الأحد 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

حالة التردي . . نحن أيضاً مذنبون

الأحد 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د. فايز رشيد

هل هي المؤامرة فقط، أم نحن أيضاً مذنبون مباشرة أو بطريقة غير مباشرة فيما وصلت إليه الأحوال العربية؟ ليس معقولاً هذا الانحدار السريع نحو الهاوية في العديد من المواقع في الوطن العربي، وذلك بتصاعد شعارات الطائفية والمذهبية وتداعياتها السلبية في تفتيت الوطن العربي . “داعش” هو أحد الأسباب كما نظرية المؤامرة بالطبع، هذا ما تنصّب عليه معظم التحليلات مع إغفال كبير للعوامل الذاتية، فاللوم كل اللوم يقع على الموضوعي! كفانا هروباً بالذات ولنضع القضايا في نصابها . المراقب للوضع العربي الحالي يذهل من الأوضاع العربية، إن من حيث درجة السوء التي هي عليه، أو من حيث جدية الأخطار التي تهدد وحدة النسيج الاجتماعي العربي في المستقبل القريب، في العديد من الدول العربية، وإمكانية انتقال عدواها لدول عربية جديدة .
درجة الخطورة لا تكمن في نمو الانغلاق الشديد للقطرية العربية من أجل حماية الذات، وإنما فيما أصاب الأمة العربية بمكوناتها الشعبية من مظاهر جديدة غريبة عن حضارتها، وتراثها، باعتبار هذه المظاهر طارئة عليه . كمثل شديد الخطورة على هذه المظاهر هو الصراع الطائفي والمذهبي والإثني، الذي بدأ ينخر الجسد الشعبي العربي، والآخذ في التمثل في صراعات تناحرية على حساب صراعات أخرى، من المفترض أن تكون هي الأساسية، كالصراع مع العدو الصهيوني . وأيضاً على حساب صراعات مهمة، كالصراع مع استهدافات عموم المنطقة لإفراغها من محتواها التاريخي وسماتها الرئيسية المرتبطة بالتاريخ والحضارة العربية .
العلة والأسباب والخلل لا تكمن في الحكومات وحدها، ولا في الجامعة العربية التي هي ممثل يعكس التناقضات والأحوال العربية، وإنما أيضاً في الاستجابة الجماهيرية، للانغماس في التناقضات المذهبية والطائفية والإثنية، فتراها منغمسة في هذه الصراعات من دون أن تتساءل، لا عن أسبابها، ولا عن استهدافاتها، ولا عما ستؤول إليه، وإلى ماذا ستؤدي بالشعوب وبالأطروحات والأهداف الجماهيرية التي كانت على لسان الفرد العربي حتى عقود قليلة ماضية، كالوحدة العربية، والتكامل العربي، والمصير المشترك . وهي أهداف صحيحة ذات آمال عريضة قادرة فيما لو تحققت على الأجابة عن كثير من الآمال والأهداف والتساؤلات الجماهيرية الشعبية العربية، كأسئلة الديمقراطية وتحسين الظروف الحياتية، والمحافظة على كرامة الفرد العربي في كل مواقعه .
للأسف يرافق هذه الظاهرة غياب شبه مطلق للأحزاب العربية على المستوى القومي، وتقصير في عمل الأحزاب الوطنية على المستوى القطري للتأسيس للصيغ القومية . الحصيلة: افتقاد وتآكل متدرج للصيغ القومية الفاعلة، اللهم إلا من صيغ قديمة لا تتناسب بصيغها التنظيمية، ولا برؤاها المستقبلية، ولا بأساليب عملها مع المهمات ومجابهة التحديات والمخاطر المحدقة والمتربصة .
جاء ما سمي ب “الربيع العربي” ليصاعد من درجة تفاؤل الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، ثم ما لبث أن تمت مصادرته من قبل قوى تحاول إرجاع التاريخ إلى الوراء . لا تؤمن بالصيغ القومية بل تدعو إلى تنظيم عالمي لأداتها التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى العودة بالطرح الجمعي القومي العربي عقودا إلى الوراء . وساهم في تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية في الوطن العربي وزيادة حدة تناقضاتها . الأمثلة كثيرة على صحة ما نقول: ما جرى في العراق، وما يجري في العديد من البلدان العربية حالياً، انفصال الجنوب السوداني عن السودان، الأوضاع في الجزائر وليبيا والعراق وسوريا وغيرها، حيث تحولت الأهداف الوطنية إلى صراع طائفي . (هكذا أريد له ويراد له أن يكون) . للأسف، الحراكات الجماهيرية العربية لم تكتمل بمشاركة الأحزاب والحركات والجماعات الوطنية التقدمية الديمقراطية، القومية، التي ترى الصراعات على حقيقتها سواء في بلدانها أو على المستوى العربي .
القوى التي تسلمت الحكم في بلدان “الربيع العربي” حرصت وما تزال على إبعاد هذه الأخيرة عن التأثير في قرارات بلدانها من خلال تفردها هي بالحكم واستئثارها به .
من جهة ثانية، فإن هذه القوى لم تستطع السير بالحراكات الجماهيرية في بلدانها إلى نهاية أشواطها، وبالتالي عجزت عن تحقيق مكاسب لها على المستويين الوطني والقومي .
في أسباب الظاهرة المعنية حتما ستتعدد الآراء والاجتهادات . لا ننكر نظرية المؤامرة، خارجية بالتعاون مع قوى داخلية على شاكلة “داعش” وأمثالها، لكن المؤامرة لا يجب أن تظل الشماعة التي نعلق عليها كل تقصيراتنا وإخفاقاتنا وعجزنا . نحن مقصرون . لم تستطع كافة القوى الوطنية والديمقراطية إيجاد صيغ عمل جماعية وتوحيد الشعارات في الرد على القوى التي سرقت مكتسبات الحركات الجماهيرية في العديد من بلدان “الربيع العربي” .نعم، لم تستطع توحيد شعاراتها المطلبية الآنية، السياسية التكتيكية، فما بال الاستراتيجية؟ من الأسباب أيضاً إلهاء المواطن العربي بمسؤوليات الحياة اليومية في أقطار عربية كثيرة، الأمر الذي ساهم في إبعاده نسبياً عن حياته السياسية، وبالتالي لم تستطع عملية التغيير في أكثر من بلد، الوصول إلى نهاياتها الطبيعية . استطاع أهل الخطاب الديني سرقة هذه المكتسبات حتى في الانتخابات .
الصراعات الطائفية والمذهبية المتصاعدة في الوطن العربي ستؤدي إلى ظواهر سلبية كثيرة، منها عمى الألوان في رؤية الحدث! يبقى القول: إنه وفي حالة استمرار هذه الصراعات، سنصل إلى مستويات أعمق في بئر التردي، بانتظار ظروف وعوامل وقوى جديدة ووعي شعبي يدرك مدى خطورة الأوضاع .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2177857

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2177857 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40