السبت 31 تموز (يوليو) 2010

تهديدات أوباما وتحدي المرجعية

السبت 31 تموز (يوليو) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

التهديد المنسوب للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي وضع فيه السلطة الفلسطينية والدول العربية معاً أمام خيار من اثنين : إما الذهاب إلى المفاوضات المباشرة والحصول على دعم سياسي أمريكي لإقامة الدولة المستقلة، وإما انسحاب الجانب الأمريكي وتنحيه جانباً، لا يكشف عن تحول في الموقف الأمريكي من عملية التسوية بقدر ما يكشف عن حقيقة هذا الموقف الذي يحكم التوجه الأمريكي الاستراتيجي نحو تلك العملية منذ بداية مؤتمر مدريد عام 1991.

ففي مؤتمر مدريد وافق الفلسطينيون والعرب على الإطار الذي أراده رئيس الحكومة «الإسرائيلية» وقتذاك إسحق شامير، وهو الإطار الذي استبعد الأمم المتحدة كطرف أصيل وشريك في مؤتمر مدريد، والاستعاضة عن وجودها بالقوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، قبيل سقوطه مباشرة.

ولم يكن الدافع من استبعاد مشاركة الأمم المتحدة في ذلك المؤتمر إلا استبعاد مرجعيتها وما صدر عنها من قرارات تخص القضية الفلسطينية . وبسقوط الاتحاد السوفييتي أصبحت الولايات المتحدة هي المرجعية الفعلية، كما أصبحت المفاوضات المباشرة من دون مرجعية قانونية هي القاعدة التي فرضت نفسها طيلة سنوات تلك العملية، وأدار توازن القوى بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية تلك المفاوضات، ووصل بها إلى ما وصلت إليه الآن لسبب رئيسي هو أن الدول العربية، في وجود الولايات المتحدة، لم تشأ أن تدخل كطرف مباشر داعم للفلسطينيين خشية أن يفسر ذلك بأنه إعاقة أو تشكيك في «الوسيط النزيه»، وأن يؤثر ذلك في علاقات تلك الدول بالصديق الأمريكي، وأن أقصى ما فعلته الدول التي هي أكثر انغماساً في العملية تلك هو «سد الفجوة» بين مواقف الطرفين «الإسرائيلي» والفلسطيني، في حين انصرفت معظم الدول عن مسألة دعم الفلسطينيين خاصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، واتهام الأمريكيين لفصائل فلسطينية بالإرهاب أخذ هذا كله في الاعتبار من شأنه أن يضع علامة استفهام مهمة أمام تهديد الرئيس الأمريكي بالانسحاب من الدور ومن الوعود، سواء حول الدوافع أو النتائج المحتملة في حال إصرار الفلسطينيين والعرب على الذهاب إلى المفاوضات المباشرة وكما يريد الرئيس الأمريكي، من دون ضمانات أمريكية مسبقة على نحو ما تحدث رئيس السلطة محمود عبّاس والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.

من ناحية الدوافع يكشف هذا التهديد عن وضع انتخابي مأزوم أمام الرئيس الأمريكي وحزبه، وإن القرار الذي وصل إليه مع مستشاريه هو عدم القبول بأي موقف أو سياسة لا تريدها «إسرائيل»، وأن يعود كأسلافه يقبل ما يقبله «الإسرائيليون» ويرفض ما يرفضون، وما يريده «الإسرائيليون» الآن هو المفاوضات المباشرة من دون شروط مسبقة، أي من دون مرجعية، ومن دون أفق زمني، أي «مفاوضات مفتوحة» يستطيع بها نتنياهو أن يهرب من المطالب الفلسطينية الحالية التي تعرقل نجاح مهمة المفاوضات غير المباشرة التي يديرها المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، ومن ثم ينقذ حكومته من الانهيار.

المفاوضات المباشرة و«المفتوحة» سواء من حيث غياب المرجعية أي غياب الأسس الاستراتيجية للتفاوض وبالذات حدود الدولة الفلسطينية، والأمن والقدس وحق العودة (لم تعد السلطة تتحدث عنه)، وغياب الأفق الزمني، ستعطي الحكومة «الإسرائيلية» فرصاً لتمديد هذه المفاوضات إلى حين التخلص من إدارة أوباما، أو إغراقها في حرب جديدة ضد إيران قبيل إنقاذ نفسها من الورطة الأفغانية، الأمر الذي يعطي لهذه الحكومة أيضاً فرصة إنهاء هذه المفاوضات وقتما تشاء ويدفع الطرف الفلسطيني للانسحاب منها من دون أن تكون معرضة لأي محاسبة، فهي سترد وقتها بأنها غير ملزمة بالقبول بمطالب معينة كي توصف المفاوضات بالنجاح، وأن العملية كلها عملية مساومات يحكمها توازن القوى بين الطرفين المتفاوضين، وهذا هو أصل «اللعبة» أو العملية، مع اعتبار الانسحاب الفلسطيني ضد قواعد هذه اللعبة المفتوحة غير المحكومة بزمن محدد، ومن ثم فإن الطرف الفلسطيني هو المسؤول عن هذا الفشل وليس «إسرائيل».

فإذا دخل الفلسطينيون إلى التفاوض المباشر فهذا معناه القبول الطوعي بالمشاركة في «ملهاة» جديدة قد تطول عاماً أو عامين وتصل في النهاية إلى لا شيء، وإذا رفض الفلسطينيون والعرب دعوة أوباما فإنهم لن يخسروا شيئاً لأن النتيجة واحدة ومعروفة سلفاً، خصوصاً في ظل ضبابية السيناريوهات المحتملة للحل حيث ما زال «الإسرائيليون» يرفضون خيار حل الدولتين، خوفاً من أن تسيطر حركة «حماس» على الضفة الغربية، كما تسيطر على قطاع غزة، وأن تتحول الدولة في ظل هذا الاحتمال إلى مصدر تهديد أمن الدولة الصهيونية وكيانها، وحيث يصر «الإسرائيليون» على مطلب الدولة اليهودية بما يعنيه من طرد لكل الفلسطينيين المقيمين منذ عام 1948 داخل حدود الكيان الصهيوني.

هذه التحسبات والرؤى «الإسرائيلية» تدفع إلى رفض خيار حل الدولتين وتطرح فكرة «الدول الثلاث» التي يراها البعض «دولة إسرائيلية» وثانية «دولة الضفة» وثالثة هي «دولة غزة» لتفتيت الكيان الفلسطيني وضمان السيطرة عليه بل الأهم تصفية «المشروع الفلسطيني» كله، التي يراها البعض الآخر دولة «إسرائيلية» و«دولة فلسطينية» و«كونفيدرالية أردنية - فلسطينية» وإلقاء العبء كله بالتالي على الأردن، أي استعادة الخيار الأردني بصورة أخرى. يبقى أن يسأل العرب : وماذا أيضاً؟

الإجابة هي إجابتهم، فالواضح أن الرئيس الأمريكي يريد أن يتخلص من وعوده للعرب بتحقيق خيار «حل الدولتين» وهو بذلك ينهي عهد «المرجعية الأمريكية» لعملية السلام ولا يبقى أمام الفلسطينيين والعرب غير العودة بالقضية إلى المرجعية الأصلية للقضية كلها، وهي فلسطين كمحدد حاكم لكل الرؤى والسياسات والخيارات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2180700

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180700 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40