الجمعة 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

عملية بطولية ... رغم أنوف “مثقفي وأزلام السلطة”؟!

الجمعة 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د. فايز رشيد

كتب أحدهم مقالة في إحدى صحف السلطة الفلسطينية , مقالة بعنوان : “... ولكنها ليست بطولية” , ذلك يوم الأربعاء ( 19 نوفمبر الحالي ) , بالطبع يقصد الكاتب : عملية الشهيدين غسان و عدي (أبو) جمل البطولية الأخيرة . بدوري أتابع الصحف الصادرة في الضفة الغربية ,وكان لي ردود أحيانا على ما ينشر في ذات الصحيفة , أرسلها ... يتم تجاهلها ولا تنشر ! هذه المرة وددت مناقشة رئيس تحرير الصحيفة , لضمان نشر ردي على المقال المعني , طلبته هاتفيا من عمان , جرى تحويلي إلى سكرتيرته , عرّفتها بنفسي وسألتها إن كان موجودا , وأخبرتها بالشأن الذي سأتحدث به معه , بكل الدماثة أجابتني : بأنه موجود , وحولتني إليه . استمر انتظاري بعضا من الوقت ,وفوجئت بإخبارها لي : أنه لم يصل بعد ! رئيس التحرير كان موجودا , هذا ما أكّدته لها ...ولم تعترض. ما أود توضيحه : أنني أفضل الرد دوما في الصحيفة المعنية. أنني اتصلت برئيس التحرير ليس بصفته الشخصية وإنما لموقعه , وهو المتحكم فيها . أدرك أن هذه الصحيفة هي بوق للسلطة ,ومع ذلك افترضت فيها : احتراما مهنيا لنشر الردود ! كان واجب رئيس التحرير الاستماع إلي لأنني أود مناقشة موضوع جاء في صحيفته . هذا أدنى حدود الأدب والأخلاق والتعامل المهني! .على افتراض أنه لم يكن موجودا ( وهذا غير صحيح ) , فواجب سكرتيرته أخذ رقم هاتف المتصل, يتصل به ويسأله عما يريد ؟! . رئيس التحرير أساء لنفسه قبل أن يسيء إلي . لهذا أناقش المقالة من خلال عمودي الأسبوعي في الصحيفة الحبيبة والديموقراطية “الشرق” .
المقالة تحوي كثيرا من المغالطات التي تنم عن جهل بحقيقة العدو الصهيوني . الكاتب يعتبر: “أن العملية خطيرة , وقد تكون تداعياتها أخطر” , الكاتب يعتقد“أن العملية تهدد بنقل الصراع بين”شعبين“إلى حرب بينهما , في حين تصارع فلسطين سياسيا , لتكون دولة , وتصارع دولة إسرائيل ضدها” ,ويعتبر: “أن 3 رصاصات أصابت أوسلو , مذبحة الحرم الإبراهيمي .. مقتل إسحق رابين الرصاصة الثالثة أودت بعرفات” .الكاتب يحمّل المسؤولية لحركة حماس ويعتبر اختطاف المستوطنين الثلاثة (بطريقة غير مباشرة) مسؤولية العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة , ويستطرد “.... لكن إن صح إعلان الجبهة الشعبية مسؤوليتها عن عملية الكنيس , فهذا أمر له تداعياته , لأنها عضو في منظمة التحرير الفلسطينية” . الكاتب يعتبر العمليات الإستشهادية , “عمليات انتحارية” !؟ ,وهو يعتبر الكفاح المسلح لشعبنا “عنفا مضادا” ردا على العنف الإسرائيلي .
أود الرد وباختصار شديد : نكبة حقيقية للفلسطينيين ألحقت بنكباتهم العديدة ,شكّلتها اتفاقية أوسلو المشؤومة . سئل رابين في الكنيست في الجلسة التي خصصت لمناقشة الاتفاقية عن سبب توقيعه لها , أجاب بالحرف الواحد : أحضرنا “المخربين الإرهابيين” ليكونوا تحت مرمى بصرنا , ولنحكم قبضتنا عليهم " . بدوره , فإن إسحق شامير وعد بإطالة المفاوضات مع الفلسطينيين عشرين عاما . بالفعل أطالت إسرائيل المفاوضات 21عاما لم تزدد خلالها إلا استيطانا ,واغتيالا ,وتكسيرا للعظام, وهدما للبيوت, وارتكابا للمذابح , وعدوانا واسعا بين الفترة والأخرى , لم تزدد إسرائيل الشايلوكية إلا نهما وتعطشا للدماء ,وجوعا ضاريا للحم الفلسطيني, ومزيدا من الاشتراطات عليهم: كالاعتراف بيهودية دولتها , ووجودا لقوات إسرائيلية في مناطق الدولة
.
في الختام : أن تكون مثقفا سلطويا يعني: أنك تفقد هويتك كمثقف, تصبح حجر شطرنج تدار كيفما يشاء الآخرون , تصبح ببغاء يردد ما تقوله سلطتك المحركة, ولية الأمر والنعم!. يرى جمال الدين الأفغاني دور المثقف : “بالتأمل في الحاضر من أجل تفسير النبل الإنساني , وإضاءة الطريق لأبناء أمته على قاعدة التمتع بالروح الفلسفية النقدية واستخدامها في مراجعة الماضي” . لا يمكن لمثقف السلطة أن يمتلك هذا الدور . المقالة السياسية باعتبارها “شكلا فنيا” تخضع لقواعد الفن , الذي لا يجري فهمه وفقا للمقولة الأفلاطونية : “الفن للفن” . السياسة ليست أيضا وفق تعريف غورباتشوف لها “بأنها فن الممكن” . هذا التعريف أذهب الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الإشتراكية في غور سحيق . المثقف منذ أرسطو ومقولته “الفن محاكاة للطبيعة” , مرورا بالواقعية النقدية “بلزاك و فلوبير” وصولا إلى ديستوييفسكي وليو تولستوي ووصولا إلى الواقعية الإشتراكية , “يرتبط في جزء من إبداعاته بمدى معايشته للواقع من حيث إدراكه ومدى التأثير فيه” ,مثقف السلطة لا يمكنه لعب هذا الدور لأنه يسبح في سماء السلطة ولكن تحت السقف المحدد لها وله أيضا .
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر , وفي إحدى محاضراته الجامعية , إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي آنذاك, “شدد في موازاته بين برنامج -حرب النجوم- الشهير وبين سياسة التلفزيون العالمي”Global Televesion “ولذا ينبغي إيلاءها نفس الاهتمام الموجه إلى المسألة الأولى , لينفتح الطريق واسعا أمام سيادة الثقافة الأمريكية” . وإذا كان الهدف الاستراتيجي للثقافة الأمريكية هو : غزو العالم والدول النامية على وجه التحديد, فإنه في منطقتنا العربية يهدف كذلك إلى “محاولة تيئيس المواطن العربي وقهره داخليا من خلال : نموذج حياة يبدو الوصول إليه مستحيلا , في سياق من تصوير الحضارة الغربية الرأسمالية الإمبريالية كقوة من الجنون المطبق محاولة التفكير في مقاومتها أو مناهضتها” ( حلمي سالم . مظاهر الغزو الثقافي الأمريكي والصهيوني لمصر . شؤون فلسطينية – العدد 118, 1981 , ص, 29 – 44 ) . مثقف السلطة يتبع موقف السلطة حول هذه القضية السياسية أو تلك . الولايات المتحدة , الدول الغربية , السلطة الفلسطينية جميعها أدانت عملية القدس البطولية الأخيرة , بالتالي فإن الملحق ( مثقف هذه السلطة ) لا بد وأن يدين هذه العملية , فليس منتظرا منه , موقف آخر !؟ . يبقى القول :إن العملية بطولية .. بطولية .. بطولية شاء أزلام السلطة أم أبوا ؟!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165349

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165349 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010