الخميس 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

الاعتراف البريطاني….ليس تصحيحا “للظلم التاريخي”!

الخميس 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د. فايز رشيد

ترحيب وزير خارجية السلطة الفلسطينية، باعتراف مجلس العموم البريطاني، بدولة فلسطين، رغم أنه قرار رمزي لا يلزم الحكومة البريطانية، ترحيبٌ مفهوم وجيد. غير أن الوزير الفلسطيني رياض المالكي، اعتبره في ذات الوقت: “تصحيحاً للظلم التاريخي “الذي اقترفته بريطانيا، بحق الفلسطينيين بأنها “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، مشير بذلك إلى وعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور عام 1917 الذي تعهد فيه” بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين.
ليعذرنا وزير الخارجية الفلسطيني القول: بأنه في رد فعله كممثل للسلطة الفلسطينية، بالغ وعاظم كثيراً في الخطوة البريطانية، فبريطانيا قبل عام 1917 تحالفت مع المنظمات الإرهابية في قتل وترويع الفلسطينيين والتنكيل بهم. كما ساعدت الحركة الصهيونية في إغراق فلسطين، بالمهاجرين اليهود من المستوطنين، وساعدت على ترحيل الفلسطينيين. بريطانيا وبعد احتلالها فلسطين (تحت راية الانتداب!!) حكمت على عشرات الفلسطينيين بالإعدام لمجرد أن وجدت قواتها معهم، أسلحة بسيطة كالمسدس، والبنادق القديمة. من هؤلاء الشهداء الثلاثة، (محمد جمجموم، فؤاد حجازي، عطا الزير)، وقد أعدمتهم في يوم الثلاثاء (عُرِف فيما بعد …بالثلاثاء الحمراء) في 17 يونيو عام 1930 وغيرهم وغيرهم من الفلسطينيين. حكمت بريطانيا على الآلاف من الفلسطينيين، بسنوات سجن طويلة، لمجرد سيرهم في مظاهرات سلمية ضد التعاون الصهيوني ـ البريطاني، هذا في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا، تصدر الأسلحة الحديثة حينذاك إلى المنظمات الإرهابية الصهيونية، لتقوي من شوكتها على الفلسطينيين. كما ساعدت، تلك المنظمات من عصابات القتل الصهيونية، على الهجمات التي كانت تشنها على مواقع الثوار الفلسطينيين والعرب، وتساندها من الخلف، بدك المواقع العربية بالقذائف المدفعية. القوات البريطانية حين كانت تقوم بتفتيش البيوت الفلسطينية، تجمع الفلسطينيين في الجوامع، تدخل البيوت وتتلف مخزون البيت وتمويله: تكب الكاز والزيت، على السمن والسكر والأرز والزيتون. هذا كان مسلكاً عاماً للقوات البريطانية.
بريطانيا ساعدت ومهدت لقوات عصابات القتل الصهيونية، اقتراف العديد من المذابح في القرى والبلدات الفلسطينية، وكانت أبرزها: مذبحة دير ياسين في عام 1947، وقد تبنتها المنظمتان الإرهابيتان الصهيونيتان “أرجون”و”شيرين” وذهب ضحيتها 360 شهيداً، وغيرها وغيرها من المذابح. إن كل اللجان التي شكلتها بريطانيا للحل في فلسطين، وبالرغم من محاولات صياغاتها اللفظية المتوازنة بين العرب واليهود، كانت تتم بالمعنى التطبيقي الفعلي، لصالح اليهود!.تكرر ذلك في”لجنة بيل” وما أصدرته من كتاب أبيض أول في عام 1936، ولجنة” وودهيد” وما أصدرته من قرارات عُرفت” بكتاب نوفمبر” عام 1938، والكتاب الأبيض الثاني عام 1939. الاعتداءات الصهيونية على المناطق المخصصة للعرب كانت تتم على مرأى ومسمع من القوات البريطانية، ومن يود معرفة حقيقة السياسة البريطانية في فلسطين، فليقرأ كتبا عديدة مختصة بهذا الموضوع، ولعل أبرزها: كتاب “التطهير العرقي للفلسطينيين” للمؤرخ الإسرائيلي ذي الضمير: إيلان بابيه، كتاب” اليهود ،اليهودية، والصهيونية” للدكتور عبد الوهاب المسيري، “مذكرات المناضل بهجت أبو غربية” البريطاني بجزأيها الأول والثاني، كتاب ” فلسطين والانتداب البريطاني” للدكتور كامل محمود حارة، وغيرها.
في سبيل المزيد من الضغط على بريطانيا، للوقوف أكثر مع العصابات الصهيونية، قامت الأخيرة بعمليات ضد مواقع بريطانية في فلسطين وخارجها، كان من أبرزها: اغتيال الوزير البريطاني لورد موين في نوفمبر عام 1944 في القاهرة. قتل العديد من الجنود والضباط البريطانيين وبخاصة بين العامين 1944-1945. اختطاف رقيبين بريطانيين وقتلهما عمداً والتنكيل بجثتيهما ورميهما. في عام 1946 قامت العصابات الصهيونية بتفجير فندق الملك داود في القدس وذهب ضحية الحادث ما ينوف عن 90 شخصاً. تفجير السفارة البريطانية في روما عام 1946. اغتيال وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت في سبتمبر عام 1948، تحت تهمة الانحياز للجانب العربي. معروف أن المنظمات الصهيونية قامت بتفجير سفن مهاجرين يهود في عرض البحر المتوسط، لكسب المزيد من التعاطف مع مطالب اليهود بوطن قومي، ولمزيد من الضغط على بريطانيا لعدم تحديد الهجرة وتقنينها. رغم ذلك لم تأخذ قوات الاحتلال البريطاني أية خطوات جدية عقابية ضد المنظمات الإرهابية الصهيونية، كما أنها ساعدت هذه المنظمات على إقامة الشق المتعلق بإنشاء دولة إسرائيل (من قرار التقسيم للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في 29 نوفمبر عام 1947) وعرقلت بالمعنى الفعلي تحقيق الجزء المتعلق من القرار، بإنشاء دولة عربية. يمكن إلقاء الضوء على العديد من هذه القضايا، في كتب كثيرة مختصة، من أبرزها:”حرب فلسطين 1947-1948″الرواية الإسرائيلية الرسمية للمؤلف: أحمد خليفة، كتاب”مأساة فلسطين بين الانتداب البريطاني ودولة إسرائيل” للمؤلف أحمد زكي الدجاني. رغم كل القتل الصهيوني للبريطانيين، تركت بريطانيا قبل الانسحاب من فلسطين، تركت طائراتها وأسلحة قواتها، للجيش الإسرائيلي الذي تشكل آنذاك من إرهابيي منظمات القتل الصهيوني، ثم أعلنت بريطانيا انتهاء تواجدها في فلسطين وقامت بسحب قواتها. بعد ذلك ومباشرة:جرى إعلان قيام دولة الكيان وتم قراءة ما سمي”بوثيقة الاستقلال” . عماذا ينم ذلك؟ عن اتفاق مسبق صهيوني – بريطاني للانسحاب البريطاني وإنشاء إسرائيل؟! أليس كذلك؟ بريطانيا تحالفت مع إسرائيل وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر في عام1956.
راهناً، ومثلما قلنا سابقاً : قرار مجلس العموم البريطاني، لا يُلزم حكومة المحافظين برئاسة المتشدد ديفيد كاميرون (وهي الموالية تماماً لإسرائيل والمنحازة لها في كل مواقفها)، بتنفيذه. ثم إن القرار، لا يتحدث عن حدود الدولة الفلسطينية على كل أراضي عام 1967، التي احتلها الكيان الصهيوني عام 1967، لكن رغم كل ذلك، فهو قرار إيجابي، وخاصة بعد اعتراف السويد بالدولة العتيدة.
السياسة الإسرائيلية وصفت القرار البريطاني”بأنه يقوض عملية السلام”. الموقف الصهيوني هو ضد أي خطوات فلسطينية، ودولية، من جانب واحد (دون التشاور مع إسرائيل). الاعتراف للأسف لن يساعد في ترجمة الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة، واقعاً على الأرض. يحضرني في هذا الموقف ما كان الإرهابي مناحيم بيغن قد صرّح به : “لو أن كل دول الأمم المتحدة أجمعت على قرار يخالف السياسة الإسرائيلية، فلن يجري تنفيذ أي قرار سوى القرار الإسرائيلي!”. تصوروا العنجهية والصلف؟!.
جملة القول: إن الحكومات البريطانية بحاجة إلى فعل الكثير، وعلى مدى قرون زمنية قادمة طويلة، لصالح الشعب الفلسطيني، بالمعنى الفعلي والتطبيق على الأرض. ذلك، حتى تقوم بتصويب جزءٍ بسيط مما اقترفته من ظلم تاريخي بحق الفلسطينيين ومعاناتهم الشديدة وتهجيرهم من بلدهم، وإلغاء وطنهم من القاموس … لصالح حليفة بريطانيا وأميركا والاستعمار: دولة الكيان الصهيوني.

مقال ثاني

- أصابع الكيان في أوكرانيا

الكيان يوظف الصراع في أوكرانيا من أجل مصالحه . هذا ما لا نقوله نحن فقط، وإنما تنطق به الحقائق : استجلاب أكبر نسبة من يهود أوكرانيا إلى “إسرائيل” وعددهم فيها يبلغ حوالي نصف مليون . إلهاء روسيا عن منطقة الشرق الأوسط وبخاصة بعد توقيع صفقة أسلحة حديثة بين روسيا ومصر، تورّد بموجبها الأولى مقاتلات وصواريخ متطورة من طراز S- 300 وأنظمة دفاعية أخرى . محللون “إسرائيليون” كتبوا على موقع “تيك ديبكا” القريب من الاستخبارات “الإسرائيلية” بأن “صفقات الأسلحة الروسية - المصرية تشكل خطراً على ميزان القوى في الشرق الأوسط” . هذا ما تحققه دولة الكيان من تأجيج الصراع في أوكرانيا . لقد وقّعت “إسرائيل” وأوكرانيا اتفاقية لزيادة عدد الرحلات الجوية الأسبوعية من 21 رحلة إلى 48 رحلة . الصهيوني بيرنارد ليفي تواجد بين صفوف المتظاهرين الأوكرانيين أكثر من مرة . نسأل: ماذا كان يفعل؟ عضو الكنيست الفاشي موشيه فيغلين وفي مقابلة له مع الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” مؤخراً قال: “على”إسرائيل“أن تكون مستعدة لاستقبال هجرة ضخمة لليهود من أوكرانيا خلال الفترة القريبة المقبلة” . هذا غيض من فيض الحقائق المتعلقة بالتدخل الصهيوني في أوكرانيا .
المخطط الصهيوني لأوكرانيا هو جزء من مخطط أمريكي- غربي يتمثل في حلقات ثلاث: محاصرة روسيا وتوريطها في نزاع صراع على حدودها، فكانت قضية أوكرانيا المضي قدماً في مشروع الفوضى الخلاقة، فكان إنشاء مشاريع التنظيمات المتطرفة: “داعش” و“النصرة” وغيرهما، وكان ما حققه “داعش” وغيره من التنظيمات الأصولية المتطرفة في العراق وسوريا ومحاولة الامتداد إلى دول عربية أخرى . الحلقة الثالثة: نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والإشارة إلى “إسرائيل” بالبدء في عدوانها . هذا يتقاطع مع الهدف “الإسرائيلي” في نزع أسلحة المقاومة .
هذه الخطة بحلقاتها الثلاث جرى بحثها في مؤتمر هرتسيليا الأخير (14) الذي انعقد ما بين 24- 31 يونيو/حزيران الماضي، والذي حضره قادة سياسيون وعسكريون “إسرائيليون” إضافة إلى الخبراء الاستراتيجيين من أصدقاء “إسرائيل” وبخاصة من الولايات المتحدة . جزء من قرارات هذا المؤتمر والأخرى السابقة تبقى سرية، لكن المحاضرات بشأنها تكون علنية، ويجري نشرها في وسائل الإعلام “الإسرائيلية” المختلفة .
من قبل: ثبت بالملموس تسلل اليهود الصهاينة إلى مواقع مؤثرة في المفاصل السوفييتية في الإعلام، في الأجهزة المختلفة للدولة، في أكاديمية العلوم السوفييتية، في الحزب الشيوعي السوفييتي بما في ذلك لجنته المركزية ومكتبه السياسي . (هذا ما تقوله وثائق سوفييتية كثيرة جرى نشرها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي)، لكل ذلك وكما ثبت، فإن الصهاينة لعبوا دوراً أساسياً في انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية . بالنسبة لأوكرانيا كان من الطبيعي أن تخضع هذه الجمهورية لنفس مقاييس نشاطات الحركة الصهيونية في الاتحاد السوفييتي .
في أوكرانيا يوجد ما يزيد على نصف مليون يهودي في أوساطهم أثرياء كثيرون، من بين هؤلاء، أرسين ياتسنيوك رئيس حزب “جبهة التغيير”، بيترو بوراشينكو خامس مليادرير في أوكرانيا لعب دوراً في عهد الرئيس يوشنكو عام ،1995 وشغل منصب سكرتير الأمن القومي قبل أن يصبح وزيراً . فكتور بنشوك ثاني مليادرير في أوكرانيا، صاحب خمس قنوات تلفزيونية فضائية .إيغور كولومسكي الذي يعتبر أغنى رجل في أوكرانيا، صاحب بنك “برايفت”، وصاحب ثلاث قنوات تلفزيونية . وغريغوري سوركيس رئيس نادي دينامو كييف .هؤلاء غيض من فيض نفوذ الحركة الصهيونية في أوكرانيا . هؤلاء الأثرياء يوظفون أموالهم ونشاطاتهم السياسية في خدمة الكيان والحركة الصهيونية عموماً .
التدخل الصهيوني في تأجيج الصراع في أوكرانيا هو استكمال متمم لذات التدخل في الأزمة الجورجية في عام ،2007 والذي لم يبق سراً، وجرى نشر الكثير من تفاصيله علناً .
وحول أحداث أوكرانيا نستكمل القول: لقد استمرت هذه الأحداث لشهور طويلة تحت عنوان: الحراكات الأوكرانية للمعارضة .في هذه الحراكات وقع قتلى وجرحى وبخاصة من قوات حفظ النظام . جرى تدمير العديد من المباني الحكومية . جرت اعتقالات، وعمليات خطف ونهب، وسرقات وتخريب للممتلكات والمنشآت الحكومية . ما جرى في أوكرانيا لم يكن مواجهة بين سلطة (مجرمة) ومتظاهرين (سلميين وديمقراطيين)، إنه صراع بين القوى المتعددة على السلطة ومنها قوى يمينية نازية متطرفة تحوز دعماً مطلقاً من التحالف الأمريكي - الغربي - الصهيوني . لذلك غذّت هذا الصراع كل من هذه الأطراف الثلاثة . القوى اليمينية الأوكرانية موحدة إيديولوجياً وشعاراتها هي غربية أمريكية صهيونية بامتياز . لقد كشفت المصادر(بما فيها مصادر “إسرائيلية”) مشاركة 300 جندي “إسرائيلي” (من اليهود الأوكرانيين الذين هاجروا إلى “إسرائيل” وأدوا الخدمة العسكرية فيها، وعادوا إلى بلدهم الأم في بداية الأحداث) .
هذا يؤكد صورة التحالف النازي التي شهدناها في ثلاثينات القرن الماضي بين هتلر وزعماء الحركة الصهيونية، لدعم هجرة اليهود إلى “إسرائيل” مقابل إعطاء الحركة الصهيونية لمعلومات عن التجمعات اليهودية في أوروبا للنازيين .
لقد جرى توقيع عدة اتفاقيات بين المعارضة والحكومة، وجرت انتخابات ونجح مرشح المعارضة إلا أن الأوضاع لم تهدأ رغم الاتفاق بين أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي . صحيح إن وقفاً لإطلاق النار بين الأطراف المتصارعة، قائم حالياً، لكن الأزمة الأوكرانية لم يجر حلها والصراع ما زال مفتوحاً على احتمالات كثيرة . كل ذلك يشي بأن القوى الصهيونية ما زالت تعمل على تأجيج الصراع في أوكرانيا .
لقد ساعدت روسيا أوكرانيا بمليارات الدولارات وأعلنت أنها على استعداد لإعطائها 15 مليار دولار في الوقت الذي امتنع فيه الغرب عن مد أوكرانيا بالمال . روسيا تمد أوكرانيا بالنفط والغاز بأسعار تفضيلية . روسيا ليست على استعداد لخسارة أوكرانيا، لتكون بولندا جديدة تتمركز فيها قوات حلف الناتو وصواريخ الدرع الأمريكي، وهي لن تقف مكتوفة الأيدي من إمكانية انزلاق تام لأوكرانيا في مخططات حلف الأطلسي .الأمر مرهون بتطورات الصراع على الأرض .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 65 / 2166038

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2166038 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010