الأربعاء 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

حدود الصبر في غزة

الأربعاء 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par فهمي هويدي

في حين استطاع قطاع غزة أن يتحدى ويصمد أمام الأعداء، إلا أن مشكلته الكبرى صارت مع الأشقاء، إذ بحلول اليوم (٢٦ نوفمبر) يدخل إغلاق معبر رفح شهره الثاني، ويصل عدد الراغبين في عبوره لقضاء مصالحهم خارج القطاع إلى ٣٠ ألف شخص حسب إعلان الناطق باسم وزارة الداخلية هناك، ومن هؤلاء ١٧ ألف حالة إنسانية لمرضى أو مصابين بحاجة إلى العلاج. أما معاناة الباقين، الذين قارب عددهم المليونين، وتحول القطاع بالنسبة إليهم إلى سجن كبير فلا حدود لها وحدث فيها ولا حرج، حيث لا يُرى لها حل، بدءا من تدبير احتياجاتهم المعيشية اليومية، وانتهاء بتجاوز معضلة الإعمار وإيواء عشرات الألوف الذين شردهم العدوان الإسرائيلي بعدما دمر بيوتهم.
المدهش والمفاجئ في الوقت ذاته أن أهل القطاع لا يعرفون لماذا حلت بهم اللعنة بحيث صاروا يتعرضون جميعا للعقاب والإذلال اليومي. صحيح أن وسائل الإعلام لا تكف عن توجيه الاتهامات إليهم وتحميلهم بالمسؤولية عن شرور وجرائم كثيرة ارتكبت في سيناء وفي غير سيناء. صحيح أيضا أن أسماء كثيرين من الرموز والناشطين في القطاع تداولتها التقارير الإعلامية والدعاوى المرفوعة والتسريبات التي يتلقاها الناس بين الحين والآخر، إلا أنهم يستغربون لماذا لم يستقبلوا محققين لتحري الوقائع المنسوبة إليهم، ومسؤولوهم يقولون إنه لم يقدم إليهم أي طلب رسمي يدعوهم إلى تسليم أحد من المتهمين في القضايا المثارة، ويضيفون أنهم يتمنون إجراء تحقيق محايد ونزيه في هذا الصدد. بسبب ذلك فإن القائمين على الأمر في القطاع ودوائرهم ما عادوا يأخذون ما تتداوله وسائل الإعلام بهذا الخصوص على محمل الجد. إذ صاروا يعتبرونه من قبيل الفرقعات والادعاءات التي لا دليل عليها، والتي يراد بها تحقيق أهداف سياسية اقتضت التضحية بالفلسطينيين وتقديمهم قربانا لتبرئة غيرهم.
في حين يثار الضجيج حول اتهامات نسبت إلى بعضهم، فإن أبرز مظاهر اللعنة التي أصابت الجميع صارت ممثلة في إغلاق المعبر، رغم أنه يمثل البوابة الشرعية التي يمر من خلالها الخارجون والداخلون تحت الأعين المفتوحة بعد تعرضهم للتدقيق والتفتيش والمراجعة من جانب كل الجهات المعنية، ولذلك فإن من اقترف ذنبا وكان مشكوكا فيه لن يفكر في الذهاب بقدميه إلى المعبر، الأمر الذي يعني أن الراغبين في العبور لن يقدموا على تلك الخطوة إلا إذا كانوا واثقين من براءة صفحتهم. وقد اضطرتهم ظروفهم إلى تكبد مشقة السفر والمثول أمام سلطة الأمن التي تدير المعبر.
بكلام آخر فإن الأبرياء من أصحاب الحاجات والمرضى هم الذين صاروا الضحية، إذ تغلق الدنيا في وجوههم وتهدر مصالحهم جراء إغلاق المعبر.
من المفارقات التي تذكر في هذا السياق أنه أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع، وفي الوقت الذي كانت فيه المقاومة الفلسطينية تطلق صواريخ الرد والتحدي على الداخل الإسرائيلي، فإن سلطة الاحتلال أبقت على المعابر من جانبها مفتوحة (في أضيق الحدود) سواء في بيت حانون أو ايريز أو كرم أبو سالم. وفي حين تصرفت إسرائيل على ذلك النحو أثناء الحرب، فإن معبر رفح تم إغلاقه في وجوه الفلسطينيين دون تفسير وفي غير الحرب.
ومادمنا بصدد المفارقات فإننا لا نستطيع أن نتجاهل الموقف المحير الذي تبنته السلطة الفلسطينية في رام الله إزاء قطاع غزة، وإزاء المعبر ضمنا. ذلك أنه بعد توقيع المصالحة مع حماس في القاهرة وتشكيل حكومة التوافق في شهر يونيو الماضي، فإن حماس خرجت من السلطة من الناحية السياسية والقانونية. ومن ثم فإن السلطة باتت مطالبة بأن تمارس صلاحياتها في القطاع، بما في ذلك الإشراف على الجانب الفلسطيني الذي يدير المعبر. ورغم أن حكومة التوافق ضمت أربعة وزراء من القطاع أصبحوا يمارسون مهامهم بصورة طبيعية في غزة، إلا أن قيادة السلطة حتى الآن ممتنعة عن ممارسة تلك السلطة في مجالي الصحة والأمن. وترتب على ذلك أنه لم ترسل رجالها لكي يتحملوا مسؤوليتهم عند معبر رفح، لذلك فإن جهاز حماس لا يزال يتحمل تلك المسؤولية. وفهمت من الدكتور غازي المسؤول عن ذلك الملف أنه منذ شهر خاطب في ذلك رئيس الحكومة السيد رامي الحمد الله، الذي يشغل منصب وزير الداخلية في الوقت ذاته، لكنه لم يستجب لدعوته حتى الآن. ومن الواضح أن هذه الخطوة تتطلب إصدار قرار سياسي من رئيس السلطة السيد محمود عباس، لكن ذلك القرار لم يصدر بعد لحسابات غير معلومة، أو معلومة لدى البعض وغير معلنة على الرأي العام.
إن الشعور بظلم الأشقاء في القطاع يراكم درجات مختلفة من المعاناة والغضب، ولئن اختبر القطاع في معارك المقاومة والنضال، إلا أن اختباره في معركة الصبر يبدو أكبر إيلاما وأشد قسوة، كذلك ثمة أسئلة كبيرة ومهمة تلوح في الأفق الآن، منها على سبيل المثال: ما هي حدود الصبر التي يمكن أن يحتملها القطاع؟ وما الذي يمكن أن يحدث إذا ما نفد الرصيد وخرجت المشاعر عن السيطرة؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية في هذه الحالة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2177387

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2177387 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40