الأربعاء 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

إذا ظل البيت من زجاج

الأربعاء 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par فهمي هويدي

إذا اعتبرنا أن الذي شوَّه ملف حقوق الإنسان في مصر هو تآمر الأوروبيين والأمريكان والمنظمات الحقوقية الدولية والتنظيم الدولي للإخوان. فنحن نخدع أنفسنا وندفن رؤوسنا في الرمال. وإذا نجحنا في تسويق هذه الفكرة في داخل مصر وأقنعنا بها بعض شرائح المصريين، فمن الصعب إقناع الرأي العام الخارجي بها، لأسباب كثيرة، في مقدمتها أن فكرة تآمر كل هذه الأطراف ضد مصر تبدو ساذجة وغير قابلة للتصديق. وإذا اعتبرنا أن رد الحكومة المصرية على الانتقادات الموجهة لسياستها في مجال حقوق الإنسان ومعها اجتماعات وتصريحات بعض أعضاء الوفد الرسمي، يمكن أن تغير الصورة السلبية التي استقرت في الساحة الدولية إزاء مصر، فإننا بذلك نضحك على أنفسنا ونمارس قدرا من الاستعباط يصعب على الآخرين ابتلاعه وتمريره، وحين ننحى باللائمة على السفارات المصرية والمكاتب الإعلامية المصرية المقامة في العديد من العواصم الأجنبية، ونشير بأصابع الاتهام إلى مصلحة الاستعلامات وتقصيرها في التواصل مع الصحفيين الأجانب أو توزيع تقارير الدفاع عن السياسة المصرية، فإننا نطالب تلك الجهات بما لا تستطيع أن تقوم به. ولست أدافع عن تقصيرها في الرعاية لمصر، لكنني أزعم أن صورة مصر في الخارج لا ترسمها الحملات الدعائية وشبكة العلاقات العامة، وإنما ترسمها بالدرجة الأولى الحقائق الماثلة على الأرض. وفي كل الأحوال فينبغي أن يكون واضحا للجميع أن العالم الخارجي لا يتابعنا بآذانه وحدها، لأن مختلف الدول والمؤسسات الحقوقية لها أعينها في مصر، وأغلبها يعرف عن البلد أكثر مما يعرفه أغلب المصريين.
حين بدأت اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف كان المصريون يتداولون عبر مواقع التواصل الاجتماعي البيان الذي أصدرته 15 منظمة ومجموعة حقوقية مستقلة الذي انتقدت فيه أحدث انتهاك لحقوق الإنسان في مصر، متمثلا في صدور القانون الذي قضى بتوسيع صلاحيات القضاء العسكري، بما يفضي إلى محاكمة المدنيين أمامها خلافا للدستور، الأمر الذي اعتبر بمثابة التفاف على إعلان الطوارئ. وذلك بعدما تم تكليف القوات المسلحة بحماية المنشآت والمرافق العامة في البلاد، وهو ما يعتبر كل اعتداء على تلك المنشآت جريمة تخضع للقضاء العسكري غير المستقل. في الأسبوع نفسه كان مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قد أصدر بيانا آخر انتقد سجل المحاكمات غير العادلة التي يتعرض لها النشطاء، الأمر الذي يؤدي إلى إخضاعهم لعقوبات قاسية، في حين لا تتم محاسبة رجال الأمن الذين يرتكبون الانتهاكات الجسيمة بحقهم، توازي ذلك مع البيان الذي أصدره الحزب الديمقراطي الاجتماعي وأورد فيه قائمة من الانتهاكات التي مورست خلال الأشهر الماضية، التي تمثلت في التضييق على منظمات المجتمع المدني، وتهديد النشطاء في المجالات السياسية والنقابية والاجتماعية بعقوبات تصل إلى الإعدام. وتقييد حق التظاهر السلمي وممارسة القمع في الجامعات، الذي كان الطلاب ضحية له.. إلخ. إلى أن قرأنا في عدد الشروق يوم الثلاثاء الماضي (4/1) مقالة الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء السابق، التي أورد فيها قائمة بالقرارات والقوانين التي صدرت بالمخالفة لنصوص الدستور خلال العام الأخير.
كل ما سبق لا علاقة له بالإخوان، وليست فيه إشارة إلى المذابح التي وقعت في فض اعتصامات رابعة والنهضة وجامع الفتح وغيره، ولم يُذكر فيه شيء عن آلاف المعتقلين ولا إلى المئات الذين صدر الحكم بإعدامهم، وأضعافهم الذين صدرت بحقهم أحكام بالغة القسوة، في حين مورس قدر ملحوظ من التسامح مع رجال الأمن الذين ارتكبوا جرائم عديدة بحق النشطاء (الضابط الذي أدين في استهداف عيون المتظاهرين، وزميله الذي تسبب في إحراق أكثر من ثلاثين محبوسا أثناء نقلهم إلى سجن أبو زعبل، وعشرات الضباط الذين اتهموا بقتل المتظاهرين أثناء الثورة).
إذا لاحظت أن ملف الإخوان لم يرد ذكره في كل ما سبق، فستدرك أن الأزمة أكبر منهم وأن القضية أعم. لذلك فإن تركيز الإعلام المصري على دور التنظيم الدولي في التحركات التي شهدتها جنيف هذا الأسبوع يصرف الانتباه عن الحجم الحقيقي للأزمة، فيصورها على أنها أزمة جماعة وليست أزمة وطن. وقد كان إعلان 7 مؤسسات حقوقية مصرية انسحابها من المشاركة في فعاليات جلسة مناقشة الملف المصري في جنيف، خشية تعرضها للتهديد وللإجراءات الانتقامية من الجهات الأمنية، شاهدا على مدى عمق أزمة الداخل المتجاوزة للإخوان وقضيتهم.
لا تسرنا بطبيعة الحال الانتقادات أو الإدانات لسجل حقوق الإنسان في مصر. في الوقت نفسه فإن إنكار الأزمة أو محاولة التستر عليها للتجمل أمام الآخرين أو الإحالة إلى مؤامرات الآخرين، لا يقنع أحدا ولا يحل الإشكال. لكن الذي يبِّيض الصفحة ويرد السهام ويخرس ألسنة الناقدين ويجهض جهود المتآمرين هو واقع الحال في مصر، إذ إن صلاحه وحده كفيل بتحقيق كل ما سبق، أما إذا ظل بيتنا من زجاج فلن يصلح منه إعادة طلائه بالألوان الجذابة، أو إحاطته بالستائر التي تحجب ما بداخله عن الأعين. أو تغطيته بالطنين الإعلامي الذي يشيد به، فإنه سيظل نوعا من المخدرات التي تغيب العقل بعض الوقت لكنها لا تحول دون الإفاقة على الحقيقة في نهاية المطاف.
إن صيانة حقوق الإنسان في الداخل وحدها التي تضمن الدفاع عن ملفها في الخارج.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2178133

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2178133 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40