السبت 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

اردوغان … من مأزق الى آخر

السبت 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par معن بشور

في لقاء عابر ضمني الى سفير تركيا في لبنان السيد إينان أوزلديز وبعد ان اتضح حجم تورط حكومة العدالة والتنمية في الاحداث السورية، قلت للسفير :” اتمنى ان تنقل هذه الرسالة الى رئيس حكومتك (آنذاك) رجب طيب اردوغان من مواطن عربي وعروبي طالما سعى، وما زال، الى إقامة مثلث عربي – ايراني – تركي يشكل قاعدة لاستقلال حقيقي لإقليم تجمع سكانه عقيدة واحدة، ويرتكز تراثه الى حضارة مشتركة، كما يشكل إتساعه وموارده مرتكزاً لتنمية اقتصادية حقيقية تجعل من هذا الاقليم منظومة اقتصادية ومالية وتجارية كبرى بين المنظومات القائمة حالياً”…
واستطردت قائلاً : “رسالتي للسيد اردوغان انه اذا تصرف في سوريا كرئيس تركيا فستربح تركيا ويربح حزبه، اما اذا تصرف كرئيس حزب او جماعة او فئة، فستخسر تركيا، كما سيخسر حزبه والجماعة والفئة التي ينتسب اليها”.
كان في اللقاء ايضاً، الذي تم في حفل استقبال اقامه السفير المغربي في لبنان الصديق المثقف الدكتور علي اومليل بمناسبة عيد المغرب الوطني، سفيرة الاتحاد الاوروبي في لبنان أنجلينا ايخهورست التي تدخلت في الحديث بعد ان أطرق السفير التركي رأسه مفكراً فيما قلته، وربما في الطريقة التي سينقل بها هذه الرسالة.
قالت السفيرة الاوروبية :” لقد أُعلن بالأمس عن تأسيس “الجيش السوري الحر” وهذا ما سيؤثر طبعاً على النظام في سوريا”، قلت للسفيرة يومها:” ولكن هل بلادكم مستعدة لارسال جيوش الى سوريا لمساعدة من تسمونه معارضة؟!” اجابت على الفور :” كلا… كلا…”.
فعلقت على جوابها قائلاً:” اذا كان الأمر كذلك، لماذا تدفعون بهؤلاء الناس الى الانتحار الجماعي وانتم غير راغبين او جادين بنجدتهم؟، لماذا تحرضونهم على حروب تؤدي الى تدمير بلادهم ومجتمعاتهم ومرافقهم، وانتم تعرفون انهم لن يحققوا شيئاً من أهدافهم؟! ألا تعتقدين ان حكوماتكم إذن شريكة في مسؤولية سفك دماء السوريين ايضاً؟,
صمتت السفيرة الاوروبية وودعتنا ومشت، فيما بقي السفير التركي يفكر فيما قلته.
استحضرت هذا الحوار في لحظة ، وصل بها الثنائي اردوغان – داود اوغلو الى ذروة مأزقهما السياسي لا سيّما في ظل حرب عين عرب (كوباني)، التي يظهر فيه الكرد السوريون بسالة منقطعة النظير في مواجهة هجمات (داعش)، كما في ظل بروز “ائتلاف” تقوده واشنطن وتتمنع انقرة عن الالتحاق به إلا بشروطها التي لم تنجح حتى الآن في اقناع واشنطن بقبولها وامكانية تحقيقها.
حرب (داعش) على عين عرب، تتحول الى احتجاجات دموية داخل المدن التركية، لا سيما مدن جنوب شرق تركيا وفي المقدمة منها مدينة ديار بكر. هذه الاحتجاجات التي وصل صداها ايضا الى انقرة واسطمبول تضغط على اردوغان ان يتحرك لانقاذ عين عرب، كما للإفراج عن العديد من المثقفين والمهنيين الاكراد السوريين الذين فروا من نار الحرب على مدينتهم ليقعوا في “رمضاء” السجون التركية.
واردوغان يخشى من اتخاذ قرار بالتدخل، لأن هذا القرار سيؤودي الى احتدام الصراع الاقليمي والدولي في المنطقة، كما لن ينجوا الداخل التركي من شظاياه لا سيما ان لداعش وامثاله نفوذ داخل البيئة التي يرتكز عليها اردوغان، وتشكل قاعدة شعبيته، وفي الوقت ذاته يخشى من عواقب سقوط عين عرب (كوباني) وتداعياته داخل تركيا وفي محيطها.
ان حكومة اردوغان عالقة اذن بين خيارين صعبين، فلا تستطيع تحمّل نتائج سقوط “عين عرب” التي لا تبعد اكثر من 30 كلم عن الحدود مع تركيا من جهة، كما لا تستطيع تحمّل نتائج التدخل البري الذي تضع كل يوم له شروطاً، تدرك هي قبل غيرها، استحالة تحقيقها.
هذا المأزق، ليس المأزق الوحيد الذي وضعت حكومة اردوغان نفسها فيه، ولن يكون الاخير، ما دامت مصممة على انتهاج سياسة تغلّب فيها الاهواء الذاتية على المصالح الموضوعية، والصغائر على المصائر، والحقد على العقل، والحسابات الخاطئة على التقدير السليم للموقف.
مأزق آخر وضع اردوغان نفسه فيه عبر علاقته المتأزمة مع حليفه الأكبر في واشنطن، وقد تلمس رئيس جمهورية تركيا حجم تضايق ادارة اوباما من سياساته الفاشلة في سوريا ومصر، في تونس وليبيا، في اليمن وصولاً الى فلسطين، فالادارة الامريكية تحاسب “حلفاءها” او ادواتها بمدى التزامهم بطاعة اوامرها فحسب، بل بمدى قدرتهم على تحقيق انجازات على هذا الصعيد، واذا بالذين وعد اردوغان اوباما ان يصيروا حكاماً على اقطار عربية عريقة وكبيرة يصبحون لاجئين سياسيين بين انقرة واسطمبول.
وبدلاً من ان ينضوي اردوغان الخاسر في اكثر من جبهة، تحت لواء ائتلاف يقوده اوباما للتدخل في سوريا والعراق، بدأ يضع شروطاً لا تستسيغها واشنطن في الوقت الراهن على الأقل، الى ان تلقى الصدمة الاكبر في نيويورك حين استقبل اوباما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (خصمه اللدود)، فيما لم يحظ اردوغان وهو المنتخب حديثاً لرئاسة الجمهورية التركية بأكثر من لقاء مع نائب الرئيس جوزف بايدن، فعاد مسرعاً الى بلاده ليعلن استعداده للانضمام الى “الائتلاف” بعد الافراج عن الرهائن الاتراك الذين “اسرهم” تنظيم داعش في الموصل.
لكن الوعد الاردوغاني تحوّل الى مأزق جديد، اذا لم يستطع “الرئيس ” العنيد والقوي ان يصدر قراراً بالتدخل، رغم اجازة البرلمان التركي له ذلك، لاسباب ذكرناها سابقا في هذا المقال، وطلب وفداً امريكياً يزور انقرة للبحث في التفاصيل التي كثيراً ما تسكن فيها الشياطين.
مأزق اردوغان المتفرع من مآزقه الأخرى يكمن ايضاً داخل معسكره نفسه، بدءاً من خلافه الشهير مع داعمه الاساسي وصاحب الفضل في تتويجه زعيماً للحركة الاسلامية “المعتدلة” “والمنفتحة”في تركيا، على حساب مؤسسها الدكتور الراحل نجم الدين اربكان اي فتح الله غولن، وصولاً الى خلافه مع شريكه في مسيرة الانشقاق عن اردوغان، الرئيس التركي السابق عبد الله غول الذي لا يخفي، كما الكثير من انصاره، غضبهم على اردوغان” ناكر الجميل والفضل” الذي لا يريد معه شركاء في قيادة الحزب والبلاد بل مجرد تُبّع وأمعات.
أما مأزق اردوغان الاصلي الذي تفرعت عنه مآزقه الاخرى، فهو ذلك الخلط بين الواقع والاوهام، بين الامكانات الفعلية والاحلام غير الواقعية ، بين القراءة الدقيقة للواقع وبين الاستسلام للتفكير الرغبوي.
في حمّى هذا المأزق نسي اردوغان ان الفضل في كل ما حققه من انجازات داخلية، لا سيما الاقتصادي منها، يعود في قسم كبير منه الى سياسته الخارجية حيث نجح في السنوات الاولى لحكمه في احاطة بلاده بسلسلة من الدول الصديقة والمتعاونة بل والمتكاملة مع تركيا، ونسي ان الخلل في هذه السياسات الخارجية، والذي تجلى في سوريا ومصر بشكل خاص، لا بد وان يؤدي الى خلل في السياسة الداخلية لتركيا سواء لجهة الامن والاستقرار او لجهة النمو والاستثمار…
فهل يستطيع اردوغان ان يجري مراجعة جذرية في سياساته؟ وهل هو قادر على ان يخرج نفسه من كل المآزق التي وضع نفسه بها؟
أسئلة سيجيب عليها الميدان في تركيا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2165913

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165913 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010