الثلاثاء 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

المنطقة إلى أين: قراءة تحليلية

الثلاثاء 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د. يوسف مكي

تحركات متسارعة ومكثفة على أكثر من جبهة، وتصريحات عدة لمسؤولين دوليين وإقليميين، تشير في جملتها إلى أن المنطقة، على أبواب مرحلة جديدة، وأن مرحلة الصراعات والفوضى التي عمت المشرق العربي، في السنوات الأربع الماضية، قد استنفدت غاياتها، وأننا نتجه جدياً نحن مرحلة التسويات .
في العاصمة العمانية مسقط، جرت مباحثات أمريكية - إيرانية، حول ملف إيران النووي، وتحدث الإيرانيون عن توقعاتهم رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم من قبل المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة . والتصريحات حول التقدم في المفاوضات، تبدو شحيحة جداً ومتضاربة .
وفي موسكو، استقبل نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط، غينادي غاتيلوف، رئيس الائتلاف السوري المعارض سابقاً الشيخ معاذ الخطيب . وذكر أن محادثاتهما قد تركزت على الخروج من الأزمة السورية بحل سياسي . وأن الفريقين أكدا تصميمهما على العمل من أجل هذا الحل .
وفي سياق التحرك الدولي للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية اقترح المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إقامة “مناطق مجمدة”، يتم فيها تعليق السلاح، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، وأن تكون حلب هي المحطة الأولى في خطة تجميد السلاح .
من جانب آخر، كشف مسؤولون أمريكيون عن أن النزاع في سوريا اجتذب عدداً أكبر من “المجاهدين الأجانب”، أكثر مما حدث في كل الصراعات السابقة . كما كشف وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هاغل أن السلطات السورية قد تستفيد من الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة على مقاتلي “داعش” . وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن هاغل وجه رسالة إلى البيت الأبيض، انتقد فيها الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، وطالب واشنطن بالكشف عن نياتها إزاء النظام السوري . من جانب آخر، أكد المندوب الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، أن موسكو مستعدة للعب دور نشط في تسوية الأزمة السورية .
وفي تطور آخر يبدو متناقضاً تماماً مع هذه التطورات، صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما صعوبة القضاء على الإرهاب من غير إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن سدة الحكم، وأبلغ أنه شكل لجنة رئاسية لمناقشة هذا الأمر، وأنه في انتظار توصياتها . نحاول في هذا المقال أن نحلل وأن نستكشف الأسباب التي أدت إلى جملة هذه الأحداث، وأن نضعها في سياق الصراع الدولي والتنافس الإقليمي .
لا شك أن أهم ملفين ساخنين الآن في المنطقة بالنسبة للإدارة الأمريكية هما الملف النووي الإيراني والأزمة السورية . إن أهميتهما تكمن في علاقتهما المباشرة بأمن “إسرائيل” والاستقرار في الخليج العربي، وتهديدهما للسلم في عموم المنطقة . لكن الحروب لا تخاض دائماً بالقوة المسلحة . فهناك مصطلحات كالحرب الناعمة وسياسة الاحتواء يمكن أن تحل محل المواجهة المسلحة .
إيران كانت دائماً منطقة عازلة بين الدب القطبي والمياه الدافئة بالخليج . وقد تضاعفت أهميتها أثناء الحرب الباردة . لكن الثورة الإيرانية نقلت تحالفات إيران الاستراتيجية من الغرب إلى الشرق، ومن التحالف مع الأنظمة المعتدلة صديقة الغرب إلى الأنظمة الثورية . وتزامن ذلك مع شيخوخة النظام الشيوعي، ثم انهياره لاحقاً مع مطالع التسعينات من القرن المنصرم .
لقد أضعف سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة أهمية موقع إيران . ولذلك لم تعد الولايات المتحدة معنية بالصداقة معها . إلا أن عودة المارد الروسي بقوة للمسرح الدولي، خلق حقائق جديدة، جعلت إدارة أوباما تعيد النظر في سياساتها تجاه إيران . إنها تريد صداقة نظامها، لتكون إيران مجدداً منطقة عازلة مع العدو اللدود، الجديد روسيا الاتحادية . أما الملف الإيراني فيمكن التعامل معه بشكل سلمي في ظل مناخات الصداقة وعلاقات الود المتبادلة .
إن هذا السلوك يعيد إلى الذاكرة صورة التحرك الأمريكي اتجاه الصين الشعبية في عهد الرئيس الأمريكي رتشارد نيكسون في نهاية الستينات من القرن الماضي .
من وجهة نظرنا فإن السعي الأمريكي هذا لن يكون سهلاً . ومقاربة ما يجري حالياً من قبل عدد من المحللين السياسيين في الغرب ليست موفقة . فأمريكا لم تشعل الصراع بين الصين الشعبية والاتحاد السوفييتي، بل قامت بتسعيره، في حين لا توجد حتى هذه اللحظة احتمالات تسعير الصراع بين روسيا وإيران . إن إيران في صراعها مع أمريكا هي أحوج ما تكون إلى علاقة إيجابية مع روسيا . وتدرك إيران ذلك وتخشى من سياسة الاحتواء، ولذلك ترفض مبدأ خمسة زائد واحد، وتطلب أن تكون المعادلة الجديدة خمسة زائد ثلاثة بإضافة روسيا والصين إلى حصتها .
في الأزمة السورية، هناك حقائق عدة تجعل المنهمكين في الصراع داخل سوريا يدركون أن لا أحد منهم قادر على حسم الصراع لصالحه . فلا المعارضة قادرة على تنفيذ برنامجها، ولا الحكومة السورية، قادرة على قهر المعارضة . وكما يقول الشيخ معاذ الخطيب، لقد دمرنا الجيش العربي السوري الذي بنيناه من قوت أطفالنا، وتضعضعت مؤسسات دولة كانت عنوان السيادة والاستقلال لبلادنا، ولم يستطع أي منا أن يقهر الآخر . والنتيجة أن قوى الإرهاب، من داعش وأخواتها تمكنت من استغلال ضعف المعارضة وغدت تشكل تهديداً حقيقياً لهما، ولذلك لا بديل عن مصالحة تاريخية تحافظ على البقية الباقية من الهوية والمشاعر الجمعية وتعيد الاعتبار للوطن وتمنع تمزقه .
هناك معلومات مؤكدة أن تحرك الخطيب ليس معزولاً عن رغبة دولية في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية . وهناك من يرى في تصريحات باراك أوباما عن إسقاط الأسد، محاولة للضغط على النظام السوري، لتقديم تنازلات مؤلمة لصالح التسوية السياسية . إنه يأتي منسجماً مع تحرك المبعوث الأممي واقتراحه تجميد السلاح في حلب، في إطار التوطئة للحل السلمي .
الأيام المقبلة ستكون حبلى بالكثير من المفاجآت، وليس علينا سوى الانتظار .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2178305

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع يوسف مكي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178305 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40