ شديد بين الغرب وروسيا؛ فإيران مُطِلَّة على مضيق هرمز الاستراتيجي، ومُطِلَّة (مع روسيا وكازاخستان وتركمانستان، وأذربيجان) على بحر قزوين، الذي يضم ثالث أكبر احتياط عالمي من النفط والغاز، ويحتل المرتبة الرابعة، بعد روسيا وإيران وقطر، في حجم احتياطه من “الغاز الطبيعي”؛ وثمَّة مشاريع لإنشاء أنابيب تَنْقُل الغاز من هذا البحر إلى أوروبا من دون أنْ تَمُر بالأراضي الروسية؛ ولقد رفضت روسيا وإيران معًا “كل تدخُّل أجنبي” في شؤون بحر قزوين، داعيتين إلى أنْ تتولَّى الدول المُطلَّة عليه، من دون غيرها، حلَّ مشكلات هذا البحر.
ولتصدير غازها إلى أوروبا، اتَّفَقَت إيران مع العراق وسوريا، سنة 2011، على إنشاء “أنبوب الغاز الإسلامي”؛ وسيًمُرُّ هذا الأنبوب بالأراضي العراقية والسورية واللبنانية، وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط؛ وللغاية نفسها، اتَّفَقَت إيران مع تركيا على مرور غازِها بأراضيها.
قصارى القول إنَّ الأهمية الاستراتيجية لإيران من الأهمية الاقتصادية العالمية للغاز؛ وكلَّما تَعاظَم اعتماد الاقتصاد العالمي على الغاز، سطع نجم إيران في السياسة الدولية، واشتد الاهتمام الاستراتيجي للولايات المتحدة وسائر الغرب بها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165325

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع جواد البشيتي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165325 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010