الأربعاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2014

“يهودية الدولة” و”تحالف الزعران”

الأربعاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par عوني صادق

يصر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو وأنصاره في الائتلاف اليميني الحاكم أن يجري التصويت في الكنيست على قانون “الدولة القومية اليهودية” قريباً لإقراره، بعد مصادقة الحكومة عليه . وقد أثار ذلك جدلاً واسعاً داخل الكيان الصهيوني، وكأنما انطوى هذا القانون على “تغيير جذري” لمفهوم الدولة وسياسات الحكومة، وبالتالي لمجالات الحياة في الكيان الكولونيالي العنصري الغاصب . على الجانب الفلسطيني، والعربي، أثار القانون قدراً من الجدل يفترض ألا يغطي الحقيقة العنصرية الأصيلة للكيان نشأة وممارسة، أيديولوجياً وسياسياً، حتى لا يجدون أنفسهم في مكان لم يقصدوه بجدلهم . فإذا كان “عقلاء” الكيان قد عارضوه من ناحية الشكل، فلأنهم رأوه ضاراً ب“صورة وسمعة”إسرائيل“الديمقراطية”، من دون أن يكون اعتراضهم على الموضوع . وعلى المعترضين الفلسطينيين، والعرب، ألا يتوهوا في اعتراضهم بين الشكل والموضوع . وقد انتبهت جريدة (“الخليج” 26-11-2014)، في افتتاحيتها لهذه المسألة، وبينت أن الخلاف بين الصهاينة “ليس على الجوهر، بل على ضرورة مشروع يعري”إسرائيل“من غطاء ديمقراطي” زائف . ورأت الصحيفة أن “القانون لا يغير من السياسات التي تمارسها”إسرائيل“على أرض الواقع، لكنه يعزز التوجه العنصري ويكرس التمييز” . لذلك يتوجب على من ينتقد القانون أن يركز على ما وراء العنصرية الفاقعة فيه، وأعني الأهداف الجوهرية منه، وهي:
* إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم .
* إسقاط المواطنة عن عرب ،48 الجزء الذي بقي من أصحاب الأرض فيها .
* إسقاط الرواية الفلسطينية، ما يبرئ “إسرائيل” من كل جرائمها، ويعطيها الحق في تملك كل فلسطين التاريخية، باعتبارها “أرض إسرائيل” .
* إنكار حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم في أرضهم .
* وتحصيلاً، كشف موقف “إسرائيل” الحقيقي مما يسمى “عملية السلام” و“حل الدولتين” .
إن وقاحة “الإسرائيليين” الصهاينة ليست موضع نقاش، لكن نتنياهو تجاوز أكثرهم وقاحة . وقد كان من المضحك أن يشرح رئيس الوزراء مبررات إصدار القانون بأنه جاء “لإعادة التوازن بين الديمقراطية الزائدة والحقوق القومية الناقصة”! وبكلماته: “مع مرور السنين، نشأ عدم توازن واضح بين البعد اليهودي والبعد الديمقراطي، وبين حقوق المواطن والحقوق القومية في إسرائيل”!
ومنذ البداية كان السعي لجعل “”إسرائيل“وطناً قومياً لليهود” واضحاً . لقد عنون تيودور هرتزل كتيبه عن الدولة اليهودية ب“دولة اليهود”، وفي “وعد بلفور” جاء النص على “الوطن القومي لليهود”، ومنذ أول حكومة للكيان شكلها دافيد بن غوريون جاءت كل القوانين والتشريعات، فضلاً عن الممارسات لتؤكد الهدف نفسه . فما الجديد في القانون الجديد؟ الجديد أن الهدف الحقيقي (وهو إقامة دولة اليهود) كان غامضاً حتى في ما يسمى “وثيقة الاستقلال”، التي نصت على “المساواة بين مواطني الدولة”، فجاء هذا القانون ليزيح ذلك “الغموض” مرة واحدة، وينص على أن “”إسرائيل“دولة الشعب اليهودي” . لقد نص قرار تقسيم 1947 على “إنشاء دولتين عربية ويهودية”، وعلى الرغم من أن كلمة “يهودية” ذكرت لأنه لم يكن لليهود قومية، ولأن الغرض من قرار التقسيم كان طرد اليهود من بلدانهم الأوروبية، إلا أن الصهاينة اليوم يعتبرون ورودها اعترافاً بأن “اليهودية قومية”، أي إنهم حولوا الدين إلى قومية .
أما اعتراض المعترضين “الإسرائيليين” على القانون، فيأتي بحجة أنه ينزع عن “إسرائيل” صفتها الديمقراطية، وكأنما كانت في يوم من الأيام ديمقراطية . ويكفي أن يفضح هذا الزعم من قول هؤلاء أن الديمقراطية موجودة ضمناً في “اليهودية”! والحقيقة أن اعتراضهم جاء خوفاً من أن يفضح القانون حقيقة دولتهم التي أصبحت “دولة أبارتهايد” بالفعل وليست فقط متجهة إلى تلك الدولة، فينزعون من أنصارهم حجة الدفاع عنها وعن ممارسات الحكام فيها . لقد قال آري شبيط، الكاتب البارز في (“هآرتس”- 27-11-2014) أن “قانون القومية” هو “ضد الصهيونية، ويفتت المركب الحيوي للدولة اليهودية الديمقراطية، وإذا ما وضع الأساس اليهودي لحياتنا، فإن الاثنين سيتلاشيان” . بينما رأى بن - درور يميني في (“يديعوت أحرونوت”- 24-11-2014) أنه لا حاجة لهذا القانون، وأن “إسرائيل” لا تعاني نقصاً في طابعها اليهودي حتى يعززه، لكنه سيعزز أنصار “حملة نزع الشرعية عن”إسرائيل“”! حتى رئيس الدولة، الليكودي العريق، رؤوبين ريفلين، رأى أن القانون الجديد “يشكك في نجاح المشروع الصهيوني، ويعرض”إسرائيل“لتشهير خارجي”!
كل القضية أن القانون أسقط “ورقة التوت” التي كانت تتغطى بها “دولة إسرائيل” وتغطي بها أطماعها وتوسعيتها وعنصريتها التي لم تغب عن أذهان مؤسسيها قبل قيام “الدولة” كما بعدها حتى اليوم . الجديد في الموضوع أن التحالف الأكثر تطرفاً الموجود الآن في السلطة بزعامة بنيامين نتنياهو يرى أن الظروف لن تكون مؤاتية لتحقيق تلك الأطماع أكثر مما هي هذه الأيام وعليهم ألا يضيعوا الفرصة . وكما وصفهم آري شبيط في مقاله المشار إليه “المتوحشون في الليكود غير الليبرالي، وفي البيت اليهودي غير الديمقراطي”لا يفهمون حقيقة الخطر ليس على دولتهم، بل على وجودهم كله الذي يندفعون إليه . لقد وصفهم اسحق ليئور في (هآرتس- 25-11-2014) بأنهم “تحالف الزعران”، مع أن “إسرائيل” والحركة الصهيونية، قبل قيامها، لم تعرفا في تاريخهما غير الزعران .
وأخيراً، فإن نتنياهو و“تحالف الزعران” الذي يستند إليه، خصوصاً وأن الانتخابات المقبلة ستفرز تحالفاً من بين المستوطنين الأكثر زعرنة والمتدينين الأكثر تطرفاً، “يضعضعون أساسات”إسرائيل“ويتسببون في الكارثة”، كما يقول آري شبيط .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165535

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165535 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010