الاثنين 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

طبائع الاحتلال

الاثنين 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par عوني صادق

على مدى الأشهر الأربعة الماضية، ومنذ ذلك اليوم الخليلي من شهر يوليو/ تموز الماضي، الذي اختطف فيه مستوطنان الفتى محمد أبو خضير وأحرقاه حيا، والوضع في القدس خصوصاً، وفي الضفة عموماً، يزداد سخونة كل يوم ويتصاعد من خلال المواجهات المستمرة بين الشبان الفلسطينيين وقوات الاحتلال، على خلفية الاقتحامات التي ينفذها المستوطنون للمسجد الأقصى، والأنشطة الاستيطانية من مصادرات وعمليات تهويد وهدم لبيوت واستيلاء على أخرى، وعبر القمع والاعتقال بل وقتل للفلسطينيين أيضاً، حتى اقتنع معظم المراقبين، بمن فيهم بعض “الإسرائيليين”، بأن ما يجري في المدينة المقدسة وما حولها سينتهي، إن استمرت سياسات حكومة بنيامين نتنياهو على حالها، بانتفاضة ثالثة قد تفوق سابقتيها عنفاً .
في الوقت نفسه، ذهب العديد من الكتاب والمعلقين، وبعض السياسيين والعسكريين الصهاينة، إلى محاولة التغطية على السبب الحقيقي الذي أوصل إلى الوضع المتفجر الراهن في القدس، فأعادوه إلى “إهمال الدولة والحكومة لأوضاع الفلسطينيين في المدينة”، وأسقطوا من الحساب موضوعة “الاحتلال” . ولم يكن من بد، حتى يبدو التضليل متقنا، من أن يعرجوا على اقتحامات المسجد الأقصى، ومحاولات الاستيطان في قلب الأحياء العربية وإهمال أوضاعها . لكن من يقرأ هؤلاء ويصدقهم، يخرج بنتيجة مفادها أنه لو راعت الحكومة “الإسرائيلية” بعض جوانب حياة الفلسطينيين اليومية، ولو امتنع المستوطنون عن بعض أفعالهم الاستفزازية، وخففت السلطات قليلاً من التضييق المفروض على حركة الفلسطينيين في الدخول والخروج إلى المدينة ومنها، لرحب الفلسطينيون بالاحتلال ولما حصل شيء مما يحصل الآن! وكعينة على تلك التفسيرات والأقوال، نورد ما يقوله موشيه أرينز، وزير الدفاع “الإسرائيلي” الأسبق: “لا شك أن السكان الفلسطينيين في المدينة يعانون الإهمال على مدى السنين، من قبل بلدية القدس والحكومة، وهذا الإهمال تربة خصبة لاندلاع المواجهات العنيفة” .
بالطبع ولا شك أن السبب الذي أورده أرينز، وأخرى يوردها غيره، هي جزء من أسباب السخط المتزايد لدى الفلسطينيين . لكن أصحابها ينسون ويتناسون الاحتلال، ويتجاهلون أنه سبب أوضاع الفلسطينيين السيئة، والتي جاءت سياسات الحكومات “الإسرائيلية” لتكرسها ولتزيدها تفاقماً، بحيث لا يتوقف الأمر عند ما يعتبرونه مجرد “إهمال”! إنه لم يكن ممكناً أن يجلب “الاحتلال” وسياسات الاستيطان معهما غير الممارسات القمعية والعنصرية على مختلف الصعد والمستويات، إلى جانب عمليات مصادرة الأرض وهدم البيوت وقتل الناس . وتكريس الاحتلال، أو تبريره والدفاع عنه، بل وحتى المطالبات الخجولة بإنهائه، لا يرفع عن أي من المعنيين مسؤولية ما حدث ويحدث وسيحدث، ليس في القدس وحدها بل في كل الأراضي الفلسطينية، وبصرف النظر عن التسميات لها .
وعلى سبيل التوضيح، يمكن لأي مراقب للوضع أن يتساءل: ماذا يفيد مقال هنا، أو مقال هناك، يطالب “تخفيف التضييق على حركة الفلسطينيين في المدينة”، في وقت تنقل فيه كل وسائل الإعلام تصريحات وزير الحرب موشيه يعلون الذي يؤكد فيه أنه “لن تقام دولة فلسطينية بل حكم ذاتي إداري”، في منطقة مجزأة منزوعة السلاح ومسيطر عليها براً وجواً وبحراً (؟!!) هل تخفيف التضييق على حركة الفلسطينيين داخل القدس سيقنع أهلها باللجوء إلى الهدوء والابتعاد عن “أعمال الشغب”، أو عن “الأعمال الإرهابية”؟! الحكومات “الإسرائيلية” منذ احتلال الضفة في حزيران ،1967 أرادت الاستيلاء على الأرض، وفي الوقت نفسه أرادت “احتلالاً خمس نجوم” وبلا مشاكل! فهل يمكن أن يكون ذلك في أرض فيها شعب؟!
في تعليق على التوتر المتصاعد والمواجهات الدائرة منذ أشهر في القدس ومحيطها، وتعقيباً على تصريحات يعلون بشكل محدد، كتب أفرايم هاليفي، رئيس جهاز (الموساد) السابق، مقالاً في صحيفة (يديعوت أحرونوت 28-10-2014)، قال فيه: إن “إسرائيل” حسب تصريحات يعلون، تريد “تصفير المخاطر” . ويرى هاليفي أن “تصفير المخاطر بالنسبة ل”إسرائيل“، يعني تصفير الاحتمالات بالنسبة للفلسطينيين” . بمعنى أن “أمن إسرائيل”، كما يراه يعلون وحكومة نتنياهو، يعنى عدم قيام دولة فلسطينية، أي انتهاء أمل الفلسطينيين في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة . وهاليفي محق تماماً في استنتاجاته . وتعليقا على ما يقال من أن جهوداً تبذل لاستئناف المفاوضات بين تل أبيب ورام الله، يقول هاليفي: “في هذه الظروف لا يوجد أي معنى لاستئناف المفاوضات بين من يتبنى تصفير المخاطر، وبين من يتبنى تصفير الاحتمالات” .
ما أعلنه وزير الحرب يعلون، وما توصل إليه استنتاجاً هاليفي، تؤكده سياسات نتنياهو على الأرض، من إطلاق أيدي المستوطنين في القدس والضفة عموماً، وما يقدمون عليه من جرائم وأفعال استفزازية بحماية قوات الاحتلال جيشاً وشرطة، بل وفيما يصدره ويناقشه أعضاء الحكومة والكنيست من قوانين عنصرية تصب كلها في تأكيد “تصفير الاحتمالات” ودفع الفلسطينيين إلى “أعمال الشغب” والمواجهات، وصولاً إلى الانتفاضة الشاملة . وذلك كله يعكس التحالف القائم بين نتنياهو وأنصاره وبين المتدينين الأكثر تطرفا ممثلي المستوطنين، ما يجعل السياسة الحالية مستمرة في المستقبل، ويجعل أي حديث عن أية مفاوضات لا معنى له، كما قال هاليفي . ويعقب يوسي فيرتر الكاتب في صحيفة (هآرتس 28-10-2014)، في مقال له نشرته له الصحيفة، على كلمة نتنياهو في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، ويقول: “إن نتنياهو في خطابه تحدث علناً ومن دون خجل أو خوف، عن الائتلاف القادم، عن البيت اليهودي وعن الحريديين، الشركاء الطبيعيين . أما ليفني ولبيد فهو لا يعتبرهما سوى حذاء يعبر به إلى السنة السابعة في هذا المنصب” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010