السبت 6 كانون الأول (ديسمبر) 2014

استراتيجية اقتلاع تاريخ فلسطين العربي

السبت 6 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par عوني فرسخ

تحتل القدس موقعاً متميزاً في الاستراتيجية الصهيونية لإدارة الصراع مع شعب فلسطين وأمته العربية . وتوضح أدبيات التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين أن هناك إجماعاً سياسياً ودينياً على هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه . وبعد توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993 وقبول قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتأجيل قضية القدس لما سمي “المفاوضات النهائية”، المؤجلة لأجل غير مسمى استنتج صناع القرار “الإسرائيلي” أن القدس، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ليست في مقدمة اهتمامات القيادة الرسمية الفلسطينية، كما ذكر الخبير القانوني الفلسطيني ومستشار الوفد المشارك في مؤتمر مدريد د . أنيس القاسم . فكان أن شهد العام 1996 أخطر الاعتداءات على المسجد الأقصى ومنطقة الحرم القدسي بإقامة كنيس يهودي أسفل المسجد الأقصى وكنس أخرى بجواره، كما جرى توسيع الساحة أمام حائط البراق (المبكى)، فيما تواصلت عملية هدم تلة المغاربة إحدى بوابات الحرم .
وبرغم توالي بعثات التنقيب الأوروبية عن الآثار في القدس منذ العام ،1863 لم تعثر على أي أثر يهودي في المدينة عربية الجذور . فيما نفى أبرز علماء الآثار “الإسرائيليين” أن يكون الهيكل الثالث قد بني وهدم وأقيم المسجد الأقصى على أنقاضه . وكان قد عقد في مدينة سان فرانسيسكو عام 1997 اجتماع لعلماء الآثار، فجر فيه عالم الآثار “الإسرائيلي” “مئير بن دوف” قنبلة تردد صداها عالمياً، بتأكيده عدم وجود ما يسمى “جبل الهيكل” تحت المسجد الأقصى . فيما تقول عالمة الآثار البريطانية كاترين كينون، وأستاذة علم الآثار في جامعة أكسفورد: “إن عملية الحفريات”الإسرائيلية“التي تجريها”إسرائيل“حول الحرم القدسي لهي أبشع الحفريات لتدمير التاريخ القديم، وإن إتلاف البنية الإسلامية التي بنيت في القرون الوسطى جريمة كبرى، ولا يعقل أن يتم البحث عن الآثار بمثل هذه الحفريات” .
وتظهر وثائق الجيش “الإسرائيلي” التي كشف عنها الستار مؤخراً اعتماده منذ قيام الكيان الصهيوني سنة 1948 استراتيجية تدمير المساجد وأضرحة الأولياء بأوامر صدرت عن موشيه دايان قائد الجبهة الجنوبية يومذاك، بهدف طمس معالم الحضارة العربية الإسلامية في الأراضي المحتلة . وحتى المقابر الإسلامية التاريخية التي لم توفرها الجرافات “الإسرائيلية”، وفي مقدمتها مقابر: مأمن الله، وباب الرحمة، والأسباط في القدس، إذ استخدمت الجرافات في اقتلاع قبورها، وبعثرة عظام الموتى من دون أدنى حرمة أو شعور إنساني، في حين أن مقبرة اليهود في رأس العمود التزمت أمانة القدس الشرقية طوال سنوات 1948-1967 بما عرف به الإسلام من تكريم الإنسان حياً وميتاً .
وكانت مقبرة مأمن الله في القدس الغربية المحتلة أقدم مقبرة في فلسطين وأوسعها، إذ بلغت 139 دونماً، وكانت تضم رفات عدد من الصحابة والتابعين والقادة التاريخيين والشهداء ومئات الفقهاء والعلماء، ومشاهير الصوفية وأعيان القدس على مدى تاريخها الممتد . وكان قد عسكر فيها جند القائد خالد الذكر صلاح الدين الأيوبي غداة تحريره القدس من الاحتلال الفرنجي سنة 1187 .
وضمن استراتيجية اقتلاع تاريخ فلسطين العربي جرى تجريف معظم مساحة مقبرة مأمن الله ولم يبقوا منها سوى 19 دونماً، وأقيم على جزء منها مقر رئيسي لوزارة التجارة والصناعة “الإسرائيلية” . وقامت شركات أمريكية و“إسرائيلية” بإجراء حفريات في قسم من أرض المقبرة وأقامت عليه ما سمي “متحف التسامح والكرامة الإنسانية”، الأمر الذي احتجت عليه عائلات مقدسية ورجال دين ومثقفون عرب ويهود من دون استجابة لمعارضتهم .
ولم تسلم مقدسات المسيحيين العرب من العدوان الصهيوني، ففي ليلة عيد القيامة في 25-4-1970 احتل الجنود الصهاينة بطريركية الأقباط الأرثوذكس وكنيستهم في القدس، وفي 11-4-1974 جرى حرق 4 مراكز مسيحية، وفي 11-4-1990 قام المستوطنون باحتلال فندق “ماريو حنا” في حي الدباغة في البلدة القديمة بالقدس الشرقية التابع لبطريركية الروم الأرثوذكس . وفي 23-7-1992 جرى هدم كنيسة الجلاليا للروم الأرثوذكس القائمة على جبل الزيتون . وكانت الممارسات العنصرية الصهيونية بحق مواطني القدس العرب عاملاً، بين عوامل أخرى، في تزايد هجرتهم من المدينة المقدسة ليهبط عددهم في البلدة القديمة إلى أربعة آلاف، وإلى عدد مماثل خارج الأسوار . ولعل أهم وأخطر الجرائم التي اقترفت بحق المسيحيين العرب في القدس وبقية أنحاء فلسطين قيام بطريرك الروم الأرثوذكس (اليوناني) ببيع عقارات الطائفة الأرثوذكسية في القدس وبقية فلسطين للسلطات “الإسرائيلية”، ما أدى إلى احتجاج أبناء الطائفة وقيامهم بالمظاهرات استنكاراً لتصرف البطريرك بحقوق الطائفة التاريخية ومطالبتهم بتعريب الاكليروس المسيطر على مقدرات طائفة الروم الأرثوذكس منذ العهد العثماني .
ومنذ تولي الليكود الحكم سنة ،1977 وصيرورته، ومن هم على يمينه، الأشد تأثيراً في صناعة القرارات “الإسرائيلية”، تصاعدت وتيرة مصادرة الأراضي والاستيطان، خاصة في القدس وضواحيها، والاعتداء على المقدسات العربية الاسلامية والمسيحية . ولقد واجه المواطنون العرب في القدس التحدي الصهيوني باستجابة تعددت أشكالها: كالبناء من دون تراخيص، والسكن في منازل قديمة متداعية من دون مرافق أو خدمات، والتسلل عبر الحواجز وجدار الفصل العنصري، ودعم ومؤازرة المؤسسات العربية في القدس، والتصدي لإجراءات الاحتلال . وقد شاركت عشرات الاتحادات والنقابات والنوادي واللجان من مختلف التخصصات في تخفيف معاناة مواطني القدس وتعزيز صمودهم برغم قلة الدعم المادي الرسمي السلطوي والعربي .
وعندما أعلن نتنياهو عزم حكومته تنفيذ مخطط تقسيم المسجد الأقصى، مكاناً وزماناً، بحيث يتاح لغلاة الصهاينة ممارسة طقوسهم في ثالث الحرمين الشريفين، تمهيداً للسيطرة عليه واغتصابه، كما سبق وجرى بالنسبة إلى الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل . اندفع المقدسيون شيباً وشباناً للمرابطة في المسجد المهدد بالاغتصاب، ودخلوا في اشتباكات متوالية مع قوات العدو، ما استنهض غضب قوى الممانعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في عموم فلسطين المحتلة ما انذر بتفجير الانتفاضة الثالثة، واستجابت جماهير أكثر من قطر عربي، خاصة في الأردن، لنصرة الأقصى المهدد، وفي الأردن طالبوا بإلغاء معاهدة وادي عربة، ما اضطر نتنياهو للتراجع عن تنفيذ المخطط الصهيوني إلى حين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165700

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165700 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010