الأربعاء 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

سيناريو الصوملة في سماء اليمن

الأربعاء 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par فيصل جلول

على الرغم من تفاوت الآراء حولها بين مؤيد وشاجب، فإن غزوة “أنصار الله” العسكرية على صنعاء قد غيرت وهي بصدد تغيير مجمل أوراق اللعبة في اليمن، وبالتالي ما كان مرسوماً من قبل في مخرجات الحوار الوطني بات عليه اليوم علامات استفهام كثيرة . بل ثمة من يذهب إلى أبعد من ذلك بالقول: إن “اتفاق السلم والشراكة” الذي وقعه الحوثيون مع الأحزاب اليمنية المعارضة والموالية، على حد سواء، صار البديل الطبيعي لوثيقة الحوار الوطني والموضوعات التي تضمنتها والمقترحات التي خرج بها المتحاورون .
وحتى نرى بأي اتجاه سيذهب اليمن بعد سبتمبر/أيلول الماضي لابد من الوقوف عند التغيير الذي طرأ على ميزان القوى السياسي الذي كان يتمحور على الأرض حول أربعة أقطاب هي اللقاء المشترك و“أنصار الله” والمؤتمر الشعبي العام، وقد صار اليوم يتمحور حول “أنصار الله” والمؤتمر الشعبي العام والحراك الجنوبي . أما أحزاب اللقاء المشترك فماعادت ذات وزن كبير بعد أن أصيب محورها الأهم وهو التجمع اليمني للإصلاح بضربة قاصمة، سواء كان في جناحه القبلي ممثلاً في أسرة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أو الجناح العسكري ممثلاً في علي محسن الأحمر قائد لواء الفرقة الأولى مدرع التي كانت تستقر في قلب صنعاء وتشكل ضغطاً مباشراً على كافة مؤسسات الحكم . ولو حسبنا ميزان القوى الجديد بحسابات عسكرية يمكن القول: إن الحوثي والمؤتمر الشعبي يملكان تقرير مصير القسم الأكبر من القضايا اليمنية المطروحة في حين يسعى الإصلاح إلى تحسين مواقعه على الأرض، لكن من دون نجاح كبير بحسب أوساط مطلعة تعتقد بأن تقرب بعض قادته من “القاعدة” كما تشيع أوساط متعددة للرد على الحوثيين يضعفه كثيراً في اللعبة السياسية الداخلية ويوسع عداء السعودية ضده ويلقي عليه الجرم في الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب .
يعني ما تقدم أن التجمع اليمني للإصلاح بات محكوماً اليوم باللجوء إلى أقصيين: الأول هو أقصى اليمين المتطرف ممثلاً في القاعدة أو “داعش”، والثاني هو الاصطفاف بعيداً عن الإخوان المسلمين و المغامرة بعدم ربح أي من الطرفين .
والمتغير الثاني يتمثل في سقوط مخرجات الحوار الوطني وبالأخص مشروع الاقاليم والدولة الفيدرالية الذي يصفه الحوثيون بالمشروع الأمريكي، ومن غير المعروف بعد ما إذا كانوا سيدعمون مشروع الدولة الاندماجية المركزية في صنعاء أم أنهم سيؤيدون انفصال جنوب اليمن عن شماله . وللتذكير فقط نقول: إن موقف الحوثيين الرسمي من الحراك الجنوبي ينص على أن الحوثيين يقبلون بحل للقضية الجنوبية يرضي الجنوبيين، وهذا الكلام المشروط ينطوي على تفاسير مختلفة فهو يمكن أن يعني الموافقة على الانفصال أو العودة إلى اتفاقية الوحدة الاندماجية بشروط الجنوبيين ويمكن أن يعني أيضاً اللعب على الانقسامات الجنوبية - الجنوبية، والقول: ماداموا غير متفقين فمن الصعب دعم خيار فئة واستبعاد فئة أخرى .
والمتغير الثالث يتمثل في إعادة تموضع المؤتمر الشعبي العام الذي خسر عدوه الشرس ممثلاً في الثنائي علي محسن وحميد الأحمر، من دون أن يربح الحوثيين الذين ينسبون إلى رئيس اليمن السابق حروب صعدة الستة، بيد أن فرص الاتفاق بين “أنصار الله” والمؤتمر الشعبي العام تبدو اليوم أفضل مما كانت عليه في أي يوم آخر . فالرئيس السابق علي عبدالله صالح كان شريكاً في انتصار الحوثيين على الإصلاح، ويمكنه أن ينسب حروب صعدة إلى جنرال الفرقة الأولى مدرع الذي قاد بنفسه عمليات القتال التي أدت إلى القضاء على حسين بدرالدين الحوثي صاحب الملازم الحوثية الشهيرة ومؤلف عقيدة الشباب المؤمن أولاً، من بعد “أنصار الله”، يمكن لإعادة صياغة التحالف بين الطرفين أن تحظى برعاية إقليمية ودولية بيد أن من المبكر الحديث عن هذا الاحتمال الذي لا تتوفر حوله مؤشرات قوية بعد .
والمتغير الرابع يتمثل في الحراك الجنوبي الذي يترأسه علي سالم البيض، نائب رئيس الجمهورية اليمنية السابق . فالحراك صار اليوم قادراً على المناورة من أجل الانفصال أكثر من ذي قبل . فمن جهة تستعر الانقسامات المذهبية، وبالتالي صار بوسعه القول: إن جماعته لا مصلحة لهم بالاتحاد مع حكم مركزي يغلب عليه الانتماء لمذهب مختلف، وصار أيضاً قادراً على تبرير الانفصال بحالة الفوضى التي تهدد البلاد وصار أيضاً يتمتع بدعم جزئي من إيران، وربما من دول أخرى تحت الطاولة . لكن هذا التيار يعاني أيضاً احتمال التشظي إذا ما عاد إلى الوراء، ذلك أن المحافظات الجنوبية لا تجمع كلها على حراك البيض ولربما توقظ العودة إلى الوراء مشاريع السلطنات النائمة هنا وهناك، ولربما تفتح الباب على صوملة جنوبية، باعتبار أن الجامع الأهم الذي كان يربط الجنوبيين قبل الوحدة هو الأيديولوجية الماركسية التي ما عادت اليوم ناظماً لوحدتهم وإن اعتقد هؤلاء أن الإسلام السياسي يمكن أن يربط بينهم، فإنهم سيواجهون خيار السلطنات التي كانت قائمة في عهد الاستعمار والتي انهارت تحت ضربات الحزب الاشتراكي اليمني .
تبقى الاشارة إلى أن كل عودة جنوبية إلى الوراء تحتاج إلى ضمان موقف محافظة إبين التي تعتبر عقدة الوصل بين كل المحافظات الجنوبية السابقة، ومعروف اليوم أن ميزان القوى في إبين موزع بين الرئيس عبد ربه منصور هادي و“القاعدة” و“أنصار الشريعة” ويعتبر التيار الانفصالي في المحافظة الحلقة الأضعف، ما يعني أن العودة الانفصالية الى الوراء ليست مضمونة جنوبياً، لأسباب كثيرة من بينها مشكلة إبين .
تلك أبرز المتغيرات بعد سقوط صنعاء وهي تنطوي - كما لاحظنا - على إعادة خلط أوراق كثيرة وتحتم على القوى السياسية اليمنية تفادي الأسوأ أي الحرب الأهلية طويلة الأمد التي يمكن أن تنتهي إلى صوملة قد تبز نظيرتها الأصلية المستمرة حتى اليوم على الجانب الآخر من البحر الأحمر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165561

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2165561 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 32


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010