السبت 31 تموز (يوليو) 2010

شروط «الغـناج» العربي..؟!

السبت 31 تموز (يوليو) 2010 par شاكر الجوهري

الذئب يعظ ليلى..!

هذا هو أفضل فهم ممكن للنداء الذي وجهه الذئب بنيامين بن اليعازر لعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية يوم انعقاد لجنة المتابعة العربية لبحث الموقف العربي من المفاوضات المباشرة.

بن اليعازر ليس وحده الذئب في هذه الحالة العربية الفريدة، لكن لجنة المتابعة هي الأخرى ذئب، وفقاً لمقاييس أصل الحكاية، التي تخبرنا أن الذئب أبلغ ليلى قبل أن يبتلعها كما ابتلع جدتها من قبل، وانتحل شخصيتها.

الذئب برر لليلى اتساع عينيه رداً على سؤالها البريئ، قائلاً «حتى أستطيع أن أرى جمالك» وفي قول آخر «حتى أرى كيف يتم تطبيق الديمقراطية والحرية في كل مكان يا حبيبتي ليلى»..

وبرر اتساع فمه بقوله «حتى أتمكن من أكلك والتهامك» ثم انقض عليها وفعل، وفي قول آخر «حتى أستطيع أن أتكلم عن حقوق الإنسان والإنسانية وانادي بها بأعلى صوتي ياحبيبتي ليلى»..

هكذا خاطب بن اليعازر عمرو موسى، ومن خلاله لجنة المتابعة العربية، توطئة لأكل المزيد من الحقوق العربية، ومن بينها الحقوق الفلسطينية.

تحت عنوان «نعم للمفاوضات المباشرة» نصب بن اليعازر من نفسه واعظاً لكل الأمة العربية، ساعياً إلى جعلها تنسى أنه كانت هناك مفاوضات علنية مباشرة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» طوال سبعة عشر سنة، امتدت من تشرين أول/ اكتوبر 1991، وإلى نهاية عهد حكومة ايهود اولمرت في أيلول/سبتمبر 2008، دون أن تحقق شيئاً سوى تشكيل السلطة الفلسطينية لتكون ذراعاً أمنياً للإحتلال مكلفاً بنزع أسلحة المقاومة الفلسطينية، وتفكيك البنية التحتية لفصائلها، وهذا ما قامت به الأجهزة الأمنية للسلطة بقيادة الجنرالين الأميركيين دايتون وميلر..!

المرحلة الأولى من خارطة الطريق نصت على ذلك..! كما نصت على استحقاقات «إسرائيلية» أولها، وأهمها، الوقف الكامل والشامل للإستطيان «الإسرائيلي» في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، دون أن تلتزم «إسرائيل» بشيئ من هذا القبيل.

ويأتينا الذئب بن اليعازر في رسالته إلى لجنة المتابعة العربية، مستفيداً ومتعظاً من المثل الشعبي الذي استمعنا إليه من رئيس عربي في معرض حث الأمة على «الغناج» تحت الإحتلال، بترديده «المحتاجة غناجة»..!

يأتينا بن اليعازر حاثاً لجنة المتابعة العربية وما تمثله، على ممارسة المزيد، وربما النوعي من «الغناج»..!

يقول بن اليعازر : «القيادة العربية الواعية والناضجة يجب عليها الأخذ بيد الفلسطينيين ودفعهم إلى المفاوضات المباشرة».. «إن أنسب الطرق إلى الحل هو طريق المفاوضات المباشرة»..! دون أن يخبرنا لم لم تنجح المفاوضات المباشرة في انجاز أي خطوة إلى الأمام طوال ستة عشر عاماً فصلت بين توقيع اتفاق اوسلو (1993)، ورحيل حكومة اولمرت (2008)..؟!

ويعدد بن اليعازر جملة أسباب واهية، من قبل التخويف، تحتم الذهاب إلى المفاوضات المباشرة :

الأول : الخشية من الدخول في «سبات سياسي عميق تتجمد فيه المفاوضات لسنوات طوال، أو توصلنا جميعاً إلى دائرة عنف جديدة قد تطال الجميع».

وكأن المفاوضات المباشرة طوال ستة عشر سنة مضت (1993 ـ 2008) لم تدخل عملية التسوية السياسية في حالة السبات التي يحذر منها، وكأن المنطقة تعيش الآن في حالة رخاء واسترخاء، حيث لا يتعرض الشعب الفلسطيني لشتى أشكال الإعتداءات يومياً، فضلاً عن التخطيط والإستعداد لشن حروب جديدة على شاكلة العدوانين الهمجيين على لبنان (2006)، وقطاع غزة (2008 ـ 2009)، من قبيل الإنتقام للهزيمتين اللتين أسفرت عنهما نتئج ذلكما العدوانين..؟!

الثاني : «هنالك مسائل عالقة بين الطرفين يمكن أن تحل فقط من خلال مفاوضات مباشرة، كمسألة الأمن، ترسيم الحدود، الماء، اللاجئين والقدس»، دون أن يفسر بن اليعازر اسباب عدم حل هذه القضايا العالقة طوال السنوات الماضية عبر المفاوضات المباشرة التي تواصلت، ومنذ أصرت «إسرائيل» في مفاوضات اوسلو على تأجيل التفاوض حولها لمرحلة لاحقة.

الثالث : «أن الحكومة «الإسرائيلية» الحالية قد عبّرت من خلال رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو عن رغبتها وإرادتها الحقيقية بالوصول إلى حل للقضية الفلسطينية من خلال المفاوضات المباشرة»..

يا سلام سلم..؟!

رابعاً : بعد أن يشهد بن اليعازر بأن حكومة نتنياهو جادة في العمل على تحقيق السلام، يستشهد بـ «إن حكومات اليمين في «إسرائيل» بقيادة بيغن وشارون في السابق قامت بأكبر التنازلات من أجل تحقيق السلام»..! وذلك «بالإضافة إلى أن تواجد حزب العمل الذي انتمى إليه في حكومة الإئتلاف الوطني، تتيح لنتنياهو الذهاب بعيداً من أجل التوصل إلى تسوية وحل للصراع».

ويتجاهل بن اليعازر هنا أن حكومة بيغن انسحبت من سيناء بهدف اخراج أكبر دولة عربية من الكفة العربية في الحرب، والتفرغ لقضم المزيد من الأراضي العربية على بقية الجبهات.

كان ذلك في حينه من قبل التحليل والإستقراء، لكنه ثبت الآن أنه هو واقع الحال. ولهذا ساعد شارون رئيسه بيغن في الموافقة على الإنسحاب من مستعمرة «ياميت». كما أنه (بن اليعازر) يغفل أن حكومة شارون بالذات هي التي ظلت ترفض من خلال وضع الشروط التعجيزية «خارطة الطريق»، وكذلك «المبادرة العربية»، التي لم يجد شارون توقيتا أفضل من صبيحة اقرارها، ليشن هجوماً مدرعاً على مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله، ويعيد احتلال كامل اراضي السلطة الفلسطينية، ولم تنسحب قوات الإحتلال حتى الآن إلى حدود 28/9/ 2001 التي تم تجاوزها على شرف قمة بيروت، التي رفضت حتى الإستماع لخطاب يبث عبر حلقة تلفزيونية مغلقة، يلقيه الرئيس الفلسيني المحاصر..!

أما اشارته الساخرة إلى دور حزب العمل في حث نتنياهو على تحقيق «السلام» المزعوم، فإنها تفترض الغباء في المتلقي العربي غير «الغناج»، أو غير «المغناج»، على طريقة بعض حلقات النظام العربي، ونسيان أن حكومة العمالي شيمون بيريس لم تتقدم خطوة واحدة على طريق التسوية السياسية بعد اغتيال رابين، الذي كشف خطاب سري كان القاه أمام «الكنيست» قبيل توقيع اتفاق اوسلو أنه لا يعتزم أن يخطو هو الآخر خطوات أخرى على طريق التسوية. وذات الأمر فعلته حكومة العمالي الآخر ايهود باراك..!

خامساً : تعهد بن اليعازر من موقعه الحالي غير المؤثر، كونه لا يشغل وزارة هامة في حكومة نتنياهو (وزارة الصناعة والتجارة) بالسعي، «كما (كان) شريكاً لمساعي كل من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» رابين، ورئيس الوزراء شمعون بيريس في إحلال السلام»..«بالحذو في خطاهما من أجل جلب «الإسرائيليين» والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات»، دون أن يتعهد بتحقيق «السلام»..!!

سادساً : التلويح بـ «مبادرة السلام العربية» دون أي تعهد بالموافقة عليها. يقول بن اليعازر «إن الرفض الفلسطيني لقبول اقتراح التوجه للمفاوضات المباشرة يجب أن يقابله نضوج عربي يتمثل برؤية بعيدة المدى ذات ابعاد استراتيجية تسعى لحل الصراع على أساس مبادرة السلام العربية».. أي أن العرب هم الذين عليهم أن يتوجهوا نحو المبادرة دون «إسرائيل»..!!

سابعاً : «إن القرار «الإسرائيلي» بتجميد الإستيطان لمدة 10 أشهر والذي يراه بعض من النقاد على أنه تنازل شكلي لا يقلل من كونه سابقة، حيث لم تقم أية حكومة «إسرائيلية» في السابق بمثل هذه الخطوة»، علماً أنه لم يحدث أي وقف للإستيطان، وإن حدث بصفة مؤقتة فهذا لا يلغي خطورته على عروبة الأرض.

ثامناً : «الرئيس اوباما أعرب من خلال خطاب القاهرة عن الإصرار الأميركي لحل الصراع، وأبدى تفهما عميقاً للموقف العربي». وكأن اوباما لم يلحس عملياً كل ما قاله نظرياً في ذلك الخطاب، ولم يمتنع حتى اللحظة، وبعد مضي أكثر من سنة ونصف السنة على توليه الرئاسة الأميركية، عن تقديم رؤيته للتسوية السياسية، التي يفترض أن تكون مختلفة عن رؤية بوش.. وهي فعلاً كذلك، وإنما باتجاه الأسوأ، كما اكتشف ذلك محمود عبّاس نفسه..!

العوامل، أو الأسباب السابقة هي بمثابة جزرة مجوفة فارغة، يعرضها بن اليعازر من قبيل الإغراء، تقابلها، حتى تكتمل عناصر لعبة «العصا والجزرة»، تهديدات بمخاطر يتوجب على النظام العربي أن يأخذها بعين الإعتبار :

الأول : «في حال تقاعست هذه الدول (العربية) عن الأخذ على عاتقها هذا الموقع القيادي والملزم للفلسطينيين (بالمفاوضات المباشرة) سوف يجدون إيران في المرصاد.. إن المحاولات الإيرانية لسلب الساحة العربية وتفريغها من المضمون والمصالح العربية تلبية وخدمة لمصالحهما هي تهديد مباشر على الأنظمة العربية، ومحاولة للفت الأنظار عن قضايا أخرى مثل برنامج إيران النووي على حساب الفلسطينيين والعرب».

بن اليعازر لا يتردد هنا في وصف ايران بـ «الزحف الفارسي» في محاولة أخرى «لبيع المي في حارة السقايين»..؟!

«إيران تسعى من خلال التفافها حول دول محور الممانعة سوريا وقطر إحداث شرخ في الوفاق العربي وتجزئة القرار العربي، بينما تطرح أجندة خاصة على أنها البديل الأفضل للعرب».

الثاني : «أن نقطة الإنطلاق لجولة المفاوضات المباشرة القادمة».. «قد تكون الأخيرة»..!

بن اليعازر هنا «جاي يبيع المي في حارة السقايين»..!

القادة العرب هم الذين ظلوا يلوحون لـ «إسرائيل» طوال سنوات بأن الفرصة المتاحة للسلام هي الأخيرة. يشجع بن اليعازر على ذلك معرفته أن العرب يبحثون عن السلام عند «إسرائيل» التي تبحث، وتستعد لمزيد من الحروب على طريق تحقيق «إسرائيل» الكبرى..!

الذئب بن اليعازر لا يكتفي بكل المغالطات السابقة، سواء تمثلت في جزر فارغ صرفه دون حساب، أو عصي «تجّد» القفا العربي فعلاً طوال سنين، لكنه يلجأ كذلك إلى المزيد من الكذب والخداع، بهدف :

أولاً : اثارة المزيد من الفرقة بين محمود عبّاس والشعب الفلسطيني. يقول بن اليعازر «إن استطلاعا للرأي أجري مؤخراً في الضفة الغربية يشير إلى أن أغلبية الفلسطينيين يعتبرون رفض عرفات لاقتراح باراك في عام 2000 لدولة فلسطينية خطأ تكرر مرة أخرى عندما رفض الرئيس عبّاس العرض الذي قدمه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» السابق إيهود اولمرت. إن تجاهل هذه الحقائق يبين عدم الإستعداد الفلسطيني كقيادة باتخاذ خطوات جريئة وأخذ زمام المبادرة، مما يدعو إلى تدخل عربي يوجه الفلسطينيين ويرعى المصالح العربية ويتماشى مع مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002».

الصحيح أن اولمرت هو الذي ارتأى عدم تنفيذ ما وافق عليه، على ضآلته، وترك مهمة تعطيله، ومواصلة «حلب» رئيس السلطة لخلفه نتنياهو أو تسيبي ليفني، حيث كانا يتنافسان على خلافته في رئاسة الحكومة..!

والصحيح أيضاً أن الشعب الفلسطيني يرفض التنازلات عن حقوقه بغض النظر عن الشخص الذي يقدم عليها. وما أورده بن اليعازر عن نتائج استطلاع رأي، ليس غير مزاعم مكذوبة.

بل حتى أن نايف حواتمة، عرّاب كل مسيرة التنازلات الفلسطينية منذ برنامج النقاط العشر لعام 1974، يطالب عبّاس علناً الآن، بعدم الذهاب للمفاوضات المباشرة دون الإستجابة لشرط الضمانات.

ثانياً : تحريض «غناجين عرب» على عبّاس، كما تم تحريضهم من قبل على ياسر عرفات، مع ضرورة مراعاة الفارق الكبير بين الرجلين..!

عرفات امتنع عن تقديم المزيد من التنازلات، معيداً التفكير بالعودة للمقاومة المسلحة، فيما يتردد عبّاس في تقديم المزيد من التنازلات، ملوحاً فقط بعدم الترشح لولاية ثانية، وهو ما كرره مجدداً الخميس في مؤتمره الصحفي في القاهرة، دون توفر أية ضمانات بعدم تراجعه عن هذا الموقف، كما عود الشعب الفلسطيني من قبل.

يقول بن اليعازر في معرض التحريض على عبّاس «إن العناد الفلسطيني الذي اتضح مرة أخرى في خطاب الرئيس عبّاس أمام المجلس الثوري لحركة «فتح» والذي من خلاله أكد عبّاس أنه لا مفاوضات مباشره دون وضوح، محددات وقف الإستيطان وتحديد الحدود كشروط مسبقة، يضع الفلسطينيين في خانة الرافض للسلام ويضع الدول العربية التي وافقت ودعمت مفاوضات التقارب في موقع المتبني لهذا الرفض».

ويخلص الذئب من ذلك إلى أن «هذه القيادة العربية الواعية والناضجة يجب عليها الأخذ بيد الفلسطينيين ودفعهم إلى المفاوضات المباشرة»..!!

ويعتبر بن اليعازر أن «التشبث (الفلسطيني) بشروط مسبقة (الشروط المشروعة المدرجة أعلاه) لم يكن لها مثيل في أية مفاوضات مضت لا تخدم تقدم المفاوضات».

بقي امران :

الأول : أن «إسرائيل» مستقتلة على بقاء عبّاس رئيساً للسلطة الفلسطينية كونه القادر على تقديم كل التنازلات المطلوبة منه في نهاية المطاف.

الثاني : أننا اردنا تفنيد نصوص نداء بن اليعازر، ليس أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي فقط، وإنما أمام النظام العربي، خشية أن يعرض نفسه للخداع، رغم وضوح النص، في لحظة «غناج»..!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2166101

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2166101 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010