الجمعة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

ما قبل “تنوفا”؟

الجمعة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

تنظُر إلى القدس من نقطة متخيلة في الأعلى، فتحيّرك العقليّة الإسرائيلية التي تحاصرالمدينة التي تشترك أمم في الأرض بالانتماء لتاريخها وتراثها، أكثر من أي مدينة أخرى.
على وقع قرار مجلس العموم البريطاني، واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، واستيلائهم على بيوت سُلوان، أقرأ كتاب مناحيم كلاين، الصادر حديثاً، “العَيش المشترك: العرب واليهود في القدس ويافا والخليل”.
كانت أعداد اليهود تتزايد في القدس قبل مجيء الصهاينة في القرن التاسع عشر، مهاجرين لاجئين ليس من الغرب فقط، ولكن أيضاً من اليمن. ولم يُمانع العرب أن يصبح اليهود جُزءًا من نسيج المدينة، كانت الغالبية الكبرى من البيوت التي سكنها يهود، ملك العرب المسلمين، وفي حالات قليلة استأجر مسلمون من يهود، كعائلة يعتقد أنّها تسمى “الخطيب” سكنت حي ميئا شريم لليهود المتدينين. وفي العام 1905، كان يهود لاجئون من اليمن، يسكنون الكهوف في التلال المحيطة، انتقلوا إلى سلوان. وفي العام 1908، أجّر يهودي أرضاً لمدرسة عربية، وتبرع لها بقيمة الإيجار.
قصص اليهود والمسلمين والمسيحيين قبل مجيء الصهاينة، قصص حليب، وماء، وموسيقى، وحياة.
في الحليب: كان التجّار العرب يبيعون سلعهم لليهود، شأنهم شأن العرب؛ يوصلون الفحم، والدجاج، والخضار، والبيض لبيوتهم. وقبل العام 1926، كان شائعاً أنّ مزارعين عربا يأتون بشياههم لساحات البيوت يحلبون الحليب هناك مباشرة أمام عيون المشترين، بمن فيهم اليهود.
وفي الحليب أيضاً، تروي امرأة يهودية، كان زوجها يسمى مئير حيفتز، أنّ جارتهم توفيت وتركت رضيعاً اسمه شهاب، رعته وربته. وعندما كبر لم ينسها؛ واظب على زيارتها، وصار كأنه فرد من العائلة. تقول: “أكلَ خُبزي، وشرب حليبي. لم أعطه صدري فقط ولكن اعتنيت به كأم تعتني بابنها. غسّلته، وقمّطته. وكان والده يأتي كل يوم لرؤيته ينمو”.
في الماء: كان “السُقاة” العرب يوصلون المياه بالقِرَاب الجلدية للبيوت خارج القدس. وفي بيوت القدس القديمة، حيث تشترك عائلات في حوش واحد، كانت المسلمات يحترمن يوم السبت عند اليهود، فلا يقمن بانتشال الماء من البئر المشتركة بينهم، لئلا تتسخ الأرض في يوم سبات اليهود. فاحتراماً لجاراتهن اليهوديات، كنّ ينتشلن الماء ويحفظنه من اليوم السابق.
موسيقى: يروي واصف جوهرية، في مذكراته، كيف كانت فرق الموسيقى الأندلسية ذات شعبية، يشترك فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون العرب، وذلك لاعتقاد أنّها إرث مشترك. وكان اليهود الغربيون المهاجرون يحاولون تعلم الموسيقى العربية، ويعزفون معاً في الأعراس والمواسم والأعياد الدينية.
كنعانيون: كان يوسف أستاذا يهودياً يدّرس العربية والعبرية والفرنسية، في مدرسة “ايفيلينا دي روتشيلد”. يتذكر طفولته في سلوان، التي انتقل إليها في سن الخامسة، يلعب مع محمد وفاطمة وعلي وخديجة. ويكتب في مذكراته أن الفلاحين الفلسطينيين “هم أصل العرب”، و“هم أحفاد الكنعانيين، الذين يُعتقَد أنّهم أقدم من سكن فلسطين”. ويقول: “يحافظون على العادات والأخلاق القديمة التي نسيها اليهود”.
ولكن،،
تأسست “تنوفا” العام 1926، لتكون جمعية تجمع المزارعين اليهود، في إطار بناء اقتصاد انفصالي مستقل عن العرب. وتوقفوا عن الشراء من المزارعين الفلسطينيين. والآن، فإن “تنوفا” هي رمز لدعوات العربية لمقاطعة البضائع الصهيونية. كانت بدايتها دعوة للانفصال العُنصِري، فهل تكون نهايتها في إطار رفض استمرار العنصرية الانفصالية؟
كانت ساحات المسجد الأقصى، ومروجه الخضراء (حينها)، مكاناً للنزهة للشباب من كل الأديان. جاء البريطانيون ووعد بلفور، فصار هناك فصل بين الطوائف، وقيود على اختلاطها. ويروي جوهرية طُرفة و“مقلباً” أعده. فهو مسيحي، وكان ذاهباً مع رفاقه العام 1919 لتلك المروج. فأسرَع قَليلاً ودخل الباب مُستَغِلاً شكله العربي، وأشار لصديق مسلم يرافقهم، أزرق العينين، وهمس للجنود البريطانيين أنّه ليس مسلما.
الصهيونية، برعاية بريطانية، انتقالٌ من تَعايُش، ومن اكتساب يهود مهاجرين تدريجيا لهوية عربية، وحليب، وماء، وأمومة، إلى عالم تملؤه الجدران والحواجز.
في القدس الغربية، كان هناك عرب، في بيوت حَجَرُها أحمر؛ صودرت، وطُرد أهلها. وفي الجامعة العبرية، عشرات آلاف الكتب سرقت من بيوتهم، ما تزال تحوي خربشات أياديهم. المستوطنون الآتون إلى سلوان وغيرها ليسوا اليهود الذين لجؤوا واستأجروا يوماً هناك، بل كما في الخليل، يهود أميركيون وروس، مستعمرون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 81 / 2165332

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165332 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010