الأربعاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

تونس والنتائج والثورة الحاضـرة

الأربعاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par ياسر الزعاترة

من تابع الحشود التي جمّعتها حركة النهضة خلال الحملة الانتخابية، مقابل الحشود التي جمّعها حزب نداء تونس، لم يكن يتخيل أن النتيجة ستكون على هذا النحو، بتقدم الأخير بفارق ليس كبيرا عن النهضة، لكن من يعرف طبيعة الوضع في تونس، وربما في أكثر الدول العربية يدرك أن الأمر ليس مستغربا إلى حد كبير.
في تونس دولة علمانية، بل طاعنة في العلمانية سعت لتغريب المجتمع منذ عقود طويلة، وفي تونس دولة عميقة تتألف من جيش وأمن وشبكات مصالح تشكلت على هامش النظام السابق، وفي تونس تيارات علمانية ونقابية لها حضورها أيضا، وهنا قام الباجي السبي بتجميع هؤلاء جميعا في قائمته، أعني جميع الخائفين من تفوق النهضة وإمساكها بزمام الأمور.
ومن يتذكر على سبيل المثال كيف حصل أحمد شفيق على أقل من نصف الأصوات بقليل في انتخابات الرئاسة المصرية، وهو فلولي فاقع؛ سيدرك أن ما جرى في تونس لم يكن غريبا إلى حد كبير.
كان بوسع النهضة أن تصر على قانون العزل السياسي وتمرره من خلال البرلمان السابق، لكنها اختارت المسار الذي يحافظ على الثورة ومعها الاستقرار، ولو في الحد الأدنى بدل المغامرة بتفجير الأوضاع، بل إن بعض التجاوزات التي شابت الانتخابات من خلال مؤسسات الدولة التي رصدتها النهضة قد جرى التجاوز عنها من أجل الحفاظ على المسار الراهن.
لا شك أن الدولة العميقة بمؤسساتها وشبكات المصالح التي تعمل في إطارها، مع شبكة المال، والأهم شبكة الإعلام قد فعلت فعلها في الوصول إلى النتيجة الراهنة، وهي نتيجة ليست سيئة في كل الأحوال، فالقوى الثورية إلى جانب النهضة حصلت على ما يقرب من نصف الأصوات، وهي تبعا لذلك ستكون أمينة على مسار الثورة، بصرف النظر عن طبيعة التركيبة التي ستتشكل منها الحكومة المقبلة.
حصل التونسيون على دستور ديمقراطي، وفيه ضمانات متميزة للحرية، واليوم يحصلون على برلمان تعددي أيضا. ولن يكون بوسع حزب نداء تونس في حال شكل الحكومة أن يتجاهله، مع أن احتمال الائتلاف مع النهضة يبقى واردا، وإن كنت أفضل شخصيا بقاء الحركة في المعارضة تراقب مسار الحفاظ على روحية الثورة من عبث العابثين، وتنتظر جولة مقبلة، مع عمل حثيث في البلديات وسواها، إلى جانب الرقابة على الوضع برمته.
ما نريد قوله هو أن ما جرى ليس سيئا بحال، والحزب الفائز هو عبارة عن تركيبة مصالح (على شاكلة حزب بن علي، بل نسخة منه) أكثر منه حزبا أيديولوجيا بطرح متماسك، فيما تقف قبالته أحزاب أكثر تماسكا تتصدرها النهضة، وإذا ما قرر استعمال عصا الدولة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فلن يكون بوسعه ذلك.
بل إنني أكاد أقول إن ما جرى ربما يكون خيرا في هذه المرحلة، فليتحمل الحزب «الكوكتيل» مسؤوليته، وليحكم الجميع على ما يمكن أن يفعله في المستقبل لصالح المواطن التونسي.
ما جرى مسار جيد جدا للحفاظ على الثورة وعلى الدولة، وعلى تماسك المجتمع التونسي في آن معا، ولا يمكن القول إنه تطور سلبي ضد مسار الثورة إذا ما تذكرنا جميعا ما حدث وما يحدث في المحيط العربي برمته، والمواقف الإقليمية والدولية.
هو في النتيجة مسار إنقاذ معقول للثورة في ظل أجواء عربية وإقليمية ودولية بائسة، فيما سيتذكر الجميع لحركة النهضة، وللمنصف المرزوقي وآخرين حرصهم على مسار استكمال الثورة، وهؤلاء سيدخلون كتاب التاريخ بوصفهم من سعوا بكل ما ملكوا من قوة وإرادة من أجل الحفاظ على ثورتهم وبلدهم.
ليتذكر الجميع أنه بعد قرون من خلل ميزان القوى مع الغرب، ومن تحكم أنظمة تسلطية بالمشهد العربي، فإن إخراج الإنسان العربي من هذه الدائرة الجهنمية لن يحدث بين عشية وضحاها، ولا بد من الصبر والإصرار، لكن النهاية هي أن الزبد سيذهب جفاءً، ولا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس بإذن الله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2180696

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع ياسر الزعاترة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2180696 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40