السبت 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

ما بعد الخطاب

السبت 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par عوني صادق

بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها التاسعة والستين، و“ثورة” شركائه “الإسرائيليين” والأمريكيين عليه، استمر الحديث في الأوساط الفلسطينية حول “الخطة” التي يفترض أن تبدأ بتقديم مشروع إلى مجلس الأمن ينتهي بصدور قرار يحدد سقفاً زمنياً لإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية المحتلة في يونيو/ حزيران 1967 . ولأن “الفيتو” الأمريكي جاهز لإسقاط المشروع، حيث أبلغت الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية بأنه لا فائدة من تقديمه، أصبح من الضروري التفكير في الخطوة التي تلي ذلك، وهي، كما حددها الرئيس عباس، الانضمام إلى المنظمات الدولية، فضلاً عن التهديدات بإعادة النظر في كل علاقات السلطة ب“إسرائيل”، وهو ما وصل إلى مشارف التخلي عن “اتفاق أوسلو” وحل السلطة .
ويستوقف المراقب، قبل أن نلج إلى “الخطة” التي يدور حولها الحديث، أمران: الأول، أن هذه ليست المرة الأولى التي تفتح فيها السلطة الفلسطينية النارعلى المفاوضات التي كثيراً ما وصفتها بالعبثية، ولا على “اتفاق أوسلو والسلطة التي بلا سلطة”، ولا هي المرة الأولى التي اتهمت فيها “الراعي الأمريكي” بالانحياز . وإذا رأى البعض أن الخطاب في الجمعية العامة جاء نتيجة ل “يأس” الرئيس من المفاوضات وراعيها والشريك فيها، فإنه سبق له أن أعلن عن هذا “اليأس” أكثر من مرة، وبطرق وفي مناسبات عدة، ثم عاد الحديث بعد كل مرة عن “فرصة أخيرة”! وحتى الخطاب “التاريخي” في الجمعية العامة، انطوى على “فرصة أخيرة” للمفاوضات، ولكن هذه المرة مشروطة بقبول مشروع القرار المنوي تقديمه لمجلس الأمن!
الأمر الثاني، أن الانضمام إلى “المنظمات الدولية”، على أهميته، ليس أكثر من بداية طريق طويلة تحتاج إلى جهود كبيرة حتى يصبح ممكناً معها الوصول إلى نتيجة، ما يعني أن الخطوة ليست مضمونة أو سريعة النتائج، ما دامت تعتمد فقط على “إقناع وكسب” الرأي العام العالمي ودوله، وما دامت “منزوعة الدسم”، أي ما دامت “الخطة” تستبعد المساهمة التي يمكن أن تقدمها المقاومة المسلحة، إذ أكد الرئيس عباس في تصريحاته الأخيرة نفسها، والتي تضمنت التهديدات كلها، أنه لن يسمح ب“إطلاق رصاصة واحدة”!
لا نقول ذلك تشاؤماً، بل تقرير واقع عرفناه وعشناه جميعاً على جلودنا منذ نحو نصف قرن، وحتى اليوم . فحتى لو لم تلجأ الولايات المتحدة ل“الفيتو”، ومر مشروع القرار نفسه بالإجماع، فنحن لم ننس قرار مجلس الأمن رقم (242) واللورد كرادون وأل التعريف ورحلات غونار يارينغ المكوكية وما بعدها، والتي انتهت بحرب أكتوبر/تشرين الأول (التي تمر ذكراها هذه الأيام) 1973 . لكنا لو تعامينا عن ذلك كله، ولجأت الولايات المتحدة إلى “الفيتو، وانتقلت السلطة الفلسطينية إلى الخطوة التالية ومخاطبة الرأي العام العالمي ودوله، للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ،1967 فالنتيجة تكاد تكون معروفة . ولنأخذ الموقف الأوروبي الحالي نموذجاً، إذ فرحت السلطة بتصريح سويدي قال إنه سيعترف بالدولة الفلسطينية، وتبعته تصريحات مماثلة من فرنسا وإيطاليا، وأعربت السلطات”الإسرائيلية“عن”قلقها" إزاء ذلك .
لندقق قليلاً في تلك التصريحات، لنتأكد أنه ليس في المواقف الأوروبية جديد، وأن هذه المواقف لم تخرج من دائرة التلاعب، وسياسة خلق الأوهام التي وفرت الوقت المطلوب للحكومات “الإسرائيلية”، لتضاعف الاستيطان الذي تحقق في السنوات الماضية . فبعد خطاب الرئيس عباس، صادقت الحكومة “الإسرائيلية” على بناء مساكن جديدة في القدس، وقد “أغضب” ذلك الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي . وقد صدر عن الأخير بيان دان فيه هذه “الخطوة”، وجاء في البيان: “هذه خطوة جديدة ضارة جداً، وتقوض أفق حل الدولتين، وتشكك بالتزام”إسرائيل“بالحل السلمي التفاوضي مع الفلسطينيين”! وأضاف البيان: إنه لا يمكن حل النزاع إلا عندما يمتنع الطرفان عن العمليات أحادية الجانب التي تغير الواقع على الأرض“، مذّكراً بأن”الاتحاد الأوروبي لن يعترف بأي تغيير لحدود ما قبل ،1967 بما فيها القدس الشرقية، إلا إذا توافق الطرفان" على ذلك!
أظن أننا سمعنا وقرأنا مثل هذا البيان مرات عدة، منذ التوقيع على “اتفاق أوسلو” قبل عشرين سنة . وحتى لو تضمن البيان، عبارات ترضي السلطة الفلسطينية، وأنصار المفاوضات و“حل الدولتين”، فإنه يبدأ وينتهي بإدانة “الخطوات والعمليات أحادية الجانب”، والأخطر من ذلك أنه بعد أن يؤكد أن “الاتحاد الأوروبي لن يعترف بأي تغيير لحدود ما قبل ،1967 بما فيها القدس الشرقية” ينهي ذلك بالقول: “إلا إذا توافق الطرفان” على ذلك! فأي تلاعب، وأي استغباء للجانب الفلسطيني ينطوي عليه هذا البيان؟!
إن الاتحاد الأوروبي، مثله مثل الولايات المتحدة، يصر على المفاوضات، والتوافق على الحل الوهمي المسمى “حل الدولتين” . والأدهى أن إدانة “العمليات أحادية الجانب” تشمل “أقوال” السلطة الفلسطينية، بينما الحكومات “الإسرائيلية” هي التي ضاعفت الاستيطان والتهويد ومصادرة الأرض وغير ذلك عبر “عمليات أحادية الجانب”، وغيرت كل شيء على الأرض وفي القوانين أيضاً! فأين كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عندما كان كل شيء يتغير بإجراءات “إسرائيلية” أحادية الجانب؟
من هنا تتكشف “خطة” الرئيس عباس وتهديداته عن لا شيء . ومن هنا أيضاً يتضح أن استبعاد “إطلاق رصاصة” من المقاومة هو الذي يمكن أن يعطي أقواله وأقوال غيره معنى تصبح المفاوضات معه ممكنة . ومن دون المقاومة المسلحة يبقى كلّه كلاماً في كلام!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165610

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165610 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010