السبت 31 تموز (يوليو) 2010

من التهويل إلى التهدئة من أجل أوباما

السبت 31 تموز (يوليو) 2010 par د. عصام نعمان

بقليل من الفطنة، يلاحظ المرء أن المنطقة انتقلت، خلال أيام معدودة، من فورة التهويل إلى نعمة التهدئة.

من تصريحات رئيس الأركان «الإسرائيلي» الجنرال غابي أشكينازي الذي «بشّر» اللبنانيين بتوترات واضطرابات أهلية تعقب صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية منتصفَ شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، والقاضي بـ «إدانة» عناصر من حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى تهديدات وزير الحرب إيهود باراك بضرب مؤسسات الحكومة اللبنانية إذا ما قصف حزب الله «تل أبيب» بالصواريخ.

ومن تصدي الأمين العام لحزب الله لحملة التهويل بقرار المحكمة الدولية، وإعلان رفضه أي اتهام لأعضاء حزبه بأي دور أو علاقة باغتيال الحريري، وتحديه خصوم حزبه المحليين بالموافقة على محاكمة شهود الزور، إلى تمسك رئيس الحكومة سعد الحريري بالمحكمة، ورفض حلفائه من قوى 14 آذار مبدأ محاكمة شهود الزور، بل تشكيك سمير جعجع بوجود شهود زور أصلاً.

ومن تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس باشتراط موافقة «إسرائيل» على مرجعية دولية للمفاوضات، ولا سيما عند البحث في مسألة الحدود قبل ولوج باب المفاوضات المباشرة، إلى شروع بنيامين نتنياهو بجولة سياسية قادته إلى مصر، حيث اجتمع إلى حسني مبارك الذي دعا عبّاس إلى إثبات حسن النية، وإلى الأردن حيث اتفق مع مليكه على «دفع الجهود السلمية، وإيجاد البيئة الكفيلة بانطلاق مفاوضات فلسطينية «إسرائيلية» مباشرة وجادة وفاعلة».

في أثناء ذلك، بادرت «إسرائيل»، من دون مقدمات، إلى الإفراج عن السفن التركية المحتجزة لديها، مع سائر السفن المشاركة في «أسطول الحرية لغزة» وتسليمها إلى تركيا.

غير أن ذروة المتغيرات تمثّلت بالقمة الثلاثية بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان في بيروت، والتي تم التعويل عليها، على ما يبدو، لتحديد المسار الذي ستسلكه الأزمة المستفحلة الناشئة عن القرار الظني المرتقب صدوره عن المدعي العام لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، دانيال بلمار.

ما سر هذا الانتقال المريب من التوتير والتهويل إلى التليين والتهدئة؟

دوافع عدة تقف وراء ذلك. غير أن الدافع الرئيس هو موقف باراك أوباما. فالرئيس الأمريكي يواجه في الوقت الحاضر وإلى مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل أكبر تحدٍ لإدارته، وقد يقرر مصير ولايته الثانية. إنه تحدي الانتخابات النصفية التي يأمل الحزب الجمهوري المعارض بانتصار كبير فيها، على صعيدي مجلس النواب، ومجلس الشيوخ.

أوباما لا يريد أن تتطور الأمور في بؤر الصراع الرئيسة، إيران وأفغانستان وفلسطين ولبنان والعراق، على نحوٍ يستغله خصومه الجمهوريون للنيل من مرشحي حزبه الديمقراطي في الانتخابات، فتراه يبذل جهوداً استثنائية من أجل تسكين الأجواء، ومحاصرة التوترات، وسد الثغرات، وإعادة التواصل والحوار بين أطراف الصراع.

حيال إيران، يبذل أوباما جهوداً في الكواليس لإعادتها إلى طاولة المفاوضات، تنفيساً لأجواء الاحتقان، واحتواء لموقف «إسرائيل» الناشطة، عبر اللوبي اليهودي، من أجل العودة إلى الخيار العسكري في التعامل مع الجمهورية الإسلامية.

إزاء أفغانستان، يركز أوباما على هدفين : الأول، توفير الدعم المالي والاقتصادي للرئيس حامد قرضاي، من أجل تسريع بناء الدولة وإعدادها سياسياً وإدارياً وأمنياً لتولي شؤون البلاد، بعد انسحاب القوات الأطلسية في مستقبل قريب أو بعيد . الثاني، حشد القوات اللازمة من أجل محاولة إلحاق هزيمة بطالبان في الجنوب، تساعد حكومة قرضاي على تحقيق الهدف الأول.

بالضغط على الفلسطينيين، وبرشوة نتنياهو بعقوبات متصاعدة ضد إيران وعلاقات باردة مع سوريا، يأمل أوباما بدفع الفلسطينيين إلى طاولة مفاوضات مباشرة مع «الإسرائيليين» لقاء وعود، لا ضمانات، ببحث قضايا الحدود والأمن وسط تجميد غير معلن للاستيطان، الأمر الذي يحقق نوعاً من الانفراج المديد على مستوى دول المنطقة العربية.

ويوفد أوباما مبعوثيه، الواحد تلو الآخر، إلى العراق لتطويق إيران والحدِّ من نفوذها، في إطار التأكيد للعراقيين أن القوات الأمريكية ستباشر الانسحاب جزئياً أواخر الشهر المقبل، وكلياً قبل نهاية العام المقبل. كل ذلك لتحقيق أكبر قدر من التهدئة تستفيد منه أمريكا وحلفاؤها، بحيث ينحصر الصراع بين الأطراف الأخرى، عرباً وعجماً.

محور الجهد الرئيسي لأوباما هو لبنان في الوقت الحاضر . فهو وإن كان يدعم «إسرائيل» في مخططها الرامي إلى محاولة تحجيم حزب الله بما هو قائد المقاومة، إلا أنه يحاذر انفجار الوضع الداخلي بسبب استغلال «إسرائيل» وحلفاء أمريكا المحليين للقرار الظني المرتقب المزمع صدوره عن المحكمة الدولية، ما قد يؤدي إلى أحد احتمالين: حرب أهلية، أو عدوان «إسرائيلي» جديد. في كلا الحالين، سينسحب الحدث على الوضع الانتخابي في الولايات المتحدة، ويتيح لخصومه الجمهوريين فرصة ثمينة للتحريض على سياسته والنيل منه.

لتفادي هذين الاحتمالين، يلتقي كثير من المسؤولين العرب مع رغبة أوباما، بل مع مصلحته، في التهدئة. بعض القوى يخشى أن يخطئ أصدقاؤه اللبنانيون في صفوف 14 آذار في قراءة الأحداث والتطورات، وأن يتصرفوا على نحوٍ مشابه لما حدث في 7 مايو/ أيار سنة 2008 وانتهى إلى إضعافهم، وبالتالي إلى إكراههم على استجابة مطالب أساسية لقوى المعارضة. كذلك لا ترى قوى أخرى من «صف آخر» مصلحة في عودة لبنان إلى الانقسام والاصطراع، وتوفير الفرص لـ «إسرائيل» لزرع الفرقة والحرب الأهلية، أو لشن الحرب على المقاومة، وربما على سوريا أيضاً.

الجميع مجمع، إذاً، على التهدئة . لكن على أي اساس؟

التهدئة علاج مسكّن ومؤقت، وليس علاجاً مبرّئاً من المرض، جذرياً وطويل الأمد . والانتقال من التهدئة إلى اجتراح الحل الممكن يتوقف، بالدرجة الأولى، على موازين القوى السائدة، محلياً وإقليمياً، وتقييم الأطراف المتصارعة لها . ففي حين تشعر القوى الوطنية والقومية المؤيدة للمقاومة ولسوريا، أنها الأقوى حاضراً ومستقبلاً، تعتقد القوى المحلية المناوئة للمقاومة وغير المتحالفة مع سوريا أنها، في منظور نسبة القوى الموجودة إقليمياً، ولا سيما الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، ليست ضعيفة، وأن في وسعها الصمود في وجه خصومها.

ولعل أسوأ ما في الوضع الراهن أن ثمة من لا يزال لا يستشعر، بل لا يريد أن يستشعر، حراجة وضع أوباما، ولا يستثمر تالياً حاجته إليه من أجل الاستحصال عبره على تنازلات من «إسرائيل» تخدم الحقوق العربية في فلسطين، وتحمي المقاومة في لبنان. بالعكس، ما نراه على أرض الواقع أن ثمة قوى تكارم أوباما وتحاول إرضاءه ومساعدته على مواجهة التحديات، في داخل أمريكا وفي المنطقة، ربما لأن بعضها يشعر بأن «خطر» إيران ربما أصبح أكبر من خطر «إسرائيل»! مستقبل التهدئة المؤقتة هو الهدنة المديدة، بانتظار جولة حرب جديدة تخوضها «إسرائيل»، ومن ورائها أمريكا، في الوقت الملائم لها.

التهدئة بمقدار وبحسبان، والهدنة كذلك. والمعيار والمكيال في كلا الحالين أمريكيان بامتياز.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165903

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165903 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010