الاثنين 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

في الحديث عن ثورة المظلات

الاثنين 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par علي بدوان

جزيرة هونغ كونغ ذات الكثافة السكانية العالية والمساحة الجغرافية الضيقة، والتي عادت للسيادة الصينية (المنقوصة) عام 1997 وخروجها من تحت العرش البريطاني، تَبِعها عودة جزر (مكاو) المجاورة لها لسيادة الصين الكاملة عام 1999 بعد استعمار برتغالي مديد. جزيرة (هونغ كونغ)، لؤلؤة مضيئة تَلمع قرب شواطئ بحر الصين الجنوبي، ومعها جزر (مكاو) على مقربة من ساحل مدينة (تشينجن) الصينية، تلك المدينة الحديثة النشأة، والتي قامت وامتدت واتسعت مع ثورة الانفتاح في الصين منذ العام 1978، وباتت مقاطعة هونغ كونغ تتبع لها إدارياً، مع احتفاظها بنظام خاص مُتفق عليه.

مدينة (تشينجن) تحولت من قرية صغيرة الى مدينة كبرى، والى موقع اقتصادي كبير في سياق النمو الهائل في اقتصادات جمهورية الصين الشعبية، وهي في الوقت ذاته مسقط رأس الإصلاحي الكبير الذي قاد التحول المُعاصر في الصين (دنغ سياو بينغ).

جزيرة هونغ كونغ الصينية التي تتبع إداريا لمحافظة (تشينجن) والتي تتصل معها بحرياً عبر نفقٍ سريع تحت الماء، شَهِدت مؤخراً اضطرابات ذات مضمون سياسي واجتماعي عميق (دعاها البعض ثورة المظلات)، هي الأولى من نوعها، وفي أخطر أزمة تشهدها هونغ كونغ منذ عودتها الى السيادة الصينية واستقلالها (المنقوص) عن العرش البريطاني مع نهاية (150) عاما من الاستعمار البريطاني، حيث تقود الجزيرة حكومة منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، وبدستور خاص، في إطار مفهوم «بلد واحد بنظامين»، بحيث يُوفر لمواطني هونغ كونغ «الحق في الحكم بدرجة عالية من الحكم الذاتي، والحفاظ على الحقوق والحريات وسيادة القانون التي كانوا يتمتعون بها أيام الحكم البريطاني» وفقاً لما ورد في إتفاق عودة الجزيرة للوطن الأم عام 1997 وبعد مفاوضات طويلة ومُعقّدة جرت بين الحكومة الصينية وبريطانيا.

الأزمة التي اندلعت في جزيرة هونغ كونغ لها أسبابها القريبة المباشرة، ولها في الوقت نفسه أسبابها البعيدة غير المباشرة. حيث تعيش الجزيرة الصغيرة المساحة منذ العام 1997 حالة من الحيرة وفق معادلة قلقة عنوانها «بلد واحد بنظامين»، بين نظام حكم خاص في إدارة أمورها على كل الصُعد الداخلية والاقتصادية والحياتية والاجتماعية، وبين ولائها المُفترض لحكومة الوطن بأسره والممتدة على مساحة الصين الكبيرة.

ففي الأسباب القريبة والمباشرة، بدأت الأزمة مع إعلان اللجنة الدائمة للجمعية الوطنية الشعبية الصينية (برلمان الشعب الصيني) في آب/أغسطس 2014 من أن رئيس حكومة هونغ كونغ سَيُنتخب بالاقتراع العام المباشر اعتبارا من العام 2017 ولكن من بين مرشحين اثنين أو ثلاثة تختارهم لجنة، وكل واحد منهم عليه أن يَحشُدَ تأييد نسبة لا تقل عن (50%) من أعضاء «لجنة الترشيح» المؤلفة من (1200) عضو، والتي تم انتخابها من قبل (7%) فقط من الناخبين المُسجلين، وحيث ثلاثة أرباع أعضائها على الأقل، يمكن الاعتماد عليهم في اختيار مُرشحين يحظون بقبول الحكومة المركزية، وهو ما أعتبره المحتجون وغالبيتهم من الطلاب، انتهاكاً من جانب بكين للتعهدات التي قطعتها في العام 1997 عند انتقال تلك الجزيرة للسيادة الصينية بعد احتلالها المديد من قبل البريطانيين. كما اعتبروها تقويضاً لشعار «بلد واحد بنظامين»، وتدخلاً من قبل سلطات الحكومة المركزية الصينية ً في شؤون ينبغي أن تقع بالكامل ضمن مجال الحكم الذاتي لهونغ كونغ. فالحركة الاحتجاجية التي يقودها الطلبة مُتمسكة جداً بمبدأ الاستقلال النسبي (الحكم الذاتي) عن المركز في بكين، وتميل في هذا الى جانب بقاء السياسات العامة ذات المضمون الاجتماعي والاقتصادي التي فرضتها بريطانيا على الجزيرة طوال عقود الاحتلال، وحتى على المستوى الثقافي العام. والملاحظ هنا أن غالبية عناصر الحركات الاحتجاجية ينتمون للحركة الطلابية التابعة لرابطة طلاب هونغ كونغ حيث يقف خلفهم أباطرة اسواق المال والمصارف، فيما تغيب عن أعمال تلك الإحتجاجات باقي القطاعات الشعبية الأوسع حضوراً عند القاعدة الاجتماعية لعموم السكان في هونغ كونغ.

أما في الأسباب البعيدة وغير المباشرة، فإن جوهر المسألة يتمثل بوجود صراع كبير يحمل مضموناً طبقياً اقتصادياً داخل مجتمع هونغ كونغ بالرغم من الدخل القومي المرتفع لخزانة المال العام، بين غالبية تعيش ظروفاً بائسة من القهر الاقتصادي، حيث الكثافة السكانية الكبيرة للجزيرة (نحو سبعة ملايين مواطن على مساحة صغيرة)، وبروز الفوارق الطبقية، ووجود الأحياء الصغيرة العشوائية، التي تتسم بسيادة الفقر المُدقع، وبين مجموعات ولوبيات تقود الرساميل المالية، وتدير العملية الاقتصادية، وتمر من بين أصابعها مئات مليارات الدولارات يومياً في أسواق الصرف، إضافة الى مواد أولية وتعاملات بين المصارف، حيث يجري التداول بأسهم كبرى الشركات في القطاع المالي (مثل اتش اس بي سي) والاتصالات (تشاينا موبايل) او الطاقة (بتروتشاينا) وغيرها، حيث تُعتبر سوق هونغ كونغ بمثابة السوق الثالثة الأكثر فعالية في العالم بعد سوقي نيويورك ولندن.

إن تلك المجموعات واللوبيات تريد أن تتحول هونغ كونغ الى مركز مالي مفتوح ودون ضوابط من الحكومة المركزية في بكين، مُتخذة من هونغ كونغ موطناً لها، ومرتبطة بالنظام الذي وضعه البريطانيون للجزيرة، حيث تتطابق مصالحها الضيقة مع استمرار العمل به، وتجنب الإندماج بالوطن الأم إندماجاً كاملاً كحال أي بقعة صينية. لذلك كان من المنطقي أن نرى المظاهرات المقابلة نادت «باستئناف الحياة والنشاط الطبيعيين» لعموم سكان ومواطني جزيرة هونغ كونغ، وتَجَمَعَ معها عشرات الآلاف من المتظاهرين وسط هونغ كونغ لإدانة أعمال العنف بشكلٍ عام، وقد انضم إليهم ناشطون موالون لبكين. لذلك تقلّصت أعداد المتظاهرين بعد الأيام الثلاثة الأولى من وقوع الحركات الاحتجاجية، واستعادت الجزيرة حياة شبه طبيعية، بالرغم من وجود بضع مئات المحتجين تعهدوا متابعة تحرّكهم الى أن تستجيب الحكومة لمطالبهم، وفتحت المدارس مجدداً وعاد الموظفون الحكوميون الى العمل، بعدما أخلى متظاهرون المنطقة أمام مقرّ الحكومة.

وعلينا أن نلاحظ هنا، أن العقلاء من قادة الاحتجاج يُدركون بأن استطالة عملية الاحتجاجات سيلقي بثقله على الاقتصاد المحلي، وقد يؤدي ذلك الى اهتزاز موقع هونغ كونغ كمركز مالي دولي شرقي آسيا في حال تفاقم الوضع، وسيتأثر قطاعي السياحة والتجارة اللذان يُمثلان نحو (10%) من إجمالي الناتج الداخلي، وهو ما قد يضع هونغ كونغ أمام ظاهرة الانكماش في النمو الاقتصادي والمال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178927

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178927 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40