الأربعاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2014

أوروبا تلوح للصهاينة بمصير جنوب إفريقيا

الأربعاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par فيصل جلول

بعد السويد وإسبانيا وبريطانيا، أقر البرلمان الفرنسي الأسبوع الماضي قانوناً يدعو الحكومة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية . ومن المنتظر أن تستمر هذه الموجة لتشمل دولاً أوروبية أخرى في حركة شبيهة بتلك التي أدت إلى انهيار نظام “الأبارتايد” في جنوب إفريقيا من حيث اتجاهها ومعناها، وليس حجمها وراديكاليتها . وبخلاف الظن الشائع في العالم العربي ليست هذه المبادرات رمزية وشكلية، ولا مستقبل لها، بل هي دليل اتجاه غير مسبوق في أوروبا، والظاهر أنها تمت بالتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية التي خاضت، وتخوض “اشتباكات” لفظية شبه معلنة مع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو . ويبقى السؤال عن توقيت هذا التحول في الموقف الأوروبي والأمريكي إلى حد ما، خصوصاً أن لا شيء في الغرب يمكن أن يسمى “صحوة ضمير”، وإنما حسابات باردة مبنية على قراءة عقلانية لوقائع قاهرة، ويمكن اختصار هذه الوقائع بالخطوط العامة التالية:
* أولاً: تشكلت مع بداية ما يسمى “الربيع العربي” أغلبية شعبية في “إسرائيل” عبر عنها نتنياهو وحزب المستوطنين تعتقد بأن العالم العربي إلى انهيار بما يتيح للصهاينة العودة إلى حلم “إسرائيل الكبرى”، وبالتالي التخلي عن مشروع الدولتين . ومن وجه آخر مكمل اعتقد “إسرائيليون” من الوسط واليسار أن انهيار العالم العربي من شأنه أن يعزز النزعات المتشددة والإلغائية وأن الدفاع عن “إسرائيل” يستدعي حدوداً أكبر، وأن هذه الحدود تتطابق مع مشروع “إسرائيل الكبرى”، ويبدو أن حكومة نتنياهو اعتمدت هذه القراءة واشتبكت حولها مع حلفائها الغربيين . واللافت في هذا الصدد أن الفيلسوف الفرنسي الصهيوني “برنار هنري ليفي” المشارك بقوة في أحداث “الربيع العربي” يدافع بحماسة عن سياسة نتنياهو، ولعله من المحفزين لسياسته، وهو صديقه المقرب جداً، إضافة إلى “ألان فينكلكروت” وهو فيلسوف فرنسي آخر من بين الذين يشدون على يد الوزير الصهيوني الأول .
* ثانياً: يعتمد الأوروبيون، ومن خلفهم أمريكا، قراءة أخرى لمستقبل النزاع تقول إن مستقبل “إسرائيل” لا يمكن ضمانه عبر “إسرائيل الكبرى” بل عبر دولة فلسطينية تتولى تصفية المسألة الفلسطينية والدفاع عن مشروع الدولتين، ومجابهة كل الذين لا يقبلون عليها، وعليه فإن الدولة المقبلة ستكون معنية بالتصدي للمتطرفين وللمطالبين بإزالة الكيان، وستكون معنية أيضاً بحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بوسائل يقدمها الغرب . وليس خافياً أن بعض العرب يؤيدون هذا الحل ويشجعون على السير باتجاهه .
* ثالثاً: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الفرصة مؤاتية لمشروع الدولتين، لأن الأطراف العربية التي لا تريده باتت ضعيفة وغير قادرة على تعطيله، وهي تخوض حرباً دفاعية عن نفسها، وبالتالي لا يمكنها خوض حرب إضافية لتعطيل الاتفاق .
* رابعاً: يرى الأوروبيون أن مستقبل “إسرائيل” في العالم العربي بغض النظر عن تطورات ربيعه، سيكون محكوماً باتجاهين لا ثالث لهما، الأول يكون بحل الدولتين، والثاني يكون عبر استمرار النزاع المسلح، وفي هذه الحال يزداد الجناح الجهادي الفلسطيني قوة وينتقل إلى الضفة الغربية، وقد رأينا محدودية القدرة الردعية “الإسرائيلية” بمواجهة هذا التيار الذي يطالب بإزالة “إسرائيل” ويرفض الحلول السياسة المطروحة . بعبارة أخرى تعيش “إسرائيل” وتبقى بمشروع الدولتين وتزول وتنتهي بالمجابهة مع رافضي التسوية .
* خامساً: تنظر أوروبا بقلق ازاء انحسار التيار الفلسطيني الذي يراهن على حل الدولتين، وهذا الانحسار يظهر في عمليات المقاومة المتزايدة في الضفة الغربية التي تطال المستوطنين، وتستخدم فيها السكاكين والجرافات والسيارات وكل الوسائل المدنية المتاحة، وقد أدت إحدى هذ العمليات إلى إشعال حرب غزة الأخيرة . وحتى لا يتسع انحسار هذا التيار بنظر الأوروبيين كان لا بد من موقف فارق يعيد الأمل لأنصاره بالرهان مجدداً على العملية السلمية .
* سادساً: يعتقد الغربيون أن التسويات التي ستشهدها المنطقة لا يمكن أن تكتمل من دون حل الدولتين، وبالتالي يحتاج الأمر إلى ضغوط جدية على الحكومة “الإسرائيلية” حتى تأخذ بهذا الاتجاه، فضلاً عن ضغوط الرأي العام الأوروبي الذي ما عاد مؤيداً بأكثريته الساحقة للدولة العبرية .
* سابعاً: اكد جون كيري وزير الخارجية الأمريكية بعد الإعلان عن انتخابات “إسرائيلية” مبكرة أن الحكومة الصهيونية المقبلة ستعتمد حل الدولتين، وهذه دعوة أمريكية صريحة للصهاينة من أجل اختيار شخصية أخرى غير نتنياهو، بل مشروع آخر غير مشروع “إسرائيل” الكبرى .
يساعد ما سبق على القول إن الذين يظنون أن خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا قيمة لها يرتكبون خطأ فادحاً، فالبرلمان الفرنسي يقترع على الحرب والسلم، ولا يمكن أن يكون اقتراعه على الاعتراف بالدولة الفلسطينية “كلاماً فارغاً”، ولعل بعض أهميته تكمن في كونه سيفاً مسلطاً على الحكومة الصهيونية المقبلة إن لم تستجب لمشروع الدولتين، فضلاً عن تزامنه مع الاستعداد للانتخابات المقبلة، فهو ورقة ضغط يمكن لمعارضي نتنياهو أن يستخدموها في حملتهم من أجل مشروع الدولتين والتأكيد لناخبيهم أن حماة الكيان الصهيوني يريدون شيئاً آخر وسياسة أخرى غير تلك التي يصر نتنياهو على انتهاجها .
تبقى الإشارة إلى أن أوروبا لم يسبق لها أن مارست ضغوطاً جدية على الدولة العبرية بمثل هذا الوضوح، ولم يسبق أن حركت أنصارها داخل الكيان لرفع الصوت، وقد رأينا تزامن الاقتراع الفرنسي مع نشر عريضة موقعة من 800 شخصية صهيونية، من بينهم وزراء وسفراء سابقون ورواة معروفون شأن عاموس عوز ودايفيد غروسمان الذي فقد وحيده في العدوان على لبنان عام 2006 .
وأخيراً، يجب ألا تغيب عن الأذهان سابقة جنوب إفريقيا . فقد بدأ الحل الفعلي للنزاع بين الطرفين عندما تدخل طرف ثالث، هو الغرب بزعامة واشنطن التي فرضت عقوبات على النظام العنصري، وفرضت هي وحلفاؤها حصاراً بحرياً عليه أدى في نهاية المطاف إلى انهياره، وهو ما يأمله فلسطينيو منظمة التحرير الذين انتظروا هذه اللحظة بفارغ الصبر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2178367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2178367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40