الأربعاء 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

توافر السلاح يؤدي إلى عدم استخدامه

الأربعاء 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

لعشرات السنوات، كان إدخال قطعة سلاح إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أهم أحلام الكثيرين. وهناك العديد من القصص التي يمكن إيرادها بشأن محاولات مناضلين إدخال هذا السلاح بطرق مختلفة، وحالات نجاح قليلة، وحالات فشل أكثر. والآن، توجد (نسبيا) كميّات هائلة من السلاح في الأراضي الفلسطينية. وما يحدث في هذا المجال هو حالة مثالية (ليست مهمة لذاتها)، تثبت تعقيد عمليات قيادة الصراع؛ والمقصود الظاهرة الصراعية ككل، وليس فقط الصراع العربي-الإسرائيلي.
في علم الصراع والعلاقات الدولية هناك مقولة شائعة، هي أنّ أفضل استخدام للقوة العسكرية هو عدم استخدامها؛ بمعنى أن يحقق السياسيون ما يريدون بفضل القوة العسكرية، ولكن من دون استخدامها فعليّاً. وهذا يتحقق، مثلا، إذا وفرت القوة العسكرية قدرة ردع تجعل الخصوم يخشونها، أو وَفّرت قوة تُخيف الأطراف الأخرى وتَدفَعها للاستجابة للدولة صاحبة تلك القوة خوفاً من العقوبات. وبالتالي، تكون القوة العسكرية قد فعلت فعلها وهي ساكنة. ولكن ليست هذه الحالة تماماً في الصراع العربي-الإسرائيلي، إلا إذا اعتبرنا أنّ القوة العسكرية الإسرائيلية باتت تفرض حسابات معقدة على الفلسطينيين والعرب.
بفضل اتفاقيات سياسية في الضفة الغربية، لم يعد السلاح المتوافر يشكل قلقاً أمنيّاً إسرائيلياً حقيقياً. والحديث هنا عن سلاح أجهزة الأمن الفلسطينية، رغم أن جزءا كبيرا من العاملين فيها مقاتلون ومناضلون سابقون. وفي غزة، ورغم الحروب المتكررة، فإنّ هذه الحروب من الطرف الفلسطيني هي، في المقام الأول، دفاعية. وحتى لو سلمنا جدلا أنّها في حالات تُعبّر عن رد فعل على أزمات سياسية ومالية لبعض الفصائل الفلسطينية، فإنّ الأكيد أنّ هذا السلاح في أحسن الأحوال هو للردع والدفاع (وهو بهذا مهم جداً)، وبغرض “التحريك” السياسي (وهي وظيفة معتادة للتحرك العسكري). ولكن مطالب الهدنة واضحة جداً في غزة، وتهدف إلى تهدئة هذه الجبهة تماماً. وبالتالي، فإنّ الأطراف الفلسطينية الأساسية لم تعد ترى في السلاح (المتوافر بكثرة) سبيلا للتحرير، ولا يوجد أي طرف فلسطيني أساسي يطرح أنّه يريد أو يستطيع التحرير بالكفاح المسلّح؛ كأن يطرح، مثلا، أنّه يريد غزة (أو غيرها) قاعدة لتحرير كل فلسطين، بل حتى إنّ من ينادون بتحريك جبهة الضفة، يريدون انسحاباً من الضفة على أساس تسوية للصراع، وليس “تحرير كل فلسطين”، كما كان يقال قبل عقد من الزمن فقط، من قبل حركات مثل “حماس”.
هذا لا يمنع من حقيقة هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية، بحيث أنّ أي مجموعة صغيرة تتحرك تحركاً ذاتيّاً، ومن دون فكر استراتيجي، أو قرار مركزي، قد تؤدي إلى خلط الأوراق، على نحو ما حدث في حالة عملية حجز المستوطنين الثلاثة في الخليل مؤخراً، وقتلهم.
لا يوجد مبرر أبداً لتنازل الفلسطينيين عن حقهم في الكفاح المسلّح باعتبارهم شعبا تحت الاحتلال، من دون أن يعني هذا بالضرورة ممارسة هذا الحق في السياق الراهن على الأقل. ولكن الأكيد أنّ النظر إلى هذا الواقع التاريخي، حيث تحقق هدف كثيرين بتوافر السلاح، رافقه تخل استراتيجي عن هذه الأداة من أدوات الصراع، أو بكلمات أدق التخلي عن استخدامها للتحرير. وهذا ما يجب أن يدفع للتفكير في تعقّد كل وجه من وجوه الصراع، والتأكد أنّه علم وفن يحتاج إلى مهارات كبير في التعاطي معه.
في مقدمة ما يجب الاتفاق عليه في سياق إدراك حالة الهدوء المرافق لتوافر السلاح العسكري (والذي بلا شك يبقى بعيداً جدا عن تحقيق أي نوع من التوازن مع الترسانة العسكرية الصهيونية)، هو أنّ أنواعا أخرى من الاشتباك يجب أن تجري مع الإسرائيليين؛ قانونياً وسياسياً وجماهيريا ومدنيّاً، بما يضمن استمرار المقاومة بأشكال مختلفة. وبالتالي، يصبح الحديث عن قواعد اشتباك جديدة، بأنواع مختلفة، يجدر التفكير فيها مليّا. فالتوافق على تجميد الاشتباك العسكري، لا يعني أبداً عدم الاشتباك في جبهات أخرى، طالما استمر الاستيطان، وخصوصاً مع التعنت الإسرائيلي في التوصل لأي تسوية مقبولة، وطالما أن المجتمع الدولي يعلن أنّ الإسرائيليين محصنون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2177806

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2177806 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40