الأربعاء 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

التشاركية الوطنية المنشودة

الأربعاء 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par علي بدوان

حققت الزيارة الميدانية لهيئة رئاسة مجلس وزراء الحكومة التوافقية الفلسطينية مؤخراً لقطاع غزة، نتائج طيبة على صعيد العمل من أجل تحقيق وحدة المؤسسات الوزارية وإنهاء حالة الازدواجية القائمة منذ الانقسام الذي وقع منتصف العام 2007. ولكن تلك النتائج الطيبة تبقى عند حدودها المُعلنة إعلاميًّا ما لم يتم متابعة العمل الحثيث من أجل تفكيك وحل مجموع الاستعصاءات والإشكاليات التي تولدت عن حالة الانقسام، وخصوصاً ما يتعلق منها بالمتفرغين والموظفين الذين باتوا جزءاً لا يتجزأ من عموم الحالة المؤسساتية، حيث بات من الضروري اعتمادهم من قبل حكومة التوافق الوطني.
وبالرغم من الأداء الميداني الفلسطيني العام، الجيد والمريح، خلال فترة العدوان الأخير على قطاع غزة، ومعه الأداء المُوفق للوفد الفلسطيني الموحد، وارتفاع صوت الوحدة الوطنية في الشارع الفلسطيني في الداخل والشتات، الا أن عملية تكريس مسارات العمل الوحدوي التوحيدي بين القطبين الرئيسيين في المعادلة الفلسطينية ما زالت تحتاج لجهود كبيرة وإستثنائية. فيما يَغُطُ القطب الثالث والمُتشكل من قوى التيار القومي واليساري في سُباتٍ يبدو بأنه سُباتٍ عميق منذ سنواتٍ طويلة… فكيف نقرأ الأمور الآن في الساحة الفلسطينية على ضوء زيارة الوفد الوزاري لحكومة التوافق الوطني ورئيسها الدكتور عاكف الحمد الله، وعلى ضوء تطور العلاقات بين مختلف الأطراف الفلسطينية، وخاصة بين قطبي المعادلة الرئيسيين، حركتي فتح وحماس ..؟
نبدأ القول، حتى لا نكون كالنعامة التي تَدفِنُ رأسها بالرمل حتى لا يراها الصياد، علينا أن نعترف وأن نُقر بأن الجميع في الساحة الفلسطينية من قوى وفصائل، يعيش أزماته، وبالتالي فهو بحاجة للبحث عن سبل حقيقية لتجاوز حالة الانقسام. كما علينا أن نعترف بأن الخلاف البرنامجي كبير في الساحة الفلسطينية، وأن الهوة السياسية والتنظيمية ما زالت قائمة وواسعة بين قطبي المعادلة، الطرفين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية بالرغم من الملحاحية العالية التي تفترض بالجميع العمل من أجل تجاوز حالة الإنقسام وإعادة بناء العقد التاريخي، عقد الوحدة الوطنية بين مكونات العمل السياسي والأيديولوجي والفصائلي في الساحة الفلسطينية..
إن أبرز الاستخلاصات الرئيسية من بعد محنة العدوان الأخير على قطاع غزة وبالرغم من زيارة العمل لوزارة حكومة التوافق لقطاع غزة، تؤكد بأن مشوار المصالحة الفلسطينية ما زال طويلاً ووعراً، ويتطلب جهوداً جبارة لإنضاج الظروف المطلوبة لانجاز توافق وطني فلسطيني بين الجميع، وتفكيك عوامل التعطيل التي تعترض مسار المصالحة الفلسطينية المنشودة. فعوامل التعطيل مرئية ويمكن تلخيصها وفق محددات هي التالية:
أولاً: وجود هوة سياسية برنامجية واسعة بين الطرفين الرئيسيين في المعادلة الفلسطينية، بين حركتي فتح وحماس، والاصطفافات المُحيطة بكل منهما، بين فريق ما زال يراهن على خيار وحيد، هو خيار التسوية والمفاوضات وحدها ودون غيرها، مع إسقاط باقي الخيارات، وبين اتجاه يريد مغادرة العملية التفاوضية المُختلة، ويريد تفعيل باقي الخيارات الممكنة وتوسيع دائرة قوسها الواسع وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة. فالتباين البرنامجي في الساحة الفلسطينية، ما زالا قائماً ومستفحلاً، بين برنامج التسوية والمفاوضات وحدها دون غيرها، وبرنامج الخط الآخر الداعي لرفض عملية التسوية والمفاوضات من أساسها (كما تقول حركتا حماس والجهاد الإسلامي وحتى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، في تباين كبير يَصعُبُ حله دون الإقدام على خطوات جريئة من كل الأطراف من أجل تقديم الأفكار الحاذقة، الأفكار الإبداعية الجديدة، التي تعمل على جَسِر الهوة بين البرنامجين المذكورين، وتعمل على تقديم مُقاربات ممكنة من أجل حل تلك المُعضلة الكبرى التي ما زالت تُشكل جوهر الخلاف في الساحة الفلسطينية بين قطبي المعادلة، وحتى داخل صفوف ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تبدو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أقرب للخط المنادي برفض، أو على الأقل، بالتحفظ على مسار كل العملية السياسية التفاوضية الجارية منذ تشرين الأول/أكتوبر 1991.
ثانياً: وجود (فيتو) أميركي و”إسرائيلي” مُعطّل لأي جهود فلسطينية أو عربية مخلصة لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي. فالولايات المتحدة لا تريد وضعاً فلسطينيًّا متماسكاً وموحداً وقويًّا، ولا تريد أن ترى إرادة فلسطينية موحدة في الداخل والخارج وبين الجميع من القوى والتشكيلات الفلسطينية، بل تريد الاستفراد بمفاوض فلسطيني ضعيف وهزيل، وبحالة فلسطينية ضعيفة ومفككة ومتهالكة وغير قادرة على المواجهة وإدارة الصراع بطريقة جيدة ومناسبة. ومن هنا فإن العديد من الرسائل الأميركية كانت وما زالت تصل عند كل محاولة فلسطينية جدية لتجاوز الانقسام، وهي تحمل معها الوعيد والتهديد والترغيب وفق سياسة “العصا والجزرة”، مُطالبة بشكلٍ واضح أحياناً، ومُبطن في أحايين، لاختيار الموقف المُحدد ما بين التوافق مع حركة حماس (أي الوصول إلى المصالحة الوطنية الشاملة التي يريدها الفلسطينيون)، وما بين تدفق أموال الدول المانحة، حيث تُشكل أموال الدول المانحة المورد المالي الرئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية ولمجموع رواتب العاملين فيها. ومع هذا إن الفيتو الأميركي ليس قَدراً على الفلسطينيين، حيث يُمكن كَسرَهُ حال توافرت القناعة والإرادة المشتركة بين عموم مكونات الحالة الوطنية الفلسطينية.
ثالثاً: إن الولايات المتحدة ما زالت تضع العراقيل التي تحول دون تحقيق المصالحة، وما زالت تقود إئتلافاً دوليًّا إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، وهي تروج لمقولتها المعروفة بأن قبول رفع الحصار كليًّا عن قطاع غزة والتعاطي مع مجمل الحالة الفلسطينية بتشكيلاتها السياسية المختلفة، يستوجب من الجميع “الاعتراف بشروط اللجنة الرباعية الدولية” المعروفة بلجنة (الكفارتيت) والتي تتضمن الاعتراف المباشر بـ “إسرائيل وحقها التاريخي بالوجود” (لاحظوا الاعتراف بالحق التاريخي لإسرائيل بالوجود وليس الاعتراف بها)، ونبذ المقاومة بوصفها إرهاباً، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة كاملة بين “إسرائيل” والسلطة الوطنية الفلسطينية. والمفارقة العجيبة في هذا الجانب أن الطرف الذي ماطل وخرج وعَطَّل الاتفاقيات والتفاهمات المُوقعة خلال عقدي التسوية هو الطرف “الإسرائيلي” قبل غيره.
وعليه، ودون تأويلات تشاؤمية مُتسرعة، إن مشوار المصالحة الفلسطينية الناجزة والمطلوبة، ما زال مُتعثراً بالرغم من أهمية هذا المطلب الفائقة والحاجة إليه من قبل كل الأطراف بما في ذلك حركتي حماس وفتح، وملحاحية هذا المسعى الذي يُجمع عليه الشعب الفلسطيني، والمستوجبات الكبرى التي تتطلبه في المرحلة التالية من محنة العدوان الأخير على قطاع غزة، وما ينتظر تلك المرحلة من استحقاقاتٍ لها علاقة بإعادة إعمار القطاع، وفتح المعابر وغيرها. فإعادة إعمار قطاع غزة يجب أن تكون تحت إدارة حكومة التوافق الوطني.
إن إنقاذ الحالة الفلسطينية المأزومة من وضع الانقسام وإعادة الوحدة لعموم مؤسسات السلطة بين الضفة والقطاع، يُفترض أن ترافقها مراجعات جدية صادقة حتى يستطيع الفلسطينيون من الوصول إلى أساس ثابت للعلاقة الداخلية بين مكونات الحالة الفلسطينية، وهو ما يتطلب اجتراح واشتقاق الأفكار الخلاقة، التي تفتح الطريق نحو توليد الحلول للمُعضلات القائمة بجانبها التنظيمي وبجانبها السياسي.
جانبها التنظيمي، هو الجانب المُتعلق بالمرجعية العليا للسلطة الوطنية الفلسطينية، ونعني به بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومسألة دخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي لعضويتها وعضوية عموم مؤسساتها، طبقاً لحضورها ووزنها في الشارع. وبجانبها السياسي البرنامجي.
أما جانبها السياسي، فيتعلق بإيجاد مقاربات سياسية وطنية فلسطينية، بين مُختلف الأطراف، وخصوصاً منها حركتا فتح وحماس، يتم من خلالها إحداث الخطوات العملية المطلوبة على طريق إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، وبناء التشاركية الوطنية المطلوبة بين الجميع قولاً وعملاً. تشاركية وطنية تَغلق الأبواب نهائيًّا أمام سياسات الإقصاء، والاستفراد، والاستئثار، والهيمنة، في صناعة وصياغة القرار الوطني الفلسطيني العام، وتُعيد القرار الوطني للناس وللقوى الحية وعموم مؤسسات المجتمع المدني وتعبيراته، والتي تُمثل الرأي العام ومناخاته في فلسطين والشتات. فالشعب الفلسطيني بأمس الحاجة إلى وحدة القرار والجغرافيا والسياسة، والوحدة الميدانية حول برنامج سياسي تشاركي ائتلافي له علاقة بضبط مسارات العملية السياسية التفاوضية حال عودتها بتفاهم وتوافق فلسطيني داخلي. كما له علاقة بالمواجهة مع الاحتلال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165435

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165435 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010