الأحد 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

شكر لا تستحقه داعش

الأحد 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par فهمي هويدي

حين ينعقد مؤتمر إعمار عزة في القاهرة اليوم فينبغي أن نتوجه بالشكر لثلاثة أطراف: النرويج التي أطلقت الفكرة ومولتها، ومصر التي رحبت بها وتحمست لاستضافة المؤتمر، وداعش التي حفزت الجميع على المسارعة إلى إعمار القطاع تجنبا لما هو أسوأ. ذلك أن فكرة المؤتمر كانت اقتراحا نرويجيا، وكان الموعد المقترح لعقده هو الخامس من شهر سبتمبر الماضي، بعد نحو أسبوعين من سريان وقف إطلاق النار في غزة، إثر العدوان الذي شنته إسرائيل في الثامن من شهر يوليو الماضي، وأدى إلى قتل ألفي شخص وإصابة نحو١١ ألف جريح، إلى جانب تدمير أكثر من ٢٠ ألف بيت، نصفها تمت تسويته بالأرض، والثابت أن الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل أثناء العدوان التي قوبلت ببسالة من جانب المقاومة الفلسطينية أحدثت تحولا مهما في الرأي العام الغربي بوجه خاص، فكان أن سارعت النرويج التي رعت اتفاق أوسلو بين طرفي الصراع في عاصمتها عام ١٩٩٣ إلى الدعوة لعقد مؤتمر إعمار القطاع. وهي الدعوة التي التقطتها القاهرة فأجرت اتصالات مع السلطات النرويجية عرضت خلالها استضافة المؤتمر وتوجيه الدعوة إلى المشاركين فيه. قوبل الاقتراح بترحيب من جانب النرويجيين لأسباب عدة بعضها يتعلق بأهمية الدور الجغرافي المصري في الشأن الفلسطيني، وكون القاهرة راعية للحوار بين الفصائل الفلسطينية، والبعض الآخر يتعلق باختصار نفقات المؤتمر، حيث تبين أن عقده في القاهرة يتكلف نحو مليوني دولار، في حين أن تكلفته في العاصمة النرويجية تصل إلى ثلاثة أضعاف ذلك المبلغ.
هناك عنصران مهمان أسهما في تحريك فكرة إعمار غزة، الأول تمثل في الوفاق الذي تم بين حركتي فتح وحماس، والذي أدى إلى تشكيل حكومة واحدة ووفد موحد في المفاوضات التي تحدث فيها الوفد من موقف القوة بسبب الصمود والإنجاز الذي حققته المقاومة في غزة. وهي المفاوضات التي أدت إلى وقف إطلاق النار وأسفرت عن مجموعة النقاط الإيجابية المتعلقة بفتح المعابر والسعي لإنهاء الحصار وحل مشكلة تحويلات رواتب موظفي القطاع، وسواء كان أبو مازن متحمسا لحكومة الوفاق أو مضطرا إليها، نظرا لأن إسرائيل لم تقدم إليه شيئا، الأمر الذي أدى إلى تدهور أسهمه في الساحة الفلسطينية، فالشاهد أن الوفاق كان إنجازا من أكثر من زاوية، فقد حقق وحدة الصف بصورة نسبية، كما أنه كان بمثابة طوق نجاة للرئيس الفلسطيني، فضلا عن أنه أسفر عن حكومة أصبحت تشكل عنوانا يمكن للمجتمع الدولي مخاطبته باعتباره يمثل الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وليس في الضفة وحدها، ولابد أن يسجل في هذا الصدد تقدير خاص لمرونة حماس التي تخلت عن السلطة في القطاع لإنجاح الوفاق وحكومته.
العنصر الآخر الجدير بالملاحظة يتمثل في التغيير الذي طرأ على الموقف الإسرائيلي، ذلك أن حكومة إسرائيل كانت قد أعلنت في البداية مقاطعتها لحكومة الوفاق، ورفض السماح لها بالمرور فوق «أراضيها» من الضفة إلى القطاع، ولكن المتغير الذي حدث بعد الحرب، خصوصا تعاطف الرأي العام الدولي مع مظلومية الفلسطينيين، والاعتراف المتزايد بالحكومة الفلسطينية، والحماس الدولي لإعمار القطاع والضغوط التي مورست في ذلك الاتجاه، هذه العوامل دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عن موقفها، حيث تبين لها أنها لا تستطيع أن تواصل منع الحكومة من أداء مهامها.
من ثم فإنها عقدت عدة اتصالات مع مبعوث الأمم المتحدة ومع أعضاء في حكومة رام الله، تم خلالها التراجع عن موقف الرفض والمقاطعة (زيارة رئيس حكومة الوفاق لغزة كانت إحدى ثمار ذلك التحول) وقد لاحظت الصحف الإسرائيلية ذلك فكتب المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان يقول «إنه دون مفاوضات رسمية في القاهرة، ودون تصريحات مثيرة أو توقيع اتفاقيات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر، فإن الأبواب انفتحت لإعادة إعمار القطاع». وأشار إلى أنه خلال عشرة أيام ستصل الرواتب إلى موظفي حكومة حماس، وخلال شهر ستتدفق على غزة كميات هائلة من مواد البناء، مضيفا أن إسرائيل وافقت على انتشار رجال السلطة الفلسطينية على معبري كرم أبو سالم وايرز، في حين وافقت مصر مبدئيا، بشروط لم تحدد، على وجود رجال السلطة في معبر رفح.
هذا التحول في الموقف الإسرائيلي ليس استجابة لضغوط دولية فحسب، ولكن وراءه رؤية تبنتها أطراف عدة في الإدارة الأمريكية، وفي الحكومة الإسرائيلية ذاتها، وهي تنطلق من إدراك أهمية إنعاش القطاع لتخفيف حدة البطالة وتجنب الاختناق الذي يمكن أن يفضي إلى الانفجار، ولم تكن هذه هي الرؤية الوحيدة، لأن حكومة إسرائيل ضمت وزراء من غلاة اليمين انحازوا إلى فكرة تدمير حماس، وإحكام الضغط على القطاع لقهر سكانه. ومن هؤلاء وزيرا الخارجية والاقتصاد، ولكن كفة الرأي الأول رجحت ليس إنصافا للفلسطينيين أو تعاطفا معهم، ولكن تجنبا لحدوث الأسوأ في حالة تبني سيناريو التدمير، عبر عن ذلك مايكل فلين رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية الذي حذر من عواقب ذلك السيناريو، وقال صراحة «إن أحدا لا يضمن ألا يأتي بعد ذلك طرف فلسطيني آخر أسوأ من حماس»، في هذه النقطة نقل عن أحد باحثي معهد الدراسات الأمنية والسياسية في برلين اسمه جيدو شتاينبرج قوله «إن شعبية الجماعات الجهادية ازدادت في السنوات العشر الأخيرة، وأن حماس تسيطر على تلك الجماعات في غزة (القاعدة وجبهة النصرة والسلفية الجهادية). إذا نجحت في استيعابها وكبح جماحها». وأضاف «أن أي إضعاف لحماس سوف يؤدي إلى انطلاق تلك الجماعات على نحو قد تتعذر السيطرة عليه». وهو تحليل يصوب النظر نحو تجربة داعش في سوريا والعراق. ويرى فيها خطرا ينبغي ألا تهيأ أي فرصة لوقوعه. وأحسب أن توقي كان أحد العوامل التي شجعت على تغيير مواقف مختلف الأطراف، خصوصا الحكومة الإسرائيلية، ذلك أن الجميع وجدوا أن إنعاش اقتصاد القطاع والتخفيف من قسوة الحصار يفوت الفرصة أمام احتمال ظهور «داعش» في غزة. وهو ما يسوغ لنا أن نفكر في أن نوجه إليها الشكر رغما عنا لأن النموذج الفظ الذي قدمته كان كامنا في خلفية المؤتمر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2177254

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177254 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40